في صباح اليوم التالي لوصولي إلي مدينة الكافالتونسية. جاءتنا الأنباء عن الاشتباكات التي حدثت بين جماعات السلفيين والمسرحيين التوانسة في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس .. كان مبرر السلفيين أنهم وجدوا رسومات علي جدران أحد المساجد ومحاولات لتدنيس المصحف الشريف . ومن الطبيعي أن ما حدث لا يرضي أحدا علي الإطلاق من المسرحيين المعتدي عليهم فهم ليسوا من الكفار وإنما هم مسلمون يخافون علي كتاب الله . انتظر المسرحيون في تونس أن يؤكد لهم أي مصدر رسمي أو غير رسمي الواقعة ولم يستطع أحد تأكيد ما حدث أو تحديد المسجد الذي حدثت فيه الواقعة .. المهم ربنا ستر وانتهت الاشتباكات بعد تدخل الشرطة التونسية ودخل المسرحيون إلي مقر الاحتفال باليوم العالمي للمسرح الذي كان يقام في المسرح الوطني .. وكان من الواضح أن هناك من أطلق الإشاعة ليحدث ما حدث.. هذه الواقعة البسيطة تدل علي أن هناك من يحرض علي الهجوم ضد المسرحيين والمثقفين ومن يسعي للوقيعة بين التيار الإسلامي والليبراليين في تونس.. تونس سبقتنا في أحداث الربيع العربي وكان المثقفون من أوائل من خرجوا لإسقاط الرئيس المخلوع بن علي مثلهم مثل المثقفين المصريين الذين ثاروا علي حكم مبارك وكانوا في طليعة من وقفوا في ميدان التحرير وميادين مصر المختلفة للتنديد بالظلم والاستبداد في العهد البائد ولذلك كان غريبا تلك الهجمة علي حرية الإبداع في مصر ممثلا في الحكم الصادر بحبس الفنان عادل إمام 3 شهور وغرامة 100 جنيه . المشكلة ليست في الحكم وإنما في محاولات إسكات كل المبدعين وكأن المسألة " تار بايت" بين السلطة أيا كانت والمثقفين.. أي سلطة وأي حكم ففي ظل حكم مبارك كانت هناك محاولات نشطة لتحجيم المثقفين فيما عرف بتعبير " حظيرة المثقفين " ومحاولات إدخالهم في حظيرة السلطة وإغراء المثقفين بالمال والجوائز وإجازات التفرغ وغيرها من المحاولات لضمان والولاء للحاكم .. وكنت أظن أن هذه المحاولات سوف تنتهي إلي الأبد بعد قيام ثورة 25 يناير لكنها عادت من جديد بشكل وأسلوب مختلف عاد بنا إلي عصر الحسبة التي هي بدون شك تصب في محاولات السيطرة علي حرية الإبداع . ليست المشكلة في عادل إمام أو غيره لكنها في هؤلاء الذين اتهموه بإزدراء الأديان وهي تهمة بشعة فهناك فرق كبير بين الإسلام والتطرف والإرهاب فهذا الدين القيم لا يدعو إلي العنف ولنا في رسول الله أسوة حسنة فكان يدعو إلي الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يعرف الإسلام التطرف في كل مراحله وعندما يحارب فنان مثل عادل إمام الإرهاب فهو لا يزدري الدين ولا نسمح له مطلقا بالعمل ضد الدين ولكن القضية مختلفة وقديمة ليست وليدة اليوم . كما أنني أطالب المبدعين مراعاة أشياء كثيرة فيما يكتبون والحفاظ علي قيم المجتمع ومقاومة العري وهذه أشياء أساسية في الإبداع والا يكونوا ضد قيم المجتمع وعاداته والا يخرجوا عليها بدعوي حرية الإبداع وليست الحكاية في ترهيبهم بالحبس فالإبداع لا ينمو في ظل الهيمنة والسيطرة وعدم الاستماع إلي الرأي الآخر ! تكريم الأحياء قام المركز القومي للمسرح بتكريم اسم الفنان السيد راضي وهذا في حد ذاته موقف رائع لكنني أتوقف دائما عند هذا النوع من التكريم في مصر .. لماذا لا يتم تكريم الأحياء أيضا قبل موتهم.. أليس في هذا عرفان لهم بالجميل وتقدير الأمة فنأخذ منهم في آخر سنواتهم ما يفيد الناس.. لماذا لا نهتم بتكريم كل من يبدع في عمله وهو حي يرزق فنعمل علي تشجيعه أم أن البكاء علي الإطلال هو طابعنا.. وحتي لا يظن أحد أنني ضد تكريم السيد راضي فهو رجل قدم الكثير من الجهد في مجاله لكن أجمل ما قاله لي السيد راضي قبل وفاته أنه كان سعيدا جدا بتكريم المهرجان القومي للمسرح وهو حي له فقد شعر بالرضا بهذا التكريم وهو علي قيد الحياة.