ما أكل أحد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يده. وان نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده منذ قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير والاحتجاجات والمطالب الفئوية لا تنتهي ولا تنقطع وفي كل يوم جمعة تقوم المظاهرات المليونية كل مرة تحت شعار من الشعارات.. وتوقف العمل والانتاج حتي اشفق علينا كثير من الدول فقام البعض باعطاء المنح والقروض والبعض باسقاط الديون ونحن لانزال نحتج ونتظاهر. ونادي القائمون علي أمر الدولة ان الاقتصاد وصل الي مرحلة الخطر ولا من مجيب. واساس بناء الدول وتقدمها هو العمل الجاد المثمر الذي يبني ويعمر. ويصنع الامجاد ويقيم الحضارة ويحافظ علي كرامة الامة واستمرار عزتها ورفعتها. فيقول المولي عز وجل: »ولقد مكناكم في الارض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون« ويقول الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم: »ما أكل أحد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يده. وان نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمد يده«. والعمل في نظر الاسلام- هو كل سعي يرضي عنه ربنا سبحانه. ويستطيع الانسان ان يجعل حياته كلها عبادة اذا اتقن العمل وراقب الله في السر والعلن لان رسالة الاسلام دين ودنيا. »جلس رسول الله صلي الله عليه وسلم يوما فسمع اصحابه يثنون علي رجل فقالوا: ان فلانا يصوم النهار ويقوم الليل ويكثر الذكر فقال: ايكم يكفيه طعامه وشرابه؟ فقالوا كلنا يا رسول الله. فقال: كلكم خير منه«. فلما سمع اصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك اندفعوا الي العمل حتي جاء ذكر التجار منهم مقترنا بذكر المجاهدين في سبيل الله. وفي هذا يقول القرآن الكريم: »وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله«. وكان ابوبكر الصديق رضي الله عنه يكره ان يتخلف عن التجارة حتي بعد ان ولي امر المسلمين الي ان نصحة المسلمون بان يفرغ نفسه لشئون الامة كما جاء في التاريخ. قال ابن سعد: لما استخلف ابوبكر اصبح غاديا الي السوق وعلي.. رأسه اثواب يتجر بها. فلقيه عمر بن الخطاب وابوعبيدة بن الجراح فقالا له: كيف تصنع هذا وقد وليت امر المسلمين؟ قال: فمن اين اطعم عيالي؟ قالا: نفرض لك.. ففرضوا له كل يوم شطر شاة. أرأيتم كيف ان ابا بكر لم يترفع عن العمل حتي بعد ان صار خليفة لرسول الله صلي الله عليه وسلم. وكان قبل الخلافة يزاول التجارة وينميها. ويضرب في الارض يبتغي من فضل الله فلم يقعده مركزه الاجتماعي ومكانه من رسول الله عن السعي والتجارة حتي بلغ ماله اربعين الف دينار فكان يعتق من هذا المال المستضعفين والأرقاء. ويطعم منه الفقراء والمساكين. طلب الرزق ولم يقعده حرصه الشديد علي ملازمة الرسول صلي الله عليه وسلم عن السفر للتجارة وطلب الرزق لان الاسلام علمهم العزة والعفة.. والوفاء والإباء والمروءة والسخاء. ومع هذا فقد تركوا اموالهم وديارهم وثراءهم يوم هاجروا الي المدينة، اعزازا لكلمة الله وتلبية لداعي الحق. وقد اطمأنت نفوسهم الي ان ما عند الله خير وابقي وقد جادوا بارواحهم أفلا يجودون بأموالهم: »اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم«. وهذه نفوس عالية قد نزع الله منها الشح والحقد والانانية والانتهازية والغل الكريه. وملأها امنا وعدلا وايمانا: »والسابقون السابقون اولئك المقربون في جنات النعيم«. ولقد نظر الاسلام الي الزمن نظرة صادقة فاعتبره سجل اعمال يدون فيه الانتاج وقرر ان خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشرهم من طال عمره وساء عمله. وقد اقسم الله عز وجل في محكم كتابه بالزمن فقال سبحانه وتعالي: »والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر« وهذا القسم يشعر بقيمة المقسم به ووجوب الحرص عليه. المكفي الفارغ ويقول المصطفي صلي الله عليه وسلم: »اشد الناس عذابا يوم القيامة المكفي الفارغ« والمكفي هو الذي يكفيه الناس ضرورات الحياة، والفارغ المتعطل المتكاسل المتخاذل. ومن الخطأ العبث بالوقت وهو فرصة للعمل للدين والدنيا معا فاذا استكان الناس الي حياة الدعة وذهبوا يقولون: نحن نتفرغ للعبادة والزهادة.. فهذا ما يأباه دين الله فيقول النبي صلي الله عليه وسلم »لأن يأخذ احدكم حبلا فيذهب فيأتي بحزمة حطب علي ظهره فيكف الله بها وجهه خير له من ان يسأل الناس. اعطوه او منعوه« بهذا يريد رسول الله صلي الله عليه وسلم للمسلم ان تكون عنده مروءة ولديه عزة تمنعه من التدني وانتظار الاحسان وادب اصحابه علي ذلك فأحسن تأديبهم. فقد روي ان عثمان بن عفان رضي الله عنه ارسل الي ابي ذر الغفاري رضي الله عنه بصرة فيها نفقة علي يد عبده وقال ان قبلها فانت حر!! فأتاه بها فلم يقبلها. فقال له: اقبلها يرحمك الله فان فيها عتقي قال »ابو ذر« ان كان فيها عتقك ففيها رقي وأبي ان يقبلها. هذه نفس ابية ذات عفة وعزة وايمان بان الله وحده هو الرزاق ذو القوة المتين وهو القائل: »فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه«. والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: »من يتصبر يصبره الله ومن يستغفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله« وروي ان رجلا اتي الي النبي صلي الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اوصني واوجز فقال: عليك باليأس مما في ايدي الناس فانه الغني واياك والطمع فانه الفقر الحاضر، وصل صلاتك وانت مودع واياك وما يعتذر منه«. ولما كان العمل مؤكدا للتوكل علي الله لان التوكل غير التواكل، فالصانع في مصنعه مجاهد والمزارع في مزرعته مجاهد والطالب المجد في معهده مجاهد والله لا يضيع اجر من ااحسن عملا وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: »سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم اي الكسب اطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور« ورأي اصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم رجلا فأعجبهم جلده ونشاطه وهمته فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال صلي الله عليه وسلم لا تقولوا هذا فإنه ان كان خرج يسعي علي اولاده صغارا فهو في سبيل الله، وان كان خرج يسعي علي ابوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وان كان خرج يسعي علي نفسه يعفها عن السؤال فهو في سبيل الله، وان كان خرج يسعي رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان. العمل الصالح »وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون« والعمل الصالح مقرون بالايمان، قال تعالي: »من عمل صالحا من ذكر او انثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون« فالعمل الصالح يعلي الهمم ويرقي بالامم ويطهر الذمم، والاسلام يعتبر العمل امانة »فليؤد الذي ائتمن امانته وليتق الله ربه« والله عز وجل يحب العبد الذي يتقن عمله »ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه« والانسان اذا اخلص في عمله وحقق الامل المعقود عليه كان عند الله وجيها »اخلص العمل فان الناقد بصير«. روي ان بعض الصالحين وقف علي باب المسجد بعد صلاة الجمعة وقال داعيا ربه »اللهم اني اجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما امرتني، فارزقني من فضلك وانت خير الرازقين وهو في هذا قد علم بقول الله سبحانه »فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون«. وعمل الرجل بيده يعاونه علي جمع المال الذي يحيا به كريما ويقيم به اسرة سعيدة ثم يخرج منه زكاته، كما يعينه علي اداء فريضة الحج الي بيت الله بالاستطاعة المالية والبدنية: »وابتغ فيما آتاك الله الدار الاخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا« واما اليد المتبطلة المتعطلة فتسارع الي الشر والفساد والله يحب العبد المحترف الذي يتخذ المهنة ليستغني بها عن سؤال الناس: »من امسي كالا من عمل يده امسي مغفورا له«. الخاملون المتكاسلون اما المهملون في عملهم والقاعدون المتقاعسون، والخاملون المتكاسلون، فاولئك هم شر البرية، فما استقامت الحياة الا بصالح العمل، فالعمل قوام الحضارة واساس العمران فيقول الرسول صلي الله عليه وسلم »نعمت الدنيا مطية المؤمن بها يدرك الخير وينجو من الشر، ومن طلب الدنيا حلالا وتعففا عن المسألة وسعيا علي عياله وتعطفا علي جاره لقي الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر« اما من استمرأ الحرام واستباح لنفسه ولأهله أكل السحت فقد خسر خسرانا مبينا »كل لحم نبت من سحت فالنار اولي به ومن باع عيبا لم يبينه لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه«. وقد عاتب النبي صلي الله عليه وسلم رجلا كان يبيع طعاما خلطه بالماء فأصابه بلل فقال »ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال اصابته السماء يا رسول الله: قال أفلا جعلته فوقه حتي يراه الناس، من غشنا فليس منا«. والله سبحانه وتعالي طيب لا يقبل إلا طيبا، والحلال بيّن والحرام بيّن والله لا يحب الفساد ولا يضيع اجر من أحسن عملا.