الحمد لله الذي بلغنا رمضان فكل عام والجميع بخير وسلام.. وهذا الشهر الفضيل يمثل فرصة ثمينة لكي نتوسل فيه إلي الله عز و جل بأن يمكننا من تغيير ما بأنفسنا وان يتقبل أحسن ما عملنا وان يتجاوز عن السيئات.. فنحن نحتاج إلي التغير من أجل تحقيق كل قيم التقدم الذي يليق بهذه الأمة.. ولعل من المهم ان ندرك بعضا من المفاهيم المحورية التي تمكننا من الانتقال من »ساحة الغفلة بكل ما تموج به من تخازل وفرقة وتناحر والتي تعرضنا للهلاك إلي ساحة اليقظة والصبر والمصابرة والمرابطة لجهاد النفس وجهاد كل الرذائل التي أدت وتؤدي بنا إلي التخلف بكل مستوياته وان نرتقي إلي الوعي الحي بمبادئ أو بروتوكولات ما يمكننا تسميته »بدبلوماسية عباد الله« في زمن اشتهر بمسميات عديدة للدبلوماسية بما فيها ماسمي بدبلوماسية »النصف كم« Short Sleeve Diplomacy وهو مصطلح يدل علي الدبلوماسية غير الرسمية - هذا علي اساس ان هناك دبلوماسية رسمية وأخري غير رسمية- عموما ان صك مصطلح »دبلوماسية عباد الله« اعني به أن تكون دبلوماسيتنا »غير الرسمية« في حلقات تفاعلاتنا مع النفس ومع الاصدقاء واعضاء الأسرة متسمة بنفس قواعد ومنطلقات دبلوماسيتنا الرسمية في العمل وفي السياقات المماثلة وألا تكون هناك فجوة أساسية بين النوعين من الدبلوماسية، إن عبور هذه الفجوة بين الدبلوماسيتين يحتاج منا إلي جهاد النفس الأمارة بالسوء والانتقال من »النفس اللوامة« إلي النفس المطمئنة بإذن الله وهذه النفس المطمئنة هي غاية وسمة »دبلوماسية عباد الله«.. ولعل ومن أجل تحقيق هذه الغاية المباركة ان نعي معني بعض المفاهيم المحورية وهنا أود أن نتجول بين ثنايا كنوز من تراث هذه الأمة، وهنا نعود إلي كتاد صيد الخاطر للإمام أبي الفرج الجوزي »015 ه - 795 ه« حيث يقول في فصل »بين اليقظة والغفلة« قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القسوة والغفلة! فتدبرت السبب في ذلك، فعرفته.. وهو أن المواعظ كالسياط والسياط لا تؤلم بعد انقضائها وقت وقوعها، كذلك ان حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة، وقد تخلي بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا، وانصت بحضور قلبه، فإذا عاد إلي الشواغل اجتذبته بآفاتها، وهذه حالة تعم الخلق، إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأمر..« وهنا نسأل الله العلي القدير أن يجعل من هذا الشهر الفضيل نقطة انطلاق بأن نتمسك بكل عوامل اليقظة الايجابية وما تستحضره من همة وارادة وحياة بعيدا عن الموات والغفلة واسبابها وكل ما تموج به وكل ما تؤدي إليه من مهالك.. وهذا الأمر يقودنا إلي كنز آخر وإلي كتاب آخر وهو كتاب »عدة الصابرين« وذخيرة الشاكرين« للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية »196 ه - 157 ه« حيث نجد في الباب الرابع معاني في غاية الأهمية في الفرق بين »الصبر والتصبر والاصطبار والمصابرة«.. حيث يقول الامام ابن قيم.. ان هذه الاسماء ترد بحال العبد نفسه وحاله مع غيره.. فإن حبس نفسه ومنعها عن اجابة داعي مالا يحسن، إن كان خلقا له وملكة سمي صبرا، وإن كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي تصبرا »كالتحلم والتشجع والتكرم والتحمل إلي آخره« وإذا تكلفه العبد واستدعاه صار سجية له، كما في الحديث عن »النبي صلي الله عليه وسلم- انه قال »ومن يتصبر يصبره الله« اخرجه البخاري.. وهنا نؤكد علي ما ذكره علماء اللغويات التطبيقية عن ظاهرة وأساليب اكتساب اللغة.. وهذا يدعونا للتأكيد علي امكانية ان يكتسب الانسان صفات جديدة ولغة جديدة حتي وان لم تكن به- ولكن لابد ان تتولد له الارادة لذلك.. من هنا نعود إلي كتاب ابن القيم لنجده يقول: »إنه يمكن اكتساب الخلق كما يكتسب العقل والحلم والجود والسخاء والشجاعة.. والمزاولات أو الممارسة تعطي الملكات، ومعني هذا ان من زاول شيئا واعتاده وتمرن عليه صار ملكة له وسجية وطبيعة.. فلا يزال العبد يتكلف التصبر حتي يصير الصبر له سجية.. أما المصابرة فهي مقاومة الخصم في ميدان الصبر.