مصر خاضت أربع حروب طاحنة ضد إسرائيل من أجل القضية الفلسطينية خلال النصف الأخير من القرن الماضي. وانهزمنا في ثلاث منها حرب 84، وحرب 56، وحرب 67 ثم ثأر جنودنا وضباطنا البواسل في الحرب الرابعة والأخيرة عام 73 من العدو الإسرائيلي، فطردوا قواته من معظم الأراضي المصرية التي كان الصهاينة يحتلونها منذ عقود عديدة سابقة. بعد النصر المذهل الذي حققته القوات المسلحة المصرية، وأعاد الكرامة ليس فقط للعسكرية المصرية وإنما للأمة العربية كلها، طرح الرئيس أنور السادات مبادرته التاريخية مطالباً بالسلام العادل والشامل والدائم لكل شعوب المنطقة. فليس معقولاً، ولا مقبولاً، أن تستمر الشعوب العربية في حالة حرب تنتهي بعد ساعات، أو أيام، لتعود حالة: »لا حرب ولا سلام« المزمنة انتظاراً لحرب جديدة بمعدل واحدة كل 10سنوات! وبذل السادات جهداً كبيراً في محاولة إقناع أقرانه من الرؤساء والملوك والشيوخ الأشقاء بقبول مبادرة السلام المصرية التي لن تحقق إعادة »سيناء« لمصر، و»الجولان« لسوريا، فقط.. وإنما تشترط أيضاً إنهاء الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي واسترداد الشعب الفلسطيني أرضه، وإقامة دولته المستقلة فوقها. ووعد السادات أقرانه الرؤساء والملوك بأنه لن يوقع اتفاقاً منفرداً، ما داموا سيتفاوضون إلي جانبه حول مائدة المفاوضات وتحت الرعاية الأمريكية. وللأسف.. رفض الزعماء العرب المبادرة السلمية، لدرجة أن أحدهم سارع بمهاجمة الرئيس المصري، والمطالبة بقطع العلاقات مع مصر.. بمجرد أن صعد السادات إلي طائرته وقبل إقلاعها في طريق عودته إلي القاهرة حتي يكون هذا الزعيم هو »الأول« في إعلان رفضه، و»الأول« في تحذيره وإرهابه لكل من يجرؤ علي طلب مهلة للمقارنة بين إيجابيات وسلبيات المبادرة المصرية، قبل رفضها أو قبولها! ولم يكن أمام الرئيس الراحل السادات إلاّ أن احترم قرارهم وكان يتمني رحمه الله أن يحترموا قراره الذي حظي وقتها بتأييد وترحيب الغالبية العظمي من الشعب المصري. لن أكرر اليوم الحديث عن عظمة هذه المبادرة، فيكفي التذكير بأنها أعادت لنا كل شبر أرض كان محتلاً في سيناء. والأهم أنها أنقذتنا من »إدمان« خوض الحرب بمعدل واحدة كل 10سنوات! ومن أعظم إنجازات الرئيس حسني مبارك في رأيي أنه استطاع أن يعيد العلاقات مع الأشقاء العرب كأحسن مما كانت قبل أن يقطعوها معنا، وحافظ علي احترامه لكل ما سبق لمصر التوقيع عليه، مادام في ذلك صالح مصر، واستقرار، وأمن وأمان سكانها. وكثيراً ما يدهشني من يقول، أو يكتب، مندداً بمعاهدة السلام المصرية/ الإسرائيلية. وينسي هذا البعض أنه لولاها لما نعمنا بسلام بلادنا، واستمرار أمنها لأكثر من ثلاثين عاماً.. وحتي اليوم، وغداً.. بإذن الله تعالي. مناسبة هذا الحديث.. ما قرأته أمس في معظم الصحف اليومية عما قيل في مجلس الشعب عن رغبة »نواب الإخوان« في »استدعاء سفيرنا في تل أبيب، وطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، توطئة لإلغاء معاهدة كامب ديفيد«! وقد أعجبني رد المهندس أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة في المجلس علي هؤلاء المغامرين بأمننا وأماننا، قائلاً بوضوح، وشجاعة، وحق، إنه: [ لا مصلحة تعلو فوق مصلحة مصر. والجنسية المصرية أهم من الجنسيات الأخري. ومصر لن تكون أول من تبكي علي المواطن الفلسطيني الذي يجب أن يبكي علي نفسه أولاً لنبكي عليه بعد ذلك]. وأضاف المهندس أحمد عز منبهاً إلي أن: [القضية الفلسطينية تمس الأمة الإسلامية كلها وليس مصر وحدها]. وازداد إعجابي بالرد عندما قال أحمد عز: [إن الأمن القومي المصري قضيتنا الأولي، وأي كلام غير هذا يخالف الدستور، ولا يتفق مع مباديء الوطنية، خاصة أن مصر لها حدود دولية معترف بها وأبناؤها جميعاً يحملون الجنسية المصرية وعلينا أن نستمر في تقوية الجيش المصري بهدف الردع وليس للعدوان. علينا أن نعمل علي تقوية توجهات السلام في إسرائيل لأن هذا يخدم القضايا العربية، لأن قوي الحرب في إسرائيل تريد الاستمرار والبقاء بإثارة الغضب والعنف، ومن الذكاء السياسي ألا نطالب بالمواجهة أو إلغاء معاهدة السلام، بل علينا أن نراجع التوازن الاقتصادي بين مصر والدول العربية البترولية التي لديها مدخرات مالية كبيرة جداً، فهل ستضع نصف ما لديها من دخل سنوي لدعم مصر إذا ما قامت بإلغاء إتفاقية السلام؟!]. كلمات صادقة، قوية، جريئة، وواقعية. وهي ليست بهدف الحصول علي دعم مالي من الدول العربية كما يتصوّر البعض وإنما هي تهدف إلي تعرية الذين يتصوّرون أن قدر مصر أن تعاود وحدها التصدي بالحرب في حين يظل الآخرون يتفرجون، ويشجعون، وينتقدون أو يتندرون.. كما عاهدناهم مع الحروب الثلاث الاولي التي هزمنا فيها وفقدنا فيها مئات الألوف من أرواح أنبل شبابنا من الجنود والضباط. لقد سبق أن انتقدت مالم يعجبني منسوباً للمهندس أحمد عز.. لكن عندما أسمع منه اليوم ما أوافق عليه، وأدعو إليه، فمن حقه عليّ أن أقول له: » برافو«. إبراهيم سعده [email protected]