تركت جميع الحضارات المتعاقبة في تاريخ مصر الممتد إلي آلاف السنين ثروات قوامها تاريخ أمة جعلت هذه الثروة مصر علي قمة العالم كله وليس كما يشاع بأنها إحدي دول العالم الثالث.. فالمعيار هنا ليس مادياً بل معيار قياساته القيمة العلمية والإبداعية في شتي مجالات الحياة كالطب والهندسة والصناعة والزراعة وجميع مجالات الفنون والإبداع الإنساني.. وكل هذا السبق أثر في بناء مجتمعات العائلة البشرية علي هذا الكوكب، لذلك كانت ومازالت مصر مطمعاً للاستعمار الذي كان سبباً جوهرياً وأساسياً في ثبات هذه الأمة وعدم تركها تخطو إلي الأمام فتوالت الحروب والحملات العدوانية لنهب ثروات هذا الوطن.. وآثارنا التي تملأ متاحف العالم شاهد إثبات وبصمات دامغة تدين الدول الاستعمارية، وفي هذا السياق لابد أن ندرك بأن الإنسان المصري المبدع سلالة مستمرة ومتدفقة عطاء غنياً بدون حدود، والفنان المصري المعاصر أكد مكانته الفنية باقتدار بين دول العالم وإذا كان الفنان المصري القديم ترك وراوه تراثا فني هو الآن مصدر استراتيجي للاقتصاد المصري بجانب قناة السويس والغاز والقليل من البترول، فالإبداع التشكيلي المصري الحديث يشكل ثروة كبيرة لم تدرك الدولة مدي أهميتها بالرغم من وجود بعض المتاحف التي تحتضن جزءا من هذه الثروة كمتحف محمود سعيد والمتحف المصري للفن الحديث ومتحف محمد ناجي ومتحف سعد الخادم وعفت ناجي.. الخ، ولا يمكن أن نتجاهل الجهود الكبيرة لوزارة الثقافة خلال العقدين الماضيين بقيادة فاروق حسني في تطوير وتحديث هذه المتاحف، أما رعاية الفنانين التشكيليين متمثلة في نظام التفرغ وإقامة العديد من المعارض الخاصة والعامة بمصر والخارج فهذا يحسب لقطاع الفنون التشكيلية برئاسة الفنان محسن شعلان الذي أفادني تليفونياً ظهر الثلاثاء الماضي بأن سقف بند المقتنيات الفنية وصل إلي مائة ألف جنيه كحد أقصي وهذا رائع في حد ذاته.. ولكن إذا نظرنا إلي ميزانية الاقتناء نجدها »واحد مليون جنيه« وهذا المبلغ المفترض أن يتم الاقتناء به من فناني مصر خلال عام مالي أي اثني عشر شهراً!؟ فلو افترضنا بأن اللجنة الموقرة المختصة بالاقتناء اجتمعت لمناقشة كيفية الشراء في ضوء اللائحة الجديدة للاقتناء.. ستصطدم بالأمر الواقع الذي يحتاج لأضعاف هذا المبلغ الضئيل في الوقت الذي ينتظر فيه مئات الفنانين المتميزين قرارات هذه اللجنة، في الوقت الذي يباع ويشتري لاعبين كرة القدم بعشرات الملايين من الجنيهات وعلي الجانب الآخر وليس حسداً أجور الممثلين وتنافس الصغار الجدد قبل الرواد علي الملايين مقابل الدور الواحد في مسلسل؟! والمطربون الجدد الذين أفسدوا الذوق العام والبعض منهم متهرب من أداء الخدمة العسكرية وتزوير الشهادات ويقدمون كقدوة للشباب!؟ يتبارون ويتباهون بالملايين التي يحصدونها علي نتاج هابط ومتدن لا يساهم في تنمية مجتمع في حاجة إلي تحفيز الهمم وتعميق الانتماء، والأمثلة كثيرة.. ونشاهد أهل الإبداع الفني التشكيلي الأكثر تقدماً والأعلي قيمة في المجتمع لأنه فن خالص صادق أصيلً ليس تجارياً كالفنون الأخري.. ينالون الفتات من ميزانية الدولة لا تتناسب مع دورهم الثقافي والإبداعي والتاريخي، فهذه رسالة موجهة إلي الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء رجل الأرقام والقياسات والمعايير للنظر بعين الاعتبار والتأمل في حال فناني مصر المظلومين الذين ينفقون ما لديهم من أجل إبداع فني حقيقي يستحق المئات من الألوف بل الملايين للحفاظ علي ثروة مصر الإبداعية، وننتظر من الدكتور نظيف قراراً بتخصيص عشرة ملايين جنيه سنوياً لاقتناء أكبر إبداعات فناني مصر التشكيليين والمتميزين فهم ثروة مصر وحضارتها.