كلما فكرت ان أدلل لأبنائي علي انهم يعيشون في عصر أفضل من الذي عشناه أنا وجيلي، كنت لا اجد برهانا اقوي من الكهرباء! ففي ايام طفولتي وصباي، اعتدت علي انقطاع التيار الكهربي عن منزلنا ساعات طويلة أثناء الليل. في بعض الاحيان كان السبب هو رغبة السلطات في تضليل الغارات الجوية المعادية، عن طريق إظلام الأحياء المأهولة بالسكان بغرض تلافي تعرضها للقذف الجوي في سنوات حرب الاستنزاف. وفي احيان اخري كان السبب خارجا عن ارادة السلطات، وكان يرجع الي زيادة حجم الاستهلاك عن كمية الطاقة المولدة. وفي الليالي التي لاينقطع فيها التيار، كنا نعاني من ظاهرة اسمها »السِرْيَة« وهو مصطلح اختفي من القاموس المصري منذ مطلع الثمانينات، ومعناه الضعف الشديد للتيار الذي يؤدي لانخفاض قوة اضاءة اللمبات، وعدم القدرة علي تشغيل الاجهزة الكهربائية، لاسيما التليفزيونات. لكن في الاسابيع الاخيرة، يبدو أن وزارة الكهرباء ارادت ان تحرجني أمام ابنائي، او لعلها ارادت ان تذكرني بليالي الطفولة والصبا! صار من المعتاد ان تنقطع الكهرباء نصف ليالي الاسبوع لمدة لاتقل عن ساعة ونصف الساعة في المرة الواحدة في احياء عديدة بالقاهرة، منها حي مدينة نصر الذي اسكن به، وعرفت من زملاء واقارب ان الحال اسوأ في المحافظات الاخري. واول امس، انقطعت الكهرباء لمدة ساعتين علي الاقل عن النصف الجنوبي للبلاد. مبررات المسئولين لأسباب انقطاع التيار، واهمها ان حجم الاستهلاك اصبح يفوق حجم انتاجنا من محطات التوليد لاسيما في شهور الصيف، هي وثيقة ادانة ضدهم. فأين كانت الاجهزة المسئولة عن التخطيط لهذا القطاع الحيوي طيلة السنوات الماضية؟!.. وكيف لم تتنبأ بالزيادة في حجم الاستهلاك وتطلب انشاء محطات توليد جديدة تفي بالاحتياجات المتوقعة وتقينا بلوغ مرحلة نقص الطاقة؟! معلوماتي المتواضعة تقول ان حجم الانتاج من الطاقة الكهربائية كان يبلغ 4900 ميجاوات في عام 1891، وقفز في عهد الوزير العظيم الراحل ماهر اباظة الي قرابة 17 ألف ميجاوات، وهو ما كان يفوق الاستهلاك بكثير حتي نهاية التسعينات، مما دفعنا حينئذ الي التفكير في الربط الكهربائي مع دول المشرق والمغرب العربي لتصدير الفائض من الطاقة الكهربائية بدلا من اهدارها، والحصول علي مقابل مادي مجز. الآن، وكما قرأت، يفكر المسئولون عندنا في الربط الكهربائي مع السعودية ودول الخليج لاستيراد الطاقة وتعويض النقص الذي نعاني منه والواضح انه في طريقه الي الزيادة! أعرف ان الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء رجل جاد يتمتع بخبرة عالية، لكن يبدو انه يحتاج الي تغيير عديد من العتبات في الوزارة!