حملة "تمرُّد" التي أطلقها مجموعة من الشباب المعارضين في مصر، فاجأت الساسة المصريين في معسكري الحُكم والمعارضة، بعد أن تمكَّنت منذ انطلاقها رسمياً في الأول من أيار/مايو الفائت، من جمع قرابة 15 مليون توقيع يطالب بسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكِّرة. وتمكّن المشرفون على حملة "تمرّد"، وهم من الشباب صغير السن وغير المعروفين لدى الرأي العام، من بلورة مطالب قطاعات عريضة من المصريين في تغيير رئيسهم، الذي يكمل عامه الرئاسي الأول في 30 حزيران/يونيو الجاري، بطريقة سلمية. وأرجع كبير الباحثين في مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية فؤاد السعيد، سبب نجاح "تمرّد" إلى أن توقيت انطلاقها كان مُختاراً بعناية، موضحاً أن نجاح أي دعوة لتحريك كتل جماهيرية لا يتوقف فقط على جهود الداعين لها ولا حتى على مضمون الدعوة ذاتها، ولكن يعتمد بالأساس على توقيت طرح الدعوة ومدى تلبيتها لاحتياجات ورغبات هذه الكُتل الجماهيرية. ولفت السعيد إلى أن دعوة "تمرّد" بسحب الثقة من مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكِّرة التقت مع شعور عام لدى ملايين المواطنين من أنه لابد من وضع حد لتردي الأوضاع في البلاد على الصُعُد كافة وفي مقدمتها غلاء الأسعار وسوء الخدمات. غير أن المفاجأة التي سبّبها نجاح "تمرُّد"، التي باتت رقماً صعباً على الساحة المصرية، لم تستمر طويلاً، فأطلق مؤيدو الرئيس مرسي، من القوى الإسلامية، حملة مضادة أطلقوا عليها "تجرُّد" تهدف إلى جمع توقيعات تؤكد على ضرورة الالتزام بنتائج الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس قبل عام وضرورة الاحتكام لصندوق الانتخابات لا للتظاهر. وشدَّدت القوى والأحزاب الإسلامية المؤيدة لمرسي، في مناسبات عدة، على أنه وطبقاً للدستور، الذي تم إقراره في كانون الأول/ديسمبر 2012، فإنه لا يمكن سحب الثقة من رئيس البلاد سوى في حال ارتكابه جريمة الخيانة العظمى، وأنه ما من سبيل لرحيل الرئيس سوى بصندوق الانتخابات في حال قرَّر الترشُّح لفترة رئاسية جديدة عقب انتهاء مدته الحالية في 2016. وفي المقابل، رأى المستشار القانوني لحملة "تمرُّد" المحامي مختار نوح، في تصريحات لوسائل إعلامية مصرية، أنه "حال جمع الحملة 15 مليون توقيع لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي سيصبح خارج المشروعية"، داعياً مرسي إلى طرح الثقة بنفسه كرئيس من خلال استفتاء شعبي في أقرب موعد. وحمَّل نوح، الرئيس مرسي مسؤولية دماء قد تسيل خلال مظاهرات دعت إليها المعارضة في الثلاثين من حزيران/يونيو الجاري، إذا لم يستجب لأصوات ملايين المعارضين ويعمل على "وأد الفتنة" بإجراء الاستفتاء. من جهته، قال الناشط الحقوقي ناصر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، إنه "بغض النظر عن الأثر القانوني والدستوري لتوقيعات سحب الثقة من مرسي، فإن حملة تمرّد عكست أبرز ملامح الشخصية المصرية وهي عدم الصمت والقبول بما قد تتعرّض له من مظالم وانتهاك لحقوقها". ورأى أن الحملة تمكَّنت من حشد جهود المعارضين ووحَّدت هدفهم على فكرة الرفض السلمي للحكم القائم ومطالبته بالرحيل، لافتاً إلى أن "الشعب المصري دائماً ما يثور حينما تُزيَّف إرادته أو يشعر بأنه يتعرض للاستغلال". وأضاف أن فكرة الاحتجاج على الحاكم بجمع التوقيعات المطالبة برحيل النظام هي الجانب السلمي للثورة، مشيراً إلى أن تلك الفكرة تمت ممارستها عام 2008 على يد "الجمعية الوطنية للتغيير" التي ترأسها المعارض محمد البرادعي، لمطالبة الرئيس السابق حسني مبارك بإجراء إصلاحات. ويشير ما ذكره أمين إلى حوادث مفصلية في التاريخ المصري عبَّرت عن "التمرُّد" السلمي، أبرزها حينما نشطت حملة شعبية عام 1919 لجمع توقيعات لتفويض مجموعة من الساسة الوطنيين لتشكيل وفد يمثِّل مصر في مفاوضات "صلح فرساي" عقب نهاية الحرب العالمية الأولى للمطالبة بحصول مصر على استقلالها من الاحتلال البريطاني وقتئذ. كما حفل التاريخ المصري بمظاهر عنيفة "للتمرّد" كان أولها حينما ثار آلاف الفقراء في الألف الثالث قبل الميلاد، فيما عُرف ب "عصر الاضمحلال الأول"، وأضرموا النار في قصور الأمراء والنبلاء والمعابد بعدما أدركوا أنهم عملوا لعقود من دون أجر لصالح الملوك الآلهة ولتشييد المقابر لراحتهم الأبدية، وبعد أن كفروا بما روَّجه الكهنة وتأكدوا أن القرابين التي يجبرونهم على تقديمها للمعابد لا تشفع لهم أمام الإله. ويتسق "تمرّد" المصريين على النظام الحالي الذي تمثِّله جماعة الإخوان المسلمين والرئيس مرسي القيادي البارز فيها مع ملامح شخصيتهم، فقاموا بكسر حظر تجوال فرضه مرسي على محافظات قناة السويس (بورسعيد، والإسماعيلية، والسويس) حيث كان أهالي المحافظات ونظموا حفلات فنية ولعبوا كرة القدم في الشوارع خلال ساعات حظر التجوال في إشارة لا يمكن لمراقبِ أن يتجاهلها. وكان مرسي أصدر في 27 كانون الثاني/يناير 2013 قراراً بإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر للتجوال بمحافظات قناة السويس على خلفية سقوط عشرات القتلى والمصابين في اشتباكات مع عناصر الشرطة بسبب صدور أحكام بالإعدام وبالسجن لمدد متفاوتة على عدد من أهالي مدينة مدينة بورسعيد أُدينوا بارتكاب جريمة قتل 74 من مشجعي كرة القدم بنهاية مباراة جمعت فريقي الأهلي والمصري على استاد بورسعيد في الأول من شباط/فبراير 2012 فيما يُعرف إعلامياً ب"مجزرة بورسعيد". وتثبت المعطيات الراهنة على الساحة المصرية جملة من الحقائق أبرزها أن حملة "تمرُّد" نجحت في ما لم تتمكن المعارضة التقليدية من تحقيقه طوال ثلاثين عاماً من حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وعام من حكم خلفه محمد مرسي، ما شكَّل دافعاً "للمعارضين الكلاسيكيين" للالتحاق بقطار "تمرّد" بل والتحدّث. كما تثبت تلك المعطيات أن حملات تشويه عدة تعرَّضت لها "تمرُّد" من جانب مؤيدين للنظام تعكس أن النظام لم يتمكُّن من ضم ما يسميه علماء السياسة "المعارضة السائلة" التي لا تنتمي إلى أي تيار محدَّد أو أيدلوجية بعينها. وتشير ملامح المقبل من الأيام إلى أن "تمرُّد" المصريين على النظام ربما يتسم بحدة خلال المظاهرات المطالبة برحيل مرسي في 30 حزيران/يونيو الجاري، فيما تبدو تلك "الحدة المحتملة" رد فعل على اتهامات أطلقها مؤيدون لمرسي، بحق المتمردين ووصفوهم بأنهم "كُفار يتّبعون خطى الشيطان الذي تمرّد على الله".