من جامعة القاهرة الأهلية.. وزير التعليم العالي: الشهادة لم تعد معيار التوظيف الأول    انتظام الدراسة فى 148 مدرسة ل 69 ألف طالب فى بني سويف    بالزي الفرعوني.. احتفالات ببدء العام الدراسي الجديد بمدارس كفر الشيخ (صور)    باستثمارات قدرها 40 مليون دولار.. رئيس الوزراء يفتتح مصنع "إروجلو جارمنت" التركي للملابس الجاهزة    محافظ سوهاج يتفقد أعمال الرصف وتطوير الشوارع بحي شرق    محمد سعده يطالب بالعمل على زيادة التجارة البينية بين مصر والسعودية    تحركات عاجلة للانتهاء من ملفات تقنين أراضي الدولة والتصالح في مخالفات البناء بالفيوم    الإحصاء: 137 مليون دولار قيمة التبادل التجاري بين مصر وسنغافورة    عاجل- السيسي يستقبل رئيس سنغافورة في قصر الاتحادية لتعزيز العلاقات الثنائية    وزارة الدفاع الروسية تعلن شنّ هجوم واسع النطاق على منشآت المجمع العسكري الصناعي الأوكراني خلال الليل    أردوغان: لقائي مع صديقي ترامب سيسهم في إنهاء حروب المنطقة    "عبد العاطي": عجز مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي يستدعي تحرك باقي الدول الأعضاء    لاعب الزمالك السابق: الروح والحب انعكسا على أداء لاعبي الأبيض    محمد صلاح يقود هجوم ليفربول أمام إيفرتون    نجمة وادى دجلة هانيا الحمامي تتوج ببطولة CIB المصرية للإسكواش    فينيسيوس يساوم ريال مدريد بخيارين حول مستقبله    نجم أهلي جدة مهدد بالغياب عن مباراة بيراميدز    تأجيل نظر الاستئناف في قضية هتك عرض الطفل ياسين داخل مدرسة خاصة بدمنهور إلى 24 سبتمبر    تفاصيل التقرير الطبي للزوجة ضحية الطعن علي يد زوجها والمتهم بقتل أبنائه في نبروه بالدقهلية    قرار قضائي عاجل في واقعة سرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري    ضبط محطة وقود تحتجز 8 ألف لتر سولار ومصادرة 5 أطنان من الأسمدة المدعمة قبل بيعها في السوق السوداء بالمنيا    الكسوف الجزئي غدًا 21 سبتمبر 2025.. أماكن رؤيته وموعد الذروة وكيف تشاهده بأمان    "عشنا 7 سنين صعبين".. كارول سماحة تحكي صراع زوجها وليد مصطفى مع المرض    نيكول سابا تخطف الأضواء خلال تكريمها بجائزة التميز والإبداع في حفل "دير جيست"    احذري منها مع عودة المدارس.. 8 أطعمة تضعف مناعة طفلك دون أن تدري    التشكيل المتوقع لمانشستر يونايتد وتشيلسي في قمة البريميرليج    الأهلي يستقر على الموعد المبدئي لانتخابات مجلس الإدارة الجديد    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بطريق يوسف الصديق بالفيوم.. صور    إصابة 10 أشخاص إثر حادث انقلاب ميكروباص في الشرقية    المؤبد لعامل قتل مسنة وسرق مشغولاتها الذهبية بالقاهرة    مكتب الإعلام الحكومي: أكثر من 900 ألف شخص صامدون بمدينة غزة وشمالها ويرفضون النزوح    غدا.. 150 معهدا أزهريا تستقبل الطلاب في الوادي الجديد    مي كمال: أنا وأحمد مكي منفصلين منذ فترة ومش هحب بعده    الزراعة: تجديد الاعتماد الدولي للمعمل المرجعي للرقابة البيطرية على الإنتاج الداجني بالشرقية    فى يومهم العالمي.. «الصحة العالمية» تشيد بجهود مصر في سلامة المرضى    انطلاق المرحلة الثانية للتأمين الصحي الشامل من المنيا باستثمارات 115 مليار جنيه    9 محظورات للطلاب بالعام الدراسى الجديد.. تعرف عليها    انطلاق المرحلة الثانية من مبادرة "سائق واعٍ .. لطريق آمن"    عودة التلامذة.. مدارس قنا تستقبل الطلاب مع بداية العام الدراسي الجديد    اضطرابات في مطارات أوروبية كبرى بسبب «عطل» إلكتروني لدى أحد مزوديها بالخدمات    مهرجان الغردقة لسينما الشباب يحتفي بالسينما الروسية.. والأميرة الضفدع يفتتح أفلام دورته الثالثة    مهرجان الغردقة ينظم يوما للسينما الروسية.. و«الأميرة الضفدع» فيلم الافتتاح    فقدت كل شيء وكان لازم أكمل المشوار.. أحمد السقا بعد تكريمه في دير جيست    بينها أطفال بلا مأوى وعنف ضد نساء.. التضامن: التدخل السريع تعامل مع 156 بلاغا خلال أسبوع    الرئيس السوري: اتفاق مع إسرائيل بوساطة أمريكية قد يوقع خلال أيام    تعرف على مواعيد أقساط سداد قيمة المصروفات الدراسية لعام 2026    موعد مباراة النصر والرياض في الدوري السعودي.. والقنوات الناقلة    «الصحة» تطلق خطة التأمين الطبي الشاملة للعام الدراسي 2025-2026    طب الإسكندرية يتصدر نتيجة تنسيق الشهادة اليونانية 2025    موعد صلاة الظهر.. ودعاء عند ختم الصلاة    الخارجية الفلسطينية ترحب بانضمام البرازيل لدعوى محكمة العدل الدولية    آسر ياسين على بعد يوم واحد من إنهاء تصوير "إن غاب القط"    «الصحة» تطلق خطة التأمين الطبي الشاملة لتعزيز جودة حياة الطلاب في العام الدراسي 2025/2026    كيف يقضي المسلم ما فاته من الصلاة؟.. أمين الفتوى يوضح خطوات التوبة وأداء الصلوات الفائتة    ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية في المنيا لعام 2025 (تعرف علي الأسعار)    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 20-9-2025 في محافظة قنا    استشارية اجتماعية: الرجل بفطرته الفسيولوجية يميل إلى التعدد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيران الداخل والخارج!
نشر في أخبار مصر يوم 03 - 03 - 2010

سياسات الدول هي محصلة أوضاعها الداخلية والبيئة الخارجية التي تعيش فيها من إقليم وعصر وعالم. وذات يوم في طهران قال لي صديقي الإيراني انظر إلى هذا السجاد الذي تحتنا وسوف تجد لوحة من التعقيد الذي لا تعرف له بداية حقيقية ولا نهاية. أيامها لم أسترح كثيرا للقول، فقد بدا لي أننا من أهل الشرق لدينا غرام شديد بالخصوصية، ومعها رغبة في الخروج من دائرة العلم والتاريخ، وكان المعنى العملي للأطروحة أن الدولة الإيرانية لا تعترف بتوازن القوى وقوانين العلاقات بين الأمم. والملاحظة العابرة على السلوك الإيراني هذه الأيام لا يمكن فصلها عن حالة الغياب الاستراتيجي للعراق، وهو غياب لم يفلح في تغييره حضور تركي، وفاقمه بعاد عربي عن بغداد طال بأكثر مما يجب. ولا يمكن فهم تشدد إيران أكثر من أي وقت مضى في تسمية الخليج «بالفارسي» بعد أن تعايشت لوقت طويل مع قسمة التسمية فيكون الخليج عربيا لمن يريد وفارسيا لمن يرغب، إلا من خلال قرب الانسحاب الأميركي من العراق. ولكن الصورة الأكثر تعقيدا للسلوك الإيراني المتشدد فهي حالة سباق التسلح الهائلة التي تعيشها إيران على كل الأصعدة والتي قد يكون التسلح النووي أشهرها في الحديث والشهرة، ولكن الواقع الفعلي هو أن إيران تتوسع في تسليحها على كافة الأصعدة التقليدية أيضا سواء كانت الصواريخ أو البحرية.
وعندما طرحت على صديقي الإيراني في محفل أوروبي تفسيري للسلوك الإيراني على أساس من اختلال توازن القوى لم يشكك في النظرية كثيرا، ولكنه طرح علي مجموعة من «المقترحات» التي رآها تعين في الفهم والتقدير. أولها أن طبيعة السياسة الإيرانية الداخلية قد تغيرت، وفي الفترة الأولى بعد الثورة - 1980 وحتى 1988 - فإن جوهر التفاعلات السياسية دارت حول الآيديولوجيا، فلم تكن الثورة «الإسلامية» قد استقرت بعد، وكان هناك قوميون وليبراليون ويساريون من كل لون، وجرت عملية تصفية هؤلاء الواحد بعد الآخر، وأعانت الحرب العراقية - الإيرانية في ترسيخ التيار الإسلامي الذي حمل عبء الحرب وتضحياتها. ولكن ما إن بدأت الفترة الثانية حتى باتت السياسة صراعا على السلطة والقوة والنفوذ ودارت ما بين قوى للاعتدال والتشدد خلال الفترة من 1988 وحتى 2005، وربما كان انتخاب رافسنجاني للرئاسة حلا وسطا في البداية، ولكن انتخاب خاتمي جعل الجنوح للاعتدال دافعا لتكتل وتحالف التشدد حتى تمت تصفية الأول واستحكام الحكم للثاني. ولكن ذلك لم يعط الحكم في طهران التجانس والهدوء، وإنما تحركت السياسة في فترة 2005 وحتى الآن لكي تكون صراعا على الموارد حيث دخل إيران قرابة 310 مليارات من النفط، تمثل نحو 44% من دخل إيران النفطي منذ نشوب الثورة الإيرانية عام 1979، ونحو 28% من دخل النفط منذ اكتشافه في إيران منذ 106 أعوم. الكعكة الإيرانية الهائلة باتت هي الآن جوهر القضية التي تتمسك بها نخبة تلتف حول المرشد العام للثورة، وليس معروفا حتى الآن أين ذهبت هذه الثروة الطائلة التي لا يبدو لها أثر على الجماهير الإيرانية، وكل ما هو معروف عنها لا يزيد عن 44 مليارا من الممتلكات الفاخرة في دبي؛ والباقي - على الأرجح وهذا هو استنتاجي الخاص - فقد تم توزيعه ما بين السلاح والمنتفعين منه شرقا وغربا وفي إيران ذاتها. ويبدو أن الصراع الآيديولوجي بين اليمين واليسار، والخلاف على النصيب من السلطة السياسية بين المعتدل والمتشدد، لا يكفي للتلاعب بنتائج الانتخابات في إيران؛ أما عندما يكون الخلاف على موارد البلاد فإن ذلك كان كافيا للتدخل في الانتخابات واللعب في صناديقها.
الاقتراح الثاني والحالة هكذا صراع على الموارد جعلت السياسة الإيرانية تمثل حالة صفرية إذا كسب فيها طرف خسرت أطراف أخرى، وساعتها ينتهي كل منطق للتوصل إلى حلول وسطى من خلال التفاوض والحوار والمساومة؛ ومن بين نحو 100 شخص قريب من خاتمي فإنهم انتهوا جميعا إلى السجن. ولم تعد هناك إمكانية لكي يجعل خامنئي - المرشد الأعلى - الذي كان رئيسا للجمهورية إبان الحرب العراقية - الإيرانية، موسوي الذي كان رئيسا للوزراء في ذلك الوقت، الفرصة لكي يكون رئيسا. ومع الصراع على الموارد، أو المراكز الحاكمة للموارد، فإن إيران تتوقف عن أن تكون لها سياسة قومية، وإنما سياسة معبرة عن مجموعة من الأفراد، الذين يعتبرون دون تردد موسوي عميلا أميركيا وصهيونيا، أما إبراهيم يازدي وزير الخارجية الأسبق، فقد دخل السجن ولا يزال فيه وهو في سن التاسعة والسبعين حيث لم تعد الثورة الإسلامية في ثوبها الجديد قادرة على تحمله حرا.
الاقتراح الثالث يتولد منطقيا من كل ما سبق حيث تصبح إيران دولة سلطوية بامتياز يحكمها الجيل الثاني من الحرس الثوري الذي لم يعد ميليشيا عسكرية بقدر ما هو حزب سياسي به جناح عسكري يرتبط ارتباطا وثيقا بالقائد الأعلى؛ وضمن هذه الصورة فإن أحمدي نجاد لا يزيد كثيرا عن كونه واحدا من التفاصيل. وعندما تصبح إيران دولة يسيطر النفط على 93% من اقتصادها، فإن التحكم في هذه الثروة يطرد الشرائح العليا من الأغنياء، ويحيد الطبقة الوسطى ويجعلها جالسة على الحافة بين الفقر والستر، ولكنه يجعل من الفقراء وقاع الفقر قوة معنوية ومادية مدمرة وهي تلك التي تخرج الآن في مظاهرات النظام جاهزة للسحق والتدمير. هنا لا مكان لجماعة العلماء الذين اشتهرت بهم الثورة الإيرانية وإنما لحزب المنتفعين بعد أن هاجر من جيل الثورة قرابة 3.8 مليون إلى الولايات المتحدة، و350 ألفا إلى دبي، و300 ألف إلى تركيا. ومثل ذلك يقودنا - منطقيا أيضا - إلى الاقتراح الرابع عن مدى قدرة هذا النظام على الاستمرار، وهي كما تبدو كبيرة حيث لم يعد في الحقيقة هناك يمين أو يسار، وكلاهما إما موجود في السجن أو أنه مطارد في الخارج، ومع الوقت فإن النظام قد يكتسب ملامح «صدامية» أي نسبة إلى نظام صدام حسين، ولكن هناك ما هو أكثر من الملامح حيث توجد قدرة على التفاوض، وربما الدخول في صفقات مع الولايات المتحدة، ومن الواجب ألا ننسى أنه حتى في عهد جورج بوش جرت ثلاث جولات من المفاوضات بين الطرفين في العراق.
ومن هنا فإن خاتمة المقترحات خامس يدور حول الموضوع النووي الذي يعطي للنخبة الحاكمة - الجيل الثاني من الحرس الثوري تحت قيادة القائد الأعلى للثورة الإيرانية - ليس قدرات أمنية وإنما أوراقا تفاوضية لا تستبعد وقف البرنامج إذا ما كان الثمن هو بقاء النظام، وتوزيع الثروة على حاله. ومع هذا النظام فإن فكرة العقوبات المقترحة لا تغني كثيرا، وطالما أن الاقتصاد الإيراني ليس اقتصادا عالميا، ولكونه اقتصادا نفطا فإن سعرا لبرميل البترول يتراوح ما بين 50 و70 دولارا للبرميل فإنه يكفي لإعطاء إيران من الموارد والقدرات الاقتصادية لكي تبقى الطبقة الحاكمة غنية، والطبقات الفقيرة في حالة من الاحتياج المستمر الذي يدفعها في الاتجاهات التي تريدها النخبة. وفي هذا القدر من الدخل ما يكفي أيضا لإبقاء حلفاء إقليميين في لبنان وفلسطين وسورية ضمن حلف إيراني مؤثر.
وهكذا تكتمل حلقات الدائرة الإيرانية ونصل إلى خطوط التماس بين الداخل والخارج حيث تظهر حدود التوتر والتفاعل والذبذبات التي تمتد ليس بطول وعرض الخليج، وإنما تمتد بعيدا حتى قلب الشرق الأوسط. ويصبح المشهد شاهدا على اختلال قلق لتوازن القوى لا يعدو فيه الضغط على اعتماد اسم «الخليج الفارسي» هو القضية بقدر ما يكون ضغطا من أجل الاعتراف بالمكانة والقوة. وفي التاريخ فإنه عندما تظهر قوة إقليمية متوترة نتيجة اختلال جرى في التوازن القائم، فإن الحل يكون إما من خلال تحالف مضاد وإما من خلال بعث قوة أخرى، أو كلاهما معا؛ أما التجاهل واعتقاد أن التوازن يعود إلى حاله تلقائيا فإن الثمن يكون فادحا.
نقلا عن الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.