مع دخول محاكمة أليكس فينس قاتل مروة الشربيني مرحلتها الأخيرة في دريسدن يترقب الرأي العام المصري والألماني خلال أيام قليلة صدور الحكم في القضية التي هزت مشاعر المواطنين في البلدين.وقد التقت الأهرام واحدا من أبرز خبراء القانون الألماني ومستشار الحكومة الألمانية للشئون القانونية المتعلقة بالإسلام هو البروفسور ماتياس روهه أستاذ كرسي القانون المدني والقانون الدولي الخاص والقانون المقارن بجامعة إيرلانجن لاستطلاع رأيه في المحاكمة وتوقعاته للحكم باعتباره أيضا قاضيا سابقا بمحكمة ولاية بافاريا العليا, كما شرح الخبير البارز ومؤسس مركز إيرلانجن للإسلام والقانون وعضو مؤتمر الإسلام الذي تنظمه الحكومة الألمانية للحوار مع المسلمين, وجهة النظر الألمانية ورؤيتها للحادث, وللبروفسور ماتياس روهه عشرات المؤلفات, واستعانت به الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي لشرح القانون الألماني للمحامين من العالم العربي والإسلامي, كما أنه تعرض لتهديدات بالقتل من جانب متطرفين ألمان بسبب آرائه المتزنة ودعوته للحوار مع المسلمين. ماذا كان شعورك عندما علمت بجريمة اغتيال مروة الشربيني؟ { لقد صدمت لوقوع هذه الجريمة في محكمة ألمانية وبهذا الشكل, ووقع هذه السلسلة من الأحداث الفظيعة دفعة واحدة, ليست الجريمة وحدها ولكن أيضا الصراع الذي دار داخل المحكمة بين القاتل وزوج مروة ثم إطلاق النار علي الزوج, كل هذا كثير للغاية. في مصر وبين مسلمي ألمانيا كثيرون يرون أن هذا الحادث ليس فرديا.. فيما يري كثيرون من الألمان أن ردود الأفعال في العالم الإسلامي كانت مبالغا فيها فما رأيك؟ { أتفهم بشكل كبير حالة الفزع والانزعاج والألم الذي شعر بها الكثيرون في مصر, وأتخيل أن كثيرين من المصريين لا يعرفون ألمانيا جيدا بالتالي لا يمكنهم فهم كيف تسير الأمور هنا, لذا يتساءلون كيف يمكن أن يتعرض إنسان للقتل داخل ساحة القضاء!, وهنا لابد أن نشرح لهم أنه في ألمانيا علي العكس من الدول العربية لا يوجد عادة حراس داخل قاعة المحكمة, وأنه في المحاكم الابتدائية, لا توجد عمليات تفتيش للمترددين علي المحكمة وبالتالي من يريد أن يدخل بسكين أو سلاح يمكنه ذلك, خاصة أن أحدا لم يتخيل لحظة إمكانية حدوث الجريمة بهذه الصورة, حيث إن القضية كانت نزاعا مدنيا مقارنة بقضايا الجرائم الحقيقية, وفي ظل ضغط النفقات والنقص في العاملين في حقل القضاء ونقص الحراسات فإن تشديد الحراسة يتم فقط في القضايا الخطيرة. وماذا تقول عن رد الفعل السياسي الذي جاء متأخرا أيضا البعض طالب المستشارة أنجيلا ميركل بالاعتذار أو إعلان تعاطفها مع المسلمين ولم يحدث ذلك؟ { أنت محق في سؤالك وأقول لك إنه من الطبيعي ألا تعلق الحكومة الألمانية علي الجرائم التي تقع, مثلا حادث قتل أحد المواطنين الألمان بأيدي شباب ألمان في محطة القطار لأنه أبدي شجاعة في التصدي لهم, لم تعلق عليه المستشارة الألمانية, يحدث ذلك فقط في حالات نادرة, وإن كنت أري أنه في حالة جريمة دريسدن كان يجب أن يكون هناك تعليق رسمي ألماني سريع بالفعل نظرا لأن الضحية وزوجها مصريان ونظرا لما تسبب فيه الحادث من توتر وردود أفعال, أما مطالبة الحكومة الألمانية بالاعتذار فهذا ليس في محله, فكيف تعتذر عن خطأ لم ترتكبه فما وقع هو جريمة أليمة ولابد من معاقبة هذا القاتل علي جريمته بكل الوسائل القانونية المتاحة أمامنا هنا, إذن من المهم للغاية أن تخاطب الحكومة الألمانية المواطنين الذي تأثروا بهذا الحادث, واهتزت ثقتهم في المجتمع, وأن تؤكد لهم أنها لن تقبل بتكرار مثل هذه الحوادث أو بنشوء أجواء تسمح بتكرارها, وبذلك تتحمل المسئولية السياسية للحادث. في المحاكمة تم السماح لمحامين مصريين وفرنسيين يمثلون أسرة مروة بالترافع أمام المحكمة هل لك أن تفسر لنا ذلك؟ { هذا الإجراء بالفعل يعد أمرا غير معتاد ولكنه ليس محظورا أو ممنوعا فلا يوجد في القانون ما ينص علي أن الترافع حق مكفول فقط للمحامين الألمان, وإذا ما تم تفسير القوانين الخاصة بذلك بشكل فضفاض بعض الشئ يمكن السماح لهؤلاء المحامين بالترافع, ولكنني اعتبر ذلك أيضا رسالة ألمانية لأسرة الضحية وأقاربها والرأي العام المصري والعالمي, كدليل علي الاهتمام الألماني بهذه المحاكمة, وأود الإشارة هنا إلي نقطة مهمة, وهي أنه عندما وقع الخلاف بين السيدة مروة والمتهم في حديقة الأطفال في البداية فإن الإدعاء العام الألماني هو الذي حرك الدعوي القضائية ضد المتهم. ما هو الحكم الذي يمكن أن يحصل عليه أليكس فينس وفقا للقانون الألماني؟ { حكم بالسجن المؤبد مع الإشارة إلي أن المحكمة تدرس هنا توافر شرطين في الجريمة ليحصل علي أقصي عقوبة حسب المادة رقم11 من قانون العقوبات الألماني وهما الغدر, أي استغلال عدم توقع الضحية للاعتداء عليها, وهو ما توافر لأن مروة لم تكن تتخيل أن تتعرض للطعن داخل المحكمة, والشرط الثاني هو القتل لأسباب دنيئة, وهو متوافر هنا أيضا ويتضح من دوافع القاتل, وإذا ما تحركت هيئة المحكمة في هذا الاتجاه يتبقي للمحكمة تحديد ما إذا كان المتهم قد اقترف ذنبا جسيما أم لا وفي حالة إثبات ذلك في الحكم فإنه لا يتم الإفراج عنه بشكل تلقائي بعد خمسة عشر عاما, ولكن يستمر فترة أطول بكثير في السجن. ولكن في الجرائم الشديدة فإن السجن يكون عادة أكثر من عشرين عاما وتصل العقوبة أحيانا إلي ثلاثين عاما أو أكثر, ثم يتم النظر في حالته بعد ذلك, ويفرج عنه فقط إذا لم يعد يشكل خطرا علي المجتمع, وإلا تم سجنه احتياطيا بعد انتهاء العقوبة وفي هذه الحالة يبقي في السجن مدي الحياة. هل توافق علي من يقول إن هناك تيارا من الإسلاموفوبيا في ألمانيا وهو ما تؤكده دراسات أجراها أيضا باحثون ألمان ؟ { نعم اعتقد أن هذا التيار موجود في بعض فئات المجتمع الألماني, ولكنه بالقطع ليس رأي الأغلبية في ألمانيا, ولكن توجد مجموعات يمينية متطرفة, وهناك مواقع علي الإنترنت تروج هذه الأفكار, ولكن ما هو سائد بين الألمان هو نوع من الخوف المنتشر من الإسلام, وهو ليس خوفا محددا من أشخاص محددين مثل علي أو عائشة جيراننا في الشارع, والذين نعرفهم جيدا, ولكنه خوف غير ملموس من التطرف الإسلامي وما تبثه نشرات الأخبار من اعتداءات وتفجيرات في أفغانستان, وباكستان, حيث إن صورة الإسلام سلبية للغاية في أوروبا, منذ هجمات سبتمبر, وهذا الخوف يستشعره المسلمون للأسف في صور مختلفة, من ناحية أخري يوجد ألمان كثيرون يجهلون تماما ما هو الإسلام ولا يعرفون أي شئ عن حياة المسلمين. ماذا يجب علي المسلمين في ألمانيا أن يفعلوا؟ { انصحهم بألا يفقدوا همتهم حتي لو تعرضوا لبعض الممارسات ولكن أغلبهم ليس لديهم تجارب شخصية مع العنصرية, وانصحهم كما أنصح كل أقلية في المجتمع الألماني باتباع الشفافية والانفتاح في التعامل مع المجتمع الذي يعيشون فيه, وأن يحاولوا فتح قنوات الاتصال والمشاركة في منظمات المجتمع المدني والمشاركة السياسية وعندما يرغبون في بناء مسجد علي سبيل المثال عليهم أن يناقشوا ذلك مع جيرانهم بشكل مفتوح, هكذا نزيل المخاوف ونبني الثقة بين الجانبين.