نقلا عن / جريدة الوفد فى 30/9/2009 هذه المساحة التي يشغلها المقال الأسبوعي مطلوب أن تصدر خالية من السطور، فهذه هي الصحافة التي يريدها النظام.. صحافة لا تري ولا تسمع ولا تكتب ما يقلق ويزعج ويفتح عيون الناس علي أبعاد وأهوال وتفصايل ما يعيشونه من كوارث.. وإذا كان المطلوب هو الصمت، فلنتكلم ونواصل الكتابة بالحق وبالواجب.. فقط نرجو لهم أن يجدوا متسعاً في السجون لكل الصحافة الخارجة علي الاستسلام والإذعان إلا لوجه الله.. والوطن المنكوب. مع دخول رئيس تحرير »الوفد« الأستاذ أنور الهواري والزميلين محمود غلاب وأمير عبدالمولي دائرة التجريم والعقاب والإعداد لسماع أقوال محمد سيد سعيد رئيس تحرير »البديل« يزداد وضوح أهداف الحملة الشرسة علي الصحافة وهي إغلاق ما تبقي من منافذ يتسرب منها حقائق ووقائع ما يحدث للمصريين ويتأكد أنها ليست قضية حرية كلمة وما يطلق عليه تجاوزات ونشر أخبار كاذبة ومغلوطة ولكنها قضية احترام الحق الدستوري للشعب في أن يعرف كل ما يدور فوق أرضه وتفسير وكشف ما وراء ما يتخذ من قرارات تتعلق بمصيره ومستقبله وأولاده ولقمة عيشه وأمنه واستقراره.. تناضل الصحافة المستقلة الجادة لإثبات أن معرفة هذه الأمور ليست ملكية خاصة للحكام، ولكنها ملكية عامة للشعب، وأن إرهاب وترويع الصحافة يدخل في إطار خصخصة حق المعرفة واحتكاره مثل خصخصة واحتكار وبيع كل ما فوق أرض مصر الآن.. * وفي أقرب مثال لاحتقار واحتكار حق الشعب في أن يعرف أسلوب تناول مظاهرات واعتصامات عشرات الآلاف من عمال مدينة المحلة الكبري. ومحاولة تفسير الاضطرابات بتحريض من تيارات سياسية ودينية.. والتجاهل المتعمد للأسباب الحقيقية المسئولة عما وصلت إليه أحوال العمال.. هوان ومستويات غير آدمية لماذا لم ترد الحكومة علي مظاهر الغضب ببيان رسمي يكذب أسباب الغضب ويكشف الأحوال المزدهرة التي يعيشون فيها والدخول التي يحصلون عليها، وأين ذهب عائد ما بيع من المصانع وقدر ما أنفق علي تحسين أحوال العمال وأسباب تشريد 75 ألف عامل.. الإدارة الشفافة النظيفة العادلة تبادر بإعلان الشهادات الموثقة التي تثبت أن العمال ينالون حقوقهم ولا تحتمي بتوجيه اتهامات لهم بالخضوع لتدخلات داخلية وخارجية.. المفارقة التي ربما لم ينتبه إليها عمال المحلة أنهم يتظاهرون ويعتصمون ويصرخون مما آلت إليه أحوالهم في ميدان يحمل اسم أحد البنائيين العظام للنهضة الصناعية، في مصر وفي مدينة المحلة ميدان طلعت حرب ليكون شاهداً علي ما آلت إليه أحوال هذه النهضة وما يحدث في سبتمبر ،2007 حيث تحل أزمات العمال باستدعاء الأمن المركزي من سبع محافظات والقبض علي القيادات العمالية منهم في سبتمبر 1924 وفي افتتاح فرع بنك مصر بمدينة المحلة وقف الرائد الكبير يشيد بالإحياء والبعث الذي أحدثته صناعة الغزل وعمالها بالمدينة ويباهي بمهاراتهم وتزايد أعدادهم والتوازن الذي تضعه النهضة الصناعية إلي جانب النهضة الزراعية في انتعاش وازدهار أبناء المدينة وتقدمها.. سبتمبر 1924 ذروة لمجد النهضة الصناعية والصناعة والعمال بمدينة المحلة وسبتمبر 2007 ذروة للألم والاحتقان وترويع العمال واللجوء كما حدث مع الصحافة والقبض علي رموز منها إلي القبض علي القيادات العمالية وإلي عصا الأمن المركزي الذي ربما يأتي دوره قريباً في أزمة الصحافة وربما اتهامها بترويج شائعات ونشر أخبار كاذبة وربما تحريض العمال علي الغضب والثورة!!. * اللجوء إلي توجيه الاتهامات هو لغة وأسلوب العاجزين عن إيجاد الحلول للأزمات التي صنعوها.. والذين لا يملكون شجاعة الاعتراف بالسياسات الخاطئة والإدارات المنحرفة والفاسدة التي قادت إلي الكوارث والتي حولت مدينة مثل المحلة الكبري من مدينة من أزهي وأغني مدن مصر بسبب النهضة الصناعية لتلحق ببقية ما تعيشه سائر مدن مصر فقر من وأزمات وتبديد وإهدار الثروة والمهارة العمالية التي وقف يباهي بها الرائد طلعت حرب في سبتمبر ،1924 وهو يشير إلي منافسة وتفوق منتجاتهم في معرض فرنسا لعام 1867 عندما لم يجد الخديو إسماعيل للعرض هناك أفضل وأجمل من منتجات المحلة القطنية والصوفية والحريرية.. أي براعة في التدمير والتبديد تلك التي جعلت سلالة النساجين والغزاليين العظام يتشرد منهم 75 ألف عامل والبقية تصرخ مما آلت إليه أحوالها ومن ضياع حقوقها.. ومازال التكتم والتدليس والتفسيرات الخاطئة وترويج الحكومة للاتهامات والشائعات والأخبار الكاذبة عن العمال مستمرة، ولكنه نظام يضع نفسه فوق الشعب وفوق الحساب. * مثال صارخ ثان لمصادرة واحتكار واحتقار وخصخصة حق المصريين في معرفة كيف تدار ثروة من أخطر ثرواتهم الطبيعية والاستراتيجية ومحرك أساسي من محركات الحضارة لكل زمة وهو الطاقة وفنون تبديدها وإهدائها لإسرائيل دون مبالاة بحق المصريين بأن يعرفوا حقيقة ما يحدث لها وكيف تدار أو تبدد وما نشر أخيراً علي موقع »جلوبز الاقتصادي« وهو أن إسرائيل سوف تستبدل الديزل الذي تستخدمه في تشغيل محطات الطاقة الغاز الطبيعي المصري وهو ما يوفر لها 840 مليون دولار تصل إلي مليار دولار العام القادم.. ماذا يعرف المصريون إذا كان لهم حق أن يعرفوا عن الشركة المصرية الإسرائيلية التي تحتكر تصدير الغاز الطبيعي المصري ومالكها الرئيسي وما تشير إليه التقارير عن علاقته الوثيقة بالرئاسة والاتفاق الذي وقعته شركة كهرباء لمدة 15 عاماً مع هذه الشركة بقيمة إجمالية 5.2 مليار دولار لإمداد إسرائيل ب 7.1 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في العام، ورغم الهجوم الذي ناله هذا الاتفاق في مجلس الشعب فلم يلق من المسئولين أي اهتمام بل أعلن وزير البترول أمام البرلمان أن الأمر ليس بيده، وأشارت صحيفة »البديل« التي نشرت الخبر نقلاً عن موقع جلوبز أن رجل الأعمال حسين سالم الذي يمتلك أغلب أسهم الشركة أن أمر البيع أيضاً ليس بيده وأنه قرار سياسي!! هل بالاحتكار والاحتقار والخصخصة لحق المعرفة لا يملك المصريون الحق في أن يعرفوا ويفهموا ويوافقوا أو يرفضوا أو يغضبوا أو يلعنوا؟!. أين مصادر المعرفة الموثوق بها التي يجب أن تقدم إجابات شافية؟! وهل في غياب هذه المصادر تخطئ الصحافة عندما تصيب وتخطئ في مجاهل الفوضي والأسرار التي تدار بها قرارات وسياسات وثروات ومستقبل وطني!!. * وليس بعيداً عن تغييب الحقائق واحتكارها يقف كارثة أو مشروع بناء مركز مالي وسياحي في هدم قلعة صلاح الدين وأن يحصل المشروع علي جميع التراخيص والموافقات الرسمية اللازمة، رغم خروجه وتقدمه علي قانون الآثار وتحديه لجميع الأخطار الجيولوجية التي تهدد منظومة الأثار الإسلامية حول القلعة والقلعة نفسها، ووسط المعلومات المتضاربة كالمعتاد لا نعرف كما لا نعرف شيئاً في أي وفي كل شيء كتب، وافقت اليونسكو من قبل علي تصميمات المشروع وكيف عادت في تقريرها الأخير توصي بإلغاء 5 أدوار من تصميمات أبراج القلعة وكيف حصل المشروع علي موافقة المجلس الأعلي للآثار، بينما أمين المجلس صرح بأنه لم يعلم بالمشروع إلا بعد شهور من بدء تنفيذه.. وما معني ما أعلنه أمين الآثار بعد تقرير اليونسكو الأخير بأن الشركة المالكة إذا لم تلتزم بشروط اليونسكو ستكون فضيحة عالمية وبما يعني أن الاحتمال قائم ببقاء المشروع رغم كل المهددات التي تسبق وجوده ويتضاعف به وكل ما سيترتب عليه من تشويه لعمران وبنية المنطقة وتشويه لرموزها وما فيها من قلاع حربية تجسد مكانة ودور مصر النضالي والإسلامي، يبدو أنه قد أصبح مطلوباً إسقاطه من الذاكرة والوعي والتاريخ يوم قادت مصر من قلعة صلاح الدين أول مشروع لتوحيد العالم الإسلامي للتصدي للمغول والصليبيين، أما التشويه العمراني والجيولوجي ففي يوليو 2006 نشرت مقتطفات مما جاء في تقرير الجيولوجي عادل شحاتة طايع الذي يقرر أن منسوب المياه تحت السطحية قد ارتفع إلي درجة الكارثة، بينما تقدم قلعة صلاح الدين الأيوبي وقلعة محمد علي المواجهة لها علي ربوتين من جبل المقطم يوصل بينهما الطريق الزلاق، وجميعها قائمة علي المقطم وصخوره من الحجر الجيري الناعم التي تتكون من كربونات الكالسيوم وتحتوي علي بقايا حفريات قللت من صلابته ويحتوي الصخر علي فجوات وكسور وشقوق عديدة وجبل المقطم نفسه ناتج عن عملية رفع وانخفاض الطبقات ويطق عليه جيولوجياً منطقة صدع أو فالق كبير اتجاهه شرق غرب ونتيجة لحدوث هذا الفالق الكبير فإنه قد حدث بصخور المنطقة المحيطة به إجهاد كبير تسبب عنه كثير من الشقوق والتصدعات تسمح بمرور المياه تحت السطحية بسرعة رهيبة من خلالها، خاصة إذا كانت هذه المياه حامضية »مياه الصرف الصحي« فيتفاعل الحامض مع الصخور القلوية الأصلية فتتآكل وتزداد الفجوات والشقوق بين بلوكات الجبل ويحدث تراجع كبير في الهضبة المتفتتة والمتبعة بالمياه بالفعل وتتباعد الكتل وتحدث انهيارات وتسقط أحجار الجبل كما سبق وحدث في منشية ناصر وأحدث خسائر جسيمة في الأرواح، وقد لوحظ ارتفاع كبير في منسوب مياه عين الصيرة سببه تصرف مياه الصرف الصحي وشبكات المياه في مدينة المقطم أذابت الصخور وأحدثت بها شقوقاً هائلة وأصبحت كارثة تزحف علي جميع أثار وعمران وسكان المنطقة.. وفوق قنبلة المياه الموقوتة والصخور المشبعة بالمياه والشقوق والفجوات سيقام المشروع الاستثماري، الذي يتكون من مسطحات إدارية وفندق خمس نجوم يضم حوالي 600 غرفة، بالإضافة إلي مركز للجذب السياحي للترفيه وملاهي وتسالي وسائر لزوم الترف وإنعاش التسوق إلي جانب مركز للمؤتمرات والمعارض الدولية علي مسافة 000.61 متر مربع. * أقرأوا الفاتحة علي روح القلعتين صلاح الدين ومحمد علي وعلي منظومة الآثار حولهما والتي تضم أكثر من خمسين تحفة من العمارة الإسلامية النادرة ما بين قبة ومدفن وسبيل وإيوان وزاوية ومسجد ورباط بالإضافة إلي 37 أثراً ما بين قبة وزاوية وتكية وسبيل!. * أين الحقيقة في كل ما يدور علي أرض هذا الوطن.. وهل من حق الشعب أن يعرف أو يجب أن يجهل كل ما يرتبط بحاضره ومستقبله واستقراره واستقلاله وأمنه السياسي والاقتصادي والحيوي والصحي، الإجابات بديهية وتخرق العيون ولكن تحدي الحق والحقوق والبديهيات وأبجديات الشعب أصبح سمة أساسية للسياسات التي تدار بها مصر والتي تحتمي الآن بأحكام القضاء والسجون وعصا الأمن.. ونماذج ووقائع الأحداث الثلاثة التي عرضتها في السطور السابقة والتي شهدتها الأسابيع الأخيرة تقدم النموذج لغياب الحقائق والمعلومات الموثوق بها في قضايا وأمور مصيرية ولولا الأضواء الكاشفة للصحافة الخاصة والحزبية الجادة لظلت مخبوءة تتولي فقط البيانات الرسمية تسويقها للمصريين كما يريد أصحابها والمنتفعون بها.. والمشكلة التي يواجهها النظام ويصنع الأزمة من أجلها أنه إذا كان هامش الحرية.. الهامش فقط الذي أتيح لهذه الصحافة قد سمح برؤية وكشف ونشر كل هذا الفساد! فكيف سيكون الحال وماذا سيتم الكشف عنه إذا تحول هامش الحرية إلي حريات كاملة تفرض احترام حق الشعب في أن يعرف؟! * هل المعرفة بالوطن من حقوق المواطنة.. وهل المواطنة أو حقوقها موجودان أصلاً؟!.