مع بداية حكم الرئيس الأمريكي أوباما كان الواضح أن الرئيس الجديد علي معرفة وثيقة بأبعاد التجربة البالغة السوء لإدارة سلفه الرئيس بوش في تعاملها مع قضايا الارهاب والشرق الأوسط, وكيف ورطت نفسها في وحل العراق دون مسوغات حقيقية ووسعت من نطاق المجابهة مع العرب والمسلمين بدلا من محاولة كسب عقولهم وقلوبهم وتجاوزت دورها في الحفاظ علي أمن إسرائيل إلي دعم احتلالها للأرض العربية ومساندة عدوانها المستمر علي الشعب الفلسطيني وأغمضت عيونها عمدا عن عملية توسيع المستوطنات برغم عدم شرعيتها فضلا عن أنها تشكل عائقا حقيقيا يحول دون إنجاز التسوية الشاملة. وكان الواضح أيضا أن الرئيس الجديد يدرك مدي الترابط الوثيق بين كل ملفات الشرق الأوسط الأمر الذي جعله يضع قضية الصراع العربي الاسرائيلي علي رأس أولوياته باعتبارها المفتاح الحقيقي لتسوية كل مشاكل المنطقة. ولهذه الأسباب اختار منذ الأسابيع الأولي لولايته جورج ميتشيل المعروف بنضجه ومصداقيته وتجربته العريضة في صنع سلام أيرلندا كي يكون مبعوثه الدائم في الشرق الأوسط لكن ميتشيل الذي جابه صلف حكومة نيتانياهو وقع في الشرك الخداعي لرئيس الوزراء الاسرائيلي عندما تصور أن إقدام العرب علي تقديم المزيد من التنازلات في قضية التطبيع سوف يحفز حكومة نيتانياهو علي أن تتقدم خطوة إلي الأمام علي طريق التسوية. برغم تأكيدات رئيس الوزراء الاسرائيلي رفضه الانسحاب من الضفة وإصراره علي الاستمرار في بناء المستوطنات في الضفة وحول القدسالشرقية, وتمسكه بتحالف يميني متطرف يرفض أن يتقدم بوصة واحدة علي طريق التسوية. ومع الأسف بدلا من أن يصبح جوهر السؤال الآن؟ كيف يمكن إلزام حكومة إسرائيل تغيير مواقفها المناهضة لأي سلام حقيقي أصبح السؤال: ماذا سوف يقدم العرب وما هي طبيعة التنازلات المطلوبة منهم لإقناع حكومة إسرائيل بوقف مؤقت لجهود الاستيطان يستغرق تسعة أشهر. وما لم تخرج إدارة أوباما من هذا الشرك الخداعي لتواجه صلب المشكلة برؤية شاملة متكاملة لمسيرة التسوية تحدد أهدافها ومرجعياتها وشروط نجاحها وتضمن استمرار المفاوضات وصولا إلي نهايتها بحيث يصبح التطبيع الكامل هو نهاية الطريق وليس بدايته فسوف يكون من الصعب بل من المستحيل أن تتقدم مسيرة السلام خطوة واحدة إلي الأمام. * الاهرام