نظرا لتطورات العصر وما تشهده الحياة من تغيرات، يطالب المختصون في الشؤون القانونية بين الحين والآخر بتغيير بعض القوانين، أو بعض مواد القوانين وذلك تذرعا بأنها لا تصلح للوقت الحاضر، وأنها شرعت في وقت سابق كانت الحياة فيه مختلفة تماما عما نحن فيه الآن. والملاحظ أن أهم القوانين التي يطالب أهل القانون وتعلو أصواتهم كل فترة للمطالبة بتغييره هو قانون الأحوال الشخصية، وذلك لأنه ينظم حياة الأسرة، ومفهومه يتعدى الرجل والمرأة، إلى بناء المجتمع ككل. بعض القانونيين رأى أن هذا القانون ساهم في زيادة نسبة الطلاق والعنوسة في الكويت، وجعل أرقامها تتصدر دول العالم وليس النطاق العربي فقط. أما الطرف الآخر فيرى ضرورة استمرار قانون الأحوال الشخصية الحالي، معللا ذلك بأنه مأخوذ من الشريعة الإسلامية التي منحت المرأة جميع حقوقها، ولم تكن منة من أشخاص معينين. جريدة«القبس» الكويتية طرحت الموضوع على أهل القانون، ليضعوا معالجات للظواهر السلبية في الأسرة، وبيان المبالغة في حقوق المرأة، وما منحته الشريعة لها، وأسباب تفكك الأسرة وعلاقة ذلك بقانون الأحوال الشخصية. في البداية، أوضح رئيس جمعية المحامين عمر العيسى ان قانون الأحوال الشخصية الحالي يحتاج إلى تعديل، مضيفا: يجب أن نأخذ من جميع الطوائف بقانون يتلاءم مع الطبيعة الكويتية، فهناك سلبيات كثيرة في القانون الحالي تتمثل في إعطاء حقوق أكبر للمرأة في مسألة السكن. وأضاف: في السابق لم تكن هناك أسباب مالية وإنما اجتماعية في مسألة الطلاق، أما الان فهناك جزء كبير من الطلاق أسبابه مالية، وبدأت هناك أزمة فعلية تؤثر في الطلاق من الناحية الاقتصادية، كما أنه يجب أن يكون هناك قانون يعاقب من يسيء للأبناء. تعديلات وتابع العيسى: القانون الحالي لم يقف مع طرف ضد آخر وهو قانون عادل، ومن الخطأ أن نشير إلى أنه ضد المرأة أو ضد الرجل، لكن الظروف الاجتماعية في البلد واكبتها التطورات ونحن أيضا يجب أن نواكب هذا التطورات من خلال إعادة وصياغة القوانين، خصوصا في مسألة الحضانة، فالحاضنة من الصعب ان تحصل على جواز لابنائها إلا من خلال موافقة الزوج، أيضا من الصعب السفر مع المحضون إلا بموافقة الزوج، ويجب تعديل ذلك، خصوصا أن بعض بنود القانون تستخدم للضغط على الزوجة، فكيف يسافر الأب مع أبنائه وتمنع الأم من ذلك؟ وحسب العيسى فان مسألة تغيير القانون أو تعديله متروكة للحكومة، فهي لديها دراسات كثيرة في هذا الجانب، وكمحام أعتقد أنه حان الوقت لأن يعدل قانون الأحوال الشخصية نظرا للمشاكل التي طرأت على المجتمع الكويتي في الفترة الأخيرة. وأوضح أن جمعية المحامين أنشأت اخيرا لجنة مختصة في الأحوال الشخصية وتقوم حاليا بدورها لدراسة بعض المعلومات المتعلقة بهذا القانون، لكن الحكومة ممثلة بوزارة العدل لديها دراسات أكبر لا تملكها جمعية المحامين، لكننا نستشعرها من خلال حالات فردية. وأكمل: الظروف تغيرت وهناك أسباب كثيرة وراء زيادة نسبة الطلاق، فالرجل أصبح لا يقوم بدوره ويتخلى عن مسؤولية الأسرة، والمرأة أصبحت المادة من أولوياتها، لذلك يلجأ الطرفان إلى الطلاق، بعد عدم تحمل واجبهما الشرعي. سياسة المشرع أما استاذ القانون بجامعة الكويت المحامي د. فايز الظفيري فقد أوضح أن قانون الأحوال الشخصية يجسد سياسة المشرع لمعالجة عدة أمور، أولها مسألة تنظيم العلاقة الزوجية في حالة الارتباط أو تنظيم الحقوق في حالة الانفصال، أي انتهاء العلاقة. واضاف الظفيري: طبعا هناك أطراف أخرى كرست لها معالجة قانونية ومعالجة تشريعية لحماية حقوقها وحرياتها على النحو الذي يرى المشرع ان فيه تحقيق مصلحة لها، بمعنى أن الذي يقيم المصلحة هو المشرع ونقصد بالأطراف الأخرى «الأبناء». واشار إلى ان المشرع لم ينتبه إلى أن هناك اثارا سلبية ترتبت على صياغة تلك السياسة القانونية المنظمة لحال الأسرة، ألا وهي زيادة نسبة الطلاق في الكويت بشكل لافت للنظر، مستدركا: لا نتهم المشرع بسوء، ولكن هذا نوع من أنواع التجارب التشريعية التي أثبتت فشلها، وهذا الفشل لا يحتاج إلى دليل، فعلى من يشكك بالفشل أن ينظر إلى إحصائية الطلاق في الكويت ويقارنها على مستوى العالم فهي الأعلى مقارنة بعدد السكان. واضاف: ولو نظرنا إلى الأسباب كلها نجد قانون الأحوال الشخصية، والمسألة يجب أن يعلمها كل من يريد أن يدلي برأيه فهي ليست بحثا لمن كرس القواعد ولمن يقف القانون بجانبه، فنحن لا نبحث عمن استفاد من القانون، لأن واقع الحال يدلل على أن كلا الطرفين (الرجل والمرأة) خاسر في هذا الوضع، وهناك عوامل أخرى ساهمت في إفشال قانون الأحوال الشخصية وجعلت منه أداة لتفكك الأسرة، سواء بقصد أو من دون قصد. وأكمل الظفيري قائلا: إذا ما أردنا أولا أن نتكلم عن قانون الأحوال الشخصية فإنني أدعو المشرع الكويتي إلى مراجعة القواعد المتعلقة بالحضانة، وبالطلاق، والوصاية، وإيجاد تجربة مستمدة من المذاهب الإسلامية تتكفل بالحد من الطلاق، وهذه هي مسؤولية المشرع وجوهر التزامه أمام النصوص الدستورية التي أولت للأسرة بالغ الأهمية وجعلت من المشرع حارسا على سلامتها وتضامنها. مكامن الخلل وبين ان جوانب الخلل كبيرة ولا تحتاج إلى دليل، ولكن ما أسمعه حاليا من طرق معالجة يعد كارثة حقيقية، فمن ينطلق في سبيل تعديل قانون الأحوال الشخصية من البحث عن مصلحة المرأة أو مصلحة الرجل، فإنما يضع علامة استفهام عن مدى صلاحيته للمساهمة في العلاج التشريعي، إذ لا يجوز أن نحقق مصلحة للرجل ولا مصلحة للمرأة، وإنما الواجب الحقيقي أن نساهم في تحقيق مصلحة الأسرة، بمعنى ضرورة الانتباه إلى عدم تقنين القواعد التي تساهم في تفكك الأسرة. ونوه إلى ان الجدير بالتعديل هو سن الحاضنة بالنسبة للأبناء، ويعلم الجميع أن أسباب فشل الزواج هو عدم وجود أي عائق لدى المرأة في الحضانة، وهناك أسباب أخرى خارج قانون الأحوال الشخصية تمثل عوامل مساهمة في تفكيك الأسرة وعوامل تؤدي إلى زيادة العنوسة، والمثال على ذلك توظيف المرأة أو منحها الأولوية على توظيف الرجل، إذ ان توظيف كل شاب يعني فرصة عمل ومن ثم وجود دخل، ومن ثم زواج، أي أن الرجل عندما يعمل يتمكن من فتح منزل ويساهم في إنقاص العنوسة، بينما الفتاة عندما تتوظف لا يعني هذا بالضرورة أنها تستطيع أن تتزوج وتشكل أسرة. قانون إسلامي ومن جانبه، قال المحامي علي العصفور «لا شك أن قانون الأحوال الشخصية المعمول به في الكويت مستقى من الشريعة الإسلامية، ولا شك أننا كمسلمين ملتزمون إلى حد كبير بأحكام ديننا»، مستدركا: ولكن وبعد ما يقارب نصف القرن على انطلاق القضاء الحديث، وكذلك العمل بقانون الأحوال الشخصية الحالي نجد أن هناك حاجة ملحة لإعادة مراجعة نصوص هذا القانون، خاصة من ناحية التوسع في تفسير بعضها وكذلك المبالغة الشديدة والمغالاة الكبيرة في فرض النفقات على اختلاف أنواعها. وأضاف العصفور: فمن خلال مراجعة الأحكام في السنوات الأخيرة نجد وللاسف الشديد أن هناك مغالاة في النفقات المحكوم بها، بحيث تصل حد الإرهاق بالنسبة لمن يصدر بحقه الحكم، وذلك دون وجود الضوابط أو حدود قصوى لمقدار هذه النفقات. وقال ان القانون الحالي لم ينص على مبالغ ونسب معينة من شأن قاضي الموضوع، عدم اختراق سقف هذه المبالغ. وتابع: لعل المعضلة الأخرى والظاهرة التي أخذت في الانتشار من واقع الأحكام الصادرة هي طلاق الضرر، حيث تم التوسع فيه بشكل غير مقبول تحت مسمى استحالة العشرة بين الزوجين، وهذا أمر خطير تسبب بشكل كبير في ازدياد حالات الطلاق من دون أن يكون هناك مبرر مقبول خاصة في ظل فهم النصوص وفق الاجتهادات الشخصية. واستطرد العصفور قائلا: كذلك دأبت المحاكم حاليا على تعيين حكمين في حالة الشقاق بين الزوجين من خارج الأسرة أو الأقارب، بحيث أصبح هذا الأمر مجرد وظيفة يؤديها البعض دون وجود جهد فعلي لرأب الصدع بين الزوجين، ولا نجد إلا القليل من دوائر الأحوال الشخصية تعين حكمين من أقرباء الزوجين وهو القاعدة التي يجب الالتزام بها وماعداها فهو الاستثناء وليس العكس. وزاد: كذلك ما يخص أحكام الحضانة من انتقال المحضون من الأم ثم الجدة إلى اخر الترتيب، حيث نجد الأب في نهاية المطاف بالنسبة لترتيب الحاضنين وهو الأمر الذي يتوجب تعديله. وعما إذا كان قانون الأحوال الشخصية ساهم وبشكل كبير في ازدياد نسبة الطلاق في الكويت، قال العصفور: نعم ساهم القانون الحالي في ازدياد نسبة الطلاق عالميا، وذلك لتحقيق مكاسب تشكل مغالاة بغير مبرر لها، وإن صح التعبير فهي تشكل نوعا من الإثراء غير المنطقي لمصلحة المرأة مما يدفعها إلى طلب الطلاق، ويجعل العنت والفجور في الخصومة والاستعداد لولوج ساحات القضاء من الأمور الطبيعية.