كل مايصدر عن إسرائيل هذه الأيام يؤكد أن فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة بالمعني الحقيقي للاستقلال والسيادة مازالت فكرة مستبعدة تماما في الأجندة السياسية للدولة العبرية وأن ما يتحدث عنه بعض المعتدلين نسبيا لايتجاوز فكرة القبول لدولة يتم تفصيلها حسب المقاييس والمواصفات والشروط الإسرائيلية وبحيث تكتسب هذه الدولة مشروعية قيامها بموافقة إسرائيل وحدها... والدليل علي ذلك ما اقترحه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بعد اجتماعه مع المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل بامكانية قبول دولة فلسطينية بحدود مؤقتة لتفادي رفض حكومة نتنياهو المقترح الأمريكي حول حل الدولتين. والحقيقة أن هذا الموقف الإسرائيلي ليس وليد اليوم ولاهو من بنات أفكار ثنائي التطرف الحاكم في إسرائيل الآن نتنياهو ليبرمان وإنما هو موقف تاريخي قديم يعود إلي تاريخ قيام إسرائيل نفسها قبل61 عاما حيث اعترف دافيد بن جوريون مؤسس الدولة ورئيس أول حكومة لها بأن قبول إسرائيل لقرار الأممالمتحدة بتقسيم فلسطين بين العرب والإسرائيليين لم يكن يعني موافقة إسرائيل علي قيام دولة فلسطينية علي أي جزء من التراب الفلسطيني وإنما كان رهانا محسوبا بدقة في اطار فهم صحيح للعقلية السياسية العربية التي سترفض قرار التقسيم وبالتالي يتم إجهاض فكرة الدولة الفلسطينية بقرار عربي. واليوم بعد أن تغيرت الظروف وتغيرت المفاهيم فإن السؤال المحير هو: لماذا يخشي الإسرائيليون من قيام دولة فلسطينية مستقلة مادام الفلسطينيون قد ارتضوا بعد طول رفض أن يعترفوا بقيام الدولة الإسرائيلية وأن يقبلوا بالتعايش معها عند حدود4 يونيو1967 التي تمددت فيها مساحة إسرائيل واتسعت إلي ما يوازي ضعف المساحة المحددة لها في قرار التقسيم الصادر عن الأممالمتحدة عام1947. والجواب باختصار وبوضوح هو أن هناك تناميا ملحوظا لتيار توراتي متطرف يروج لهواجس ومخاوف وأوهام مفادها أن مجرد قيام دولة فلسطين سوف يشكل البذرة الأولي لإحياء حلم العودة إلي فلسطين التاريخية... وفي المقابل فإن القلة العاقلة داخل إسرائيل تري أن اغتنام الفرصة الراهنة لتوقيع اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين هو أكبر ضمانة لشرعية وجود إسرائيل وإغلاق الباب تماما أمام أي مطالب مستقبلية في حدها الأدني بالعودة إلي حدود قرار التقسيم أو في حدها الأقصي بدولة من البحر إلي النهر. وليس ما يقوله الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن أن مصلحة إسرائيل تكمن في قبول حل الدولتين سوي تعبير عن اقتناعه بما تقوله القلة العاقلة داخل إسرائيل والتي تحظي بتأييد قطاع واسع من اللوبي اليهودي في أمريكا وأوربا علي حد سواء! * الاهرام