اعتبر محللون أن فوز قوى 14 آذار - الممثلة بالأكثرية الحالية المدعومة من الغرب ودول عربية - في الانتخابات النيابية لن يسهل عليها تشكيل الحكومة المقبلة التي يتكفل التوافق الإقليمي بتسهيل ولادتها. ووفق النتائج الرسمية النهائية، فازت قوى 14 آذار مع حلفائها ب71 مقعدا مقابل 57 مقعدا لقوى 8 آذار- المدعومة من دمشق وطهران - والتي يشكل حزب الله أبرز أطرافها. وقال المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت فواز طرابلسي إنه "مهما كانت النتيجة ولو حازت الأكثرية على 80 مقعدا لن يتغير شيء بالنسبة لتشكيل الحكومة". وأضاف أن الحكومة إما أن تشكلها 14 آذار أو تكون ائتلافية، مشيرا إلى أن النظام اللبناني لا يصلح لحكم الأكثرية التي تفتقد أغلبية شيعية ومسيحية، وأن والائتلاف - على افتراض التوافق عليه - سيؤدي وفق التجربة السابقة إلى تعطيل وشلل. وتساءل طرابلسي "المفترض أن الأكثرية انتصرت في الانتخابات، ولكن في هذه الحالة ما فائدة الانتصار؟ وأين يتم تثميره؟". من جانبه، اعتبر حزب الله بلسان نائبه في البرلمان محمد رعد أن فوز قوى 14 آذار سيؤدي إلى استمرار "الأزمة" إلا إذا التزمت الأكثرية بمبادئ، أبرزها عدم المساس بسلاح حزب الله – أحد القضايا الخلافية بين قوى 14 و8 آذار - وذلك يكون إما بتأمين الثلث المعطل في الحكومة أو بضمانات. ويرفض حزب الله التخلي عن سلاحه، مؤكدا أنه ضروري لمواجهة أي هجوم إسرائيلي محتمل، في حين تدعو الأكثرية إلى حصر السلاح بيد الدولة. وأشار طرابلسي إلى أن من نتائج النظام الطائفي تحول الانتخابات إلى ما يشبه تعيين العدد الأكبر من النواب، بينما تجري المنافسة على نحو 20 مقعدا فقط. وكانت نتائج الانتخابات محسومة إلى حد بعيد في المناطق ذات الغالبية السنية والشيعية، وتركز الرهان على الدوائر ذات الغالبية المسيحية التي حددت الجهة الفائزة. كما رأى رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط مصطفى أديب أن الحكومة المقبلة لا يمكن إلا أن تكون "توافقية". وقال إن المشكلة الأساسية هي في الثلث الضامن، وإذا استمر تطبيق بنود اتفاق الدوحة - الذي أبرم في ايار/مايو 2008 وسمح بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة بعد ازمة استمرت عاما ونصف - فلن تأتي الحكومة التوافقية بسهولة. وأضاف أن لبنان ليس معزولا عن الواقع الإقليمي أو الدولي، وبالتالي فإن التأثير الخارجي على تشكيل الحكومة حاسم. بينما يعتبر رئيس معهد كارنيجي للشرق الأوسط بول سالم أن العامل الإقليمي والدولي يسمح باختيار رئيس للحكومة قد لا يكون توافقيا. وقال إن "حسابات المنطقة تغيرت كثيرا ولم نعد في مرحلة تشدنا إلى الانقسام". ويرى محللون أن دور رئيس الجمهورية ميشال سليمان - ورغم تلويح قوى 8 آذار بانحيازه لصالح خصومها في الانتخابات - سيعزز في المرحلة المقبلة. وقال فواز طرابلسي إنه "من الغريب المطالبة بألا يكون لرئيس الجمهورية علاقة بالسياسة، فهو ينتمي إلى الطائفة المارونية ونحن في نظام طائفي". ورأى في موقف قوى 8 آذار منه "عنصر تعقيد إضافي" خصوصا عند تشكيل الحكومة. في المقابل، اعتبر أديب – مدرس العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية وأستاذ زائر في جامعة بواتييه بفرنسا - أن التقارب السوري السعودي يعزز دور الرئيس التوافقي خاصة في تشكيل الحكومة، مؤكدا أن قبول قوى 8 آذار نتائج الانتخابات برحابة صدر دليل على استمرار التوافق الإقليمي. لكن سالم وصف سقوط مرشحين مقربين من رئيس الجمهورية بأنه "نكسة جزئية". واعتبر أن موقف سليمان كان أقوى لو فاز المقربون منه أو لو أتت النتائج بدون أكثرية واضحة لأي من الفريقين، إذا تتشكل كتلة وسطية - هي رمانة الميزان - في المجلس النيابي. وقال سالم إن الرئيس اللبناني سيستمر بالدور الذي كان يلعبه قبل انتخابات 7 يونيو/ حزيران 2009، فيبقى "راعي العملية السياسية، والجسر بين 14 و8 آذار، وراعي الحوار، ورمز أساسي للاستقرار ولرعاية الموضوع الأمني أمام المجتمع الإقليمي والدولي". وأضاف أن دور الرئيس سليمان يبقى مهما، ويتبلور في تشكيل الحكومة "خصوصا في حسابات الثلث المعطل أو الضامن وهل يشارك في تأمينه أو هو للمعارضة كليا". من جهة أخرى، يتفق المحللون على أن رئيس البرلمان الحالي رئيس حركة أمل الشيعية (8 آذار) نبيه بري سيعود مجددا لرئاسة المجلس، رغم وجود الأكثرية في يد الطرف الآخر. وقال سالم إن "الناخب الشيعي جدد لبري ومن الصعب فرض خيار آخر"، معتبرا أن شروط انتخابه بالإجماع أو الأكثرية ستتحدد في إطار تفاوض وتبادل وعود وتنازلات لأنه استحقاق مرتبط بتشكيل الحكومة. (أ ف ب – ربى كبارة)