كثر الحديث منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية حول احتمالات مواجهة الولاياتالمتحدة مصير الاتحاد السوفييتي السابق والتفتت إلى دول صغيرة، واعتبر البعض هذا الحديث ضرباً من الخيال وأماني الكارهين والحاقدين، ولكن بمرور الأيام بدأت تلوح مؤشرات وتخرج تصريحات وآراء وتوقعات لخبراء ومسؤولين أميركيين وأجانب تشير إلى أن هذا الاحتمال وارد الحدوث كما نشرت جريدة البيان الاماراتية . وأثناء زيارة الزعيم السوفييتي السابق ميخائيل جورباتشوف لواشنطن مطلع أبريل الماضي التقى بالرئيس أوباما ونائبه جو بايدن، وسأل الصحافيون الأميركيون جورباتشوف هذا السؤال «هل تؤيد من يقولون ان الولاياتالمتحدة ستلقى مصير الاتحاد السوفييتي بسبب الأزمة الحالية؟». نفس المفردات يقول جورباتشوف انه لا يرى أن الولاياتالمتحدة ستنهار وتتفكك لكنه يرى أنها بحاجة إلى «بيرسترويكا» أي إعادة بناء، وظهرت آراء ومقالات ترى أن هناك تشابهاً كبيراً بين سياسة أوباما وسياسة جورباتشوف التي أدت لانهيار الاتحاد السوفييتي، وكتبت الواشنطن بوست في الرابع من أبريل الماضي تقول «إن أوباما يستخدم نفس المفردات التي كان يستخدمها غورباتشوف، مثل العالم الجديد والنظام العالمي الجديد والسياسة الخارجية الجديدة، وإعادة بناء النظام المالي والاقتصادي. كما أنه يتخذ قرارات شبيهة بقرارات جورباتشوف حيث ينوى سحب القوات الأميركية من العراق، وجورباتشوف سحب القوات من أفغانستان، وبينما حطم جورباتشوف جدار برلين ها هو أوباما يحطم جدران الحصار على كوبا، وبدأ جورباتشوف رئاسته باتفاق تقليص أسلحة نووية مع ريجان، وكذلك يسعى أوباما الآن وكانت نهاية الاتحاد السوفييتي على يد جورباتشوف، وهو ما يتوقعه البعض للولايات المتحدة مع أوباما بسبب الفشل في مواجهة الأزمة المالية المعقدة». وقد قال روش ليمبو وهو من أبرز شخصيات الحزب الجمهوري ومن المحافظين المتشددين في واشنطن في حديث تلفزيوني «إننا نرى الولاياتالمتحدة تنهار أمام أعيننا، وكل يوم يأتي أسوأ من السابق ولا توجد في الأفق أية بوادر انفراج للأزمة، وما ينوي الرئيس أوباما فعله هو مخاطرة حقيقية بمستقبل الأمة وأبعد ما يكون عن حلول واقعية للأزمة». المضارب والملياردير العالمي الأميركي جورج سورس أدلى بالعديد من التصريحات منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، كلها يغلب عليها التشاؤم واليأس من إمكانية خروج الولاياتالمتحدة الأميركية من الأزمة سالمة، وكان أخطر تصريحاته الشهر الماضي لصحيفة نيويورك تايمز عندما قال إن «الولاياتالمتحدة تواجه كارثة سوفييتية»، وعندما سأله الصحافي «هل يقصد تفتت الولاياتالمتحدة» أجاب سورس «نعم.. الأمور ممكن أن تؤدي إلى ما هو أسوأ.. وممكن أن تؤدي لاضطرابات وحروب أهلية داخل الولايات خاصة مع التزايد المطرد لنسبة البطالة والعاطلين عن العمل والآلاف الذين يفقدون وظائفهم كل يوم». حديث «بانارين» وكانت بداية الحديث عن احتمال انهيار الولاياتالمتحدة وتفتتها إلى دويلات على لسان خبير الاقتصاد الروسي البروفيسور «إيجور بانارين»، ولم يكن هذا الحديث بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية بل قبل ذلك بكثير، بنحو عشر سنوات، في عام 1998 في العاصمة النمساوية فيينا في مؤتمر دولي تحت عنوان «الحرب المعلوماتية» حضره أربعمائة مندوب من مختلف دول العالم بينهم مئة وخمسين مندوباً من الولاياتالمتحدة وحدها. حيث وقف بنارين في المؤتمر ليلقي كلمته الطويلة التي جذبت الحضور بشدة وأثارت دهشتهم وصيحاتهم في قاعة المؤتمر، خاصة عندما قال بنارين ان «الولاياتالمتحدة ستلقى مصير الاتحاد السوفييتي وستتفكك إلى أجزاء»، والأكثر غرابة أن بنارين في كلمته في المؤتمر تنبأ بأن الولاياتالمتحدة ستواجه أزمة مالية حادة في غضون العشرة أعوام القادمة ستكون هي بداية انهيار الهرم الكبير. الآن بعد عشرة أعوام في حوار له في 24 نوفمبر الماضي مع صحيفة «إزفستيا» الروسية يقول البرفيسور بنارين «لقد قلت لهم في المؤتمر أن ديون الولاياتالمتحدة التي لم تكن موجودة عام 1980 تتضاعف بسرعة وأنها وصلت لتريليونين وستتعدى العشرة تريليونات في أقل من عشرة أعوام، ولم يصدقوني آنذاك، ولكن هذا ما حدث، وقد بدأ الانهيار بالفعل حيث انهار ثلاثة من أكبر خمسة بنوك في أميركا والآخرين على وشك الانهيار، والجميع الآن ينفضون عن الولاياتالمتحدة ويطالبون بتغيير النظام المالي العالمي الذي اعتمد على الدولار وعلى الاقتصاد الأميركي أكثر من نصف قرن مضى. احتجاجات الولايات على ما يبدو أن ما تنبأ به بنارين واعتبره البعض خيالاً قد بدأت تظهر بوادره على أرض الواقع داخل الولاياتالمتحدة، حيث وقف «ريك بيري» حاكم ولاية تكساس في 17 أبريل الماضي يخطب في حشد من المتظاهرين في مدينة أوستن بسبب تزايد نسبة البطالة والمعاناة الاجتماعية في الولاية ويقول «إذا استمرت واشنطن في التدخل في شؤون الولاية بسياسات خاطئة من أجل إنقاذ الآخرين فإن احتمال انفصال تكساس عن الولاياتالمتحدة سيصبح واقعاً في المستقبل القريب». وفي ولاية «نيوهامبشير» وجه المجلس التشريعي للولاية تحذيراً واضحاً للحكومة المركزية في واشنطن بأن «سياساتها في التعامل مع الولاية في ظل الأزمة هي انتهاك واضح لاتفاقيات اتحاد الولايات الموقع في القرن الثامن عشر، وهو الأمر الذي يعطي للولاية الحق في الخروج من هذه الاتفاقيات»، مثل هذه الظواهر بدأت تظهر في ولايات أخرى مثل كاليفورنيا وألاباما ونيوأورليانز التي يطالب مواطنوها بالاستقلال منذ كارثة إعصار كاترينا في سبتمبر عام 2005 الذي دمر المدينة ولم يلق أهاليها الرعاية المطلوبة من واشنطن. الخبير القانوني الأميركي ستيفان كارجانو من شيكاغو يتحدث لتلفزيون سي إن إن «يقول» أعتقد انه من المبكر الحديث عن تفتت الولاياتالمتحدة رغم أن المؤشرات على ذلك تتزايد مع تزايد تفاقم الأزمة»، ويقول كارجانو «إن كثيراً من حكام الولايات، وخاصة الولايات الغنية، يطمحون للخروج من الاتحاد الأميركي منذ سنوات، وجاءت هذه الأزمة لتنمي هذه الطموحات وتجعلها علنية وواضحة وتستغل معاناة المواطنين». ربما يكون من المبكر الحديث عن مواجهة الولاياتالمتحدة للمصير السوفييتي، وربما تكون لدى الإدارة الأميركية خطط وحلول، ولكن تصريحات الرئيس أوباما لا تبشر بالخير، ومنها قوله انه ورث أزمة اقتصادية تبلغ قدراً من العمق والكآبة يفوق أية أزمة سابقة منذ فترة الكساد الكبير. وأن ملايين الوظائف التي كان يعتمد عليها الأميركيون قد ذهبت أدراج الرياح، وملايين المدخرات التي جهدت أسر كثيرة من أجل تكوينها قد تلاشت. والناس في كل مكان يخشون مما يمكن أن يحمله الغد إليهم، وقول أوباما «سوف تغرق أميركا بدرجة أعمق في أزمة قد تصل عند نقطة معينة إلى ما يفوق قدرتنا على التغلب عليها». لا شك أنه مع مثل هذه الأقاويل والمؤشرات والتصريحات، ومع التفاقم المستمر للأزمة يمكن توقع حدوث أي شيء، وليس فقط تفتت الولاياتالمتحدة بل ربما ما هو أسوأ مثل حروب أهلية بين الولايات كما توقع الملياردير والمضارب العالمي جورج سورس الذي اعتدنا أن يكون له دور نشيط في الأزمات المالية العالمية. مثلما كان في أزمة النمور الآسيوية عام 1997 حين أطلق عليه الماليزي مهاتير محمد وصف «الشيطان» متهماً سورس بأنه وراء ضرب أسواق المال والعملات المحلية في دول شرق آسيا، ولكن على ما يبدو أن سورس لا يجد ما يفعله في الأزمة الحالية التي يراها بأنها بلا مخرج.