لصوص أم حراس؟! إعداد: إيمان التوني بعد أكثر من قرن من الزمان، عاد لصوص البحر راكبين الأمواج ثانية لكن هذه المرة مختلفين شكلا ومضمونا، فلم يعد قرصان القرن ال21 يشبه نظيره في القرون الماضية - كما صورته الروايات والسينما - رجل ضخم يربط غطاء على رأسه، أعور العين، وإحدى ذراعيه مقطوعة مستعيضا عنها بخطاف، ويحمل سلاحا أبيض، ينتظر مرور أي سفينة محملة لينهبها ويستولي على ما بها من ثروات، بل أصبح القرصان شابا، قد يكون ضئيل البنية، ذو خبرة بالبحر، يملك زورقا يحتوي على الرشاشات الآلية والآر بي جي والصواريخ وأحدث الأسلحة، مدربا على استخدامها، فضلا عن استخدامه أجهزة الاتصالات والتكنولوجيا المتطورة، لإبلاغ الإعلام والمجتمع الدولي باختطاف السفن واحتجاز طاقمها رهينة لدفع الفدية المطلوبة والتي تقدر بالملايين. كذلك اختلف إنفاق القراصنة في عام 2009 عن قراصنة الماضي، فبعد أن كان حصيلة سرقة ونهب السفن تنفق لشراء مستلزمات الحياة الضرورية، أصبحت الفدية تقسم على القراصنة الذين يعيشون حياة مرفهة في فيلات وشقق فاخرة مجهزة بأعلى مستوى في أرقى المناطق، مع احتجاز جزء من إجمالي ما يجمعون من فدية لشراء الأسلحة وتزويد القرصنة بالأجهزة والتأمين اللازم. أول متهم بالقرصنة وفي أول محاكمة بتهمة القرصنة منذ عقود، يمثل في نيويورك في 21 مايو/ أيار 2009 الصومالي "عبد الوالي عبد القادر موسى" أمام القضاء لمشاركته في التآمر لاختطاف سفينة الشحن الأمريكية "ميرسك ألاباما" - في 8 أبريل/ نيسان -، وخطف رهائن، واستخدام سلاح ناري. وكانت السفينة وعلى متنها طاقم من 20 أمريكيا، تعرضت لهجوم من 4 قراصنة، لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة عليها، وفروا على متن زورق مطاطي، خاطفين القبطان "ريتشارد فيليبس" الذي بقي رهينة لديهم 4 أيام. ونجحت البحرية الأمريكية في تحرير القبطان المختطف – البالغ من العمر 53 عاما - في عملية قتل خلالها 3 قراصنة، واستسلم الرابع "موسى" – الذي كان يدير المفاوضات - وألقي القبض عليه واقتيد إلى الولاياتالمتحدة. والد المتهم قال إن عمره 15 عاما، حيث ولد في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1993، إلا أن قاضي محكمة المنطقة الجنوبية لولاية "مانهاتن" "اندرو بيك" لم يقتنع بما ذكره والد "موسى"، معلنا أنه راشد وأن الحجج التي قدمها والده لا تتمتع بمصداقية. وفي حال إدانته، سيواجه القرصان الصومالي سيواجه عقوبة السجن مدى الحياة. ومن جهتها حاولت والدته "عادار عبد الرحمن حسن" – البالغة من العمر 40 عاما – إقناع المجتمع الدولي ببراءة "موسى" من تهمة القرصنة، مشيرة إلى اختفاء ابنها قبل أسبوعين من اعتقاله دون علمها بمكانه حتى علمت خبر تورطه في عملية اختطاف السفينة الأمريكية من الإذاعة. أم "موسى" تبيع الحليب في السوق المحلية، وتحصل على ما يكفيها لدفع 15 دولارا مقابل إيجار منزل - من غرفة واحدة لا يوجد به شبكة مياه - ومصاريف ابنها الدراسية – حسب ما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر في 27 أبريل/ نيسان 2009 - ووفقا للصحيفة، ولد "عبد الولي موسى" في قرية "بور يعقوب" وسط الصومال. وتؤكد والدته أن ابنها كان طفلا مطيعا، وكان يسلي نفسه بالغناء لإخوته الأصغر (ثلاثة أولاد وبنت) حتى يناموا. وعندما بلغ موسى السادسة من عمره، انفصل أبواه. يدعون أنهم حراس السواحل بينما قال صديقه "محمد أحمد شيبان" إن "موسى" كان طموحا جدا، ويحلم بالذهاب إلى الولاياتالمتحدة في يوم من الأيام. وأضاف أنه أثناء دروس الإنجليزية، وبسؤاله "من أي البلاد أنت؟" كان يجيب "أنا من أمريكا". لصوص أم حراس؟! ورغم أن القرصنة تعني السرقة أو الاستيلاء بطريق غير شرعي على ممتلكات الغير، إلا أن شباب الصومال برروا لجوءهم إلى القرصنة بحقهم في الحصول على مقابل من السفن الأجنبية المقتحمة لمياههم الإقليمية ونهب ثرواتها السمكية التي تضر حياة الصيادين الصوماليين في أرزاقهم، حتى أطلق القراصنة على أنفسهم اسم "حراس السواحل". ومارسوا القرصنة بتنظيم وتقسيم حسب قدراتهم، فهناك مجموعة من الصيادين العالمين بأسرار البحر، وأخرى من الميليشيات المسلحة (الجناح العسكري)، وثالثة من خبراء الكمبيوتر ووسائل الاتصال الحديثة المجيدين لعدد من اللغات، بحيث يستطيعون التفاوض مع مالكي السفن والحكومات التابعة لها. وبهذا حاول شباب إقليم "بونتلاند" الصومالي الذي ينتمي إليه معظم القراصنة من تحويل القرصنة من عصابات السطو إلى احتراف لمهنة لها هيكلها تدر الأموال الوفيرة عليهم – بصرف النظر عن مشروعيتها - وأصبحت فتيات الصومال يحلمن بالزواج من قرصان يوفر لهن الحياة الرغدة. بل وصل الأمر إلى حد إصدار فتوى صومالية تحلل القرصنة بوصفها دفاع عن ثروة البلاد المائية والسمكية، وأن على الغرب أن يدفع ثمن تلويث المياه الصومالية الإقليمية بالمواد السامة وعلى كل من يصطاد أسماك هذه المنطقة أن يردوا مقابل ما يحصلون عليه على حساب أهل المنطقة الأولى بهذه الثروة. وهكذا تجري محاولات "تبرير" جريمة بشعة باستصدار فتاوى!