حينما يبدأ الأطفال في نسج خيوط مستقبلهم "ببساطة" تتراءى لهم سماعة الطبيب ومعطفه، وخوذة المهندس، ورداء المحاماة الأسود، وعلى الرغم من صغر سنهم وقصر مداركهم، إلا أنه لا يمكن أن يخلطوا بين معطف الطبيب وخوذة المهندس، أو يطببوا المرضى برداء أسود. وبمفهوم الكبار قد يكون رداء المحاماة الأسود في المملكة شيئاً من الرفاة أو نوعاً من تقليد الغرب، ولعل ذلك على الأقل من جانب الرجل، لكن من جانب المرأة فإن لقب"محامية" يعد حلماً يصعب تحقيقه في ضل ضبابية الأنظمة وتضارب التصريحات كما نشرت جريدة " الرياض " السعودية. وفي توجه حكومي سبق أن منحت المملكة الفرصة للإناث للالتحاق بأقسام القانون، وذلك ضمن سعيها نحو الحداثة وتغيير البنى المجتمعية التقليدية، وبدأت تلك الأقسام فعلا بتخريج أولى دفعاتها التي اصطدمت بفرص العمل المحدودة في إطار ضيق، الأمر الذي دفع مجموعة من الخريجات إلى التسلح بما درسنه وإعداد دراسة قانونية تثبت حق المرأة في مزاولة مهنة المحاماة ورفعت للمقام السامي. ففي غرب المملكة احتفلت جامعة الملك عبدالعزيز العام الماضي بتخريج أولى دفعات قسم القانون، وبعد أشهر قليلة تم تخريج أولى دفعات جامعة الملك سعود، ومع قصر المدة فإن جولة سريعة على محرك البحث الشهير”GOOGEL” تبرز عناوينا تحتفل بأول محامية سعودية، وليس غريباً أن تجد أكثر من مواطنة تحمل هذا الشرف، فالتباشر بإذابة القيود حول هذه المهنة مع أهميتها للمرأة كإنسان ومع التغيير في السعودية كمرحلة دفع الكثير للبحث عن من كان لهن قصب السبق. وعلى الرغم من هذه الهالة الإعلامية إلا أن وراء العناوين ما وراءها، ففي المملكة ليس هناك"محامية" عُرفاً، وذلك بالإصرار على تغييبها شرعاً وقانوناً، فوزارة العدل لازالت تدرس السماح بمنح المواطنات رخص مزاولة مهنة المحاماة، علماً بأن الحظوة في هذا السبق هي لجيل ما قبل القانون السعودي من خريجات جامعات عربية وأجنبية. قصة نجاح لا تقف عند الشكليات رنا محمد القرني (24سنة) إحدى الاربعين طالبة اللاتي تخرجن من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة العام الماضي، وبعد بضعة أشهر من تخرجها توجت نجاحها في الحصول على حكم شرعي ب150 جلدة وثلاثة أشهر من السجن في حق زوج ضرب زوجته وعنفها ومنعها من الخروج أو العمل، وبكل ثقة قالت: "أنا مستشارة قانونية ولست محامية"، وبإجابات ذكية كاشفت "الرياض" عن ذكريات أول ممارسة فعلية لعملها في جمعية حماية الأسرة الخيرية بجدة، قبل أن تستقل في عملها بعد سنة وتحصل على قضاياها الخاصة. وفي سؤالنا عما إذا كانت محامية أم مستشارة قانونية، قالت:"انا مستشارة قانونية ولست محامية، صحيح أن كلا المسميين يتطلب الحصول على بكالوريوس أنظمة (قانون) وهذا ماحصلت عليه بالفعل، ولكن المحامية يفصل بينها وبين المستشارة القانونية الحصول على ترخيص محاماة من وزارة العدل، وبما أن الجهات المختصة في الدولة لم تسمح بإصدار رخص للنساء فأنا سأبقى مستشارة، مطالبة بمنحهن حقهن في مزاولة المهنة أسوة بزملائنا الرجال، مشيرة إلى أن مهنة "محامية" تشكل هاجساً مؤرقاً لخريجات قسم القانون، فالخريجة لا تحصل على شهادتها ودرجتها العلمية في مجالها إلا بعد جهد وتعب ومشقة فمن المؤسف بعد طوال سنوات الدراسة والتعب وسهر الليالي والحصول على هذا الدرجة العلمية أن تجد نفسها محامية مع وقف التنفيذ..!! وعن تجربتها في الترافع أمام المحاكم، قالت"اول يوم كان التوتر هو الغالب على محياي، ولكن والحمد لله الآن أصبح الوضع مريحاً جداً بالنسبة لي خصوصاً بعد النجاح الذي حققته، وتلاشى الخوف والقلق تدريجياً، مؤكدة على أن تلك اللحظة هي أهم لحظات حياتي والتي مضت برضى من القاضي وتقبل لشخصي ووجودي في مجلسه. العمل في واقع افتراضي من الجميل أن تبقى همم شبابنا وشاباتنا عالية ونشيطة دائماً، لا تعيقها "البيروقراطية" و لا"النظرة المجتمعية"، دارين المباركي (23 سنة) هي أيضا من خريجات الدفعة الأولى لقسم القانون في جامعة الملك عبدالعزيز، ولم تقف "الأنظمة المعطلة" في طريقها، بل استغلت دراستها وقامت مع مجموعة من زميلاتها بإعداد دراسة تثبت قانوناً وشرعاً أهمية عمل المرأة في المحاماة للدفاع عن حقوق موكليهن بعيداً عن فكرة المجتمع الخاطئة حول عمل المرأة السعودية في القضاء تبنتها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان و قدمت للمقام السامي، كما قامت بتأسيس موقع استشارات خيري على شبكة الإنترنت يهدف إلى تقديم الإستشارات القانونية. تقول المباركي "القناعة المبدئية التي تجلت تجاه هذا التخصص دفعتني لدراسته إيماناً مني بأهميته كعلم حقوقي يستوجب على كل إنسان الإلمام به بصرف النظر عن المستقبل الوظيفي"، مشيرة إلى أنها لم تنتظر فرصة العمل، وكافحت حتى تزيد معلوماتها وتوسع مداركها، فعلمت على إدارة مشروع خيري يهدف إلى تقديم الاستشارات مجاناً للمحتاجين وعلى وجه الخصوص ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الدخل المحدود، وأيضاً من باب زكاة العلم وتعليمه لمن لا يعلمه. بداية تنتظر الدعم من جانب آخر، وفي انتظار التخرج حاولت مجموعة من طالبات جامعة الملك سعود تمهيد الطريق عبر إنشاء مجالس وأندية تهدف إلى تعميم الثقافة الحقوقية، وفتح قنوات التواصل مع المكاتب الاستشارية ومكاتب المحاماة. هاجر المانع رئيسة اللجنة الإعلامية ل"نادي القانون" أشارت إلى أنه هناك تفاؤل كبير من الطالبات بإحتضانهن في سوق العمل تحت مسمى(باحثة قانونية) وإن كان هناك تخوف من عدم استحداث أقسام نسائية في الإدارات القانونية، أو منع الخريجة من الترافع أمام القضاء .