إذا كنت تفكر في شراء سيارة، وتود التعرف الى آراء من استخدموا النوع نفسه من قبلك، ادخل على مجموعة كذا في موقع «فايسبوك» مثلاً. وإذا كنت تشعر بالاختناق نفسياً وتكره حياتك، فجرب مجموعة كذا في موقع «توتير» مثلاً، إذ ربما تعطيك مخرجاً من مشكلاتك النفسية المتراكمة. هل لديك رغبة في أن تبدأ مشروعاً صغيراً، ولكنك لا تملك من الخبرة ما يلزم لتحقيق تلك الانطلاقة؟ إذاً، جرب موقع كذا على موقع «ماي سبايس» مثلاً. وهل تشعر بحنق تجاه أحداث سياسية معينة، وتخشى التعبير عن غضبك؟ انضم الى مجموعة كذا في موقع «ياهوو غروبس» وعبّر عن رأيك بحرية شبه مطلقة. تزخر الشبكة الدولية للكومبيوتر بمجموعات وجماعات لا أول لها ولا آخر. لوحة ضخمة أشبه بالفسيفساء، مكوناتها لا تبقى على حال بعينه. تتغير كل ساعة، وربما كل دقيقة. ناشطو الانترنت ومجموعاتهم لم تعد مسألة المجموعات الناشطة على الانترنت مجرد وسيلة لسد الفراغ في ساحة التعبير عن الرأي، ولا وسيلة سريعة ورخيصة لتقديم العون والمساعدة والمساندة، لكن صارت منظومة قائمة بذاتها تثير الجدل محلياً وعالمياً. فيليب رزق (وهو ناشط عنكبوتي وحقوقي مصري ألماني) عاش في غزة وعمل لبضع سنوات فيها وشارك أيضاً في عدد من الفعاليات في القاهرة من أجل التضامن مع أهالي غزة، وضمنها بعض التظاهرات الصغيرة، سرعان ما وجد نفسه في قبضة الأمن عقاباً له على التظاهر. بعد ساعات من اعتقاله كوّن وأصدقاؤه وزملاؤه وأساتذته وأسرته مجموعة على «فايس بوك» للمطالبة بالإفراج عنه. وصنعوا موقعاً رقمياً يحمل اسمه لمؤازرة الجهود الرامية للإطلاق سراحه. جذبت الجهود على الشبكة العنكبوتية الآلاف من الشبيبة، فصبّت برقيات التضامن من دول شتى للإفراج عن رزق. وبعد أربعة أيام من الاحتجاز والتحقيق وتوجيه التهم، أفرج عنه. وسرعان ما تحوّلت أنظار نُشطاء شبكة الانترنت العنكبوتية إلى مُدوّن مصري آخر اعتقل في اليوم ذاته ولأسباب مشابهة، مع ملاحظة أن لا شيء يربط بين الشابين سوى النشاطات السلمية الهادفة إلى رفع الحصار عن غزة. المُدوّن الآخر اسمه ضياء الدين جاد، وهو شاب لم يكمل تعليمه الثانوي، ويكتفي بالتدوين والتعبير عن آرائه السياسية المعارضة للنظام القائم. ولأنه ليس مزدوج الجنسية، وعلاقاته الدولية ليست متشعبة، فقد ظلت الحملات العنكبوتية المطالبة بالإفراج عنه محدودة. والمفارقة أن رزق أعرب عن رغبته في تحويل الاهتمام بقضيته إلى جاد وإلى قضية غزة وأهلها. لم يعد المصريون يستغربون هذا السجال المستمر. والأرجح أنهم شرعوا في التعوّد على مثل هذه التصرفات الأمنية مع المعارضين الإلكترونيين. ويرى البعض أن هذه الصورة تفتح الباب أمام منظومة أوسع وأشمل لا تقف عند حدود المعارضة الإلكترونية التي تبدو راهناً وكأنها المكوّن الأكثر بروزاً وظهوراً بسبب حساسيتها وإثارتها. وبنظرة استرجاعية، يلاحظ أن بزوغ ظاهرة التدوين على الساحة المصرية أعقبه شد وجذب بين السلطة والناشطين على الشبكة الالكترونية. وإبان حملة انتخابات الرئاسة المصرية، حينها، جذب المُدوّنون الرقميون، ومن بعدهم ناشطو «فايس بوك»، الكثير من الاهتمام الإعلامي و... الأمني. وفي ذروة الفرحة بهامش الحرية الكبير الذي أتاحته التقنيات الإلكترونية، وتوسيع دوائر الاتصال والمشاركة التي بدأت تنتقل إلى الشارع، توالت الضربات الأمنية الهادفة إلى توجيه «قرصات أذن» محددة هدفها التخويف وإعطاء العبرة لمن يعتبر. ويلاحظ أن هذه الحملات الأمنية حققت قدراً غير قليل من النجاح في تقليص الأدوار التي يلعبها نشطاء الانترنت سياسياً. وتالياً، فقد بدت وكأنها حقّقت الغرض المرجو منها والمتمثل، على الأرجح، في دفع كل من تسول له نفسه توجيه النقد اللاذع إلى رموز الدولة، أو من تسول له نفسه نقل المعارضة الرقمية إلى الشارع، إلى التفكير مرتين مسبقاً. لكن يخطئ من يعتقد أن الساحة العنكبوتية لم تسفر إلا حرية تعبير وانتقاداً وتظاهراً. فقد تغلغلت الإنترنت مصرياً في أدق تفاصيل الحياة اليومية ولامست قطاعات متنوعة في حياة المواطنين. ومن الأمثلة على ذلك، الدفاع عن مساكن معرضة للهدم، شراء كومبيوتر مستعمل، العثور على صديق أو صديقة لإفراغ الشحنات العاطفية، وتبادل وصفات الأكل والحلويات وغيرها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فوجئ سكان حي «إمبابة» الشعبي في الصيف الماضي بحديث عن قرب صدور قرار جمهوري يجري بموجبه نقل أرض «مطار إمبابة» إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، تمهيداً لخصخصتها ونقلها من الملكْ العام إلى الملكْ الخاص. وتأسست لجنة شعبية للدفاع عن أرض «مطارإمبابة»، ومهمتها منع بيع الأرض لرجال الأعمال، وحماية المواطنين الذين قد يتعرضون للطرد من منازلهم التي تقع ضمن إطار خطة التطوير، إضافة إلى رفض سياسة التجهيل والتعتيم التي تتبعها الحكومة في شأن هذا المشروع ما يثير الشكوك في وجود مصالح مجهولة. أُطلِقت جهود اللجنة وفعالياتها والإعلان عنها، وبالتالي أيضاً إعلام الحكومة بها عبر الإنترنت. وتحوّلت تلك الشبكة الى ساحة لناشطي اللجنة الشعبية. وبدا الأمر شبيهاً بحال حركات وجماعات عدة تتخذ من القوائم الطويلة من مشكلات المصريين نقطة انطلاق لنشاطها. فمثلاً، شهدت الانترنت ولادة مجموعات مثل «مواطنون ضد الفساد» و «مواطنون ضد الغلاء» و «مواطنون ضد الغباء» وغيرها، إضافة الى الجماعات الرقمية التي ترفع شعار التغيير. ولا يقتصر التغيير العنكبوتي على البعد السياسي، على رغم تقلص آماله في أعقاب حملات كرّ وفرّ متطاولة بين المُدوّنين الرقميين والأمن. وفي مثال لا يخلو من الطرافة، ظهرت مجموعة «حموات من أجل التغيير» على موقع "فايس بوك». وتُناقش المجموعة العلاقة بين الحماة وزوج الابنة وزوجة الابن، التي تتصف ملامحها بالكثير من الشدّ والجذب. وبحسب القائمين على أمر هذه المجموعة، فإن العلاقة بين تلك الأطراف العائلية «تتحكم فيها معطيات الصراع والسيطرة أكثر من أسس التعايش والتعاون»! وتحاول المجموعة أن تحرّر هذه العلاقة من الصور النمطية من خلال الحكايات الواقعية والقصص اليومية. وفي سياق مشابه، انطلقت مجموعات أخرى على «فايس بوك» مثل «عوانس من أجل التغيير»، التي تسعى القائمات عليه إلى «تغيير نظرة المجتمع السلبية تجاه الفتيات اللاتي لم يتزوجن على رغم تقدمهن في العمر»، بحسب نص يظهر في موقع تلك المجموعة. وبالطبع فإن العوانس لسن وحدهن اللاتي يعانين مشكلات نفسية واجتماعية يلجأن فيها إلى الدعابة لمناقشتها. فمثلاً هناك «موكوسو فايس بوك»، وهم مجموعة من الشباب ممن ولدوا بين عامي 1980 و1985 أطلقوا على أنفسهم اسم «الموكوسين» («تعساء الحظ»). ويعتبر هؤلاء أنفسهم تعساء لأنهم خرجوا إلى الحياة في السنوات التي شهدت قرارات حكومية «سيئة»، خصوصاً في مجال التعليم، ما أدى إلى تفاقم نسب العاطلين. وفي عيد الأضحى الماضي، أُسّست مجموعة «موكوسو فايس بوك»، التي أطلقت حملة بغرض شراء أضاحي العيد وتوزيعها على الفقراء تحت شعار «خروف لكل مطحون». ويؤكد واقع الحال على شبكة الانترنت أن أعمال الخير منتشرة انتشاراً كبيراً بين مستخدمي مواقع «الويب» المختلفة، شأنها في ذلك شأن الأعمال التي لا تندرج تحت بند الخير. وعلى سبيل المثال، ظهرت أيضاً الكثير من المجموعات التي تتبادل صوراً وروابط ذات طابع جنسي، إلا أن غالبيتها لا يمكن الاطلاع عليها إلا بالاشتراك ضمن المجموعة لأسباب واضحة. ولأسباب واضحة أيضاً، باتت الشبكة الإلكترونية العنكبوتية بديلاً من اللجوء إلى «بيوت الخبرة» للبحث عن مشورة. فمثلاً حين ينوي أحدهم شراء سيارة مستعملة، تعطيه الانترنت إمكان عرض موديل السيارة ومواصفاتها، وما هي إلا دقائق حتى يبادر كل من له خبرة سابقة بمثلها بعرض تجربته وشرح المميزات والعيوب. كذلك الحال بالنسبة إلى شراء أجهزة الكومبيوتر والمحمول وغيرهما. من جهة أخرى، ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة بيع وشراء العقارات من خلال مواقع مثل «فايس بوك» أو «يو تيوب»، وإن كانت المواقع ذات الطابع الاجتماعي تتيح فرصة التواصل الحي بين مجموعات من المستخدمين يجمع بينها نوع من التواؤم والتوافق الاجتماعي والمهني والاقتصادي، وهو ما يسهل عملية البيع والشراء. وإذا أضفنا إلى ذلك إمكان عرض صور وأفلام للعقار، تكون الصورة بالغة الوضوح، بالإضافة إلى إمكانية إجراء جدل ما قبل البيع عنكبوتياً. ويذكر أن المصريين شرعوا أخيراً في التأقلم مع أسلوب «مايكرو بلوغينغ» Microblogging، الذي يعني التدوين باستخدام نصوص صغيرة لا تزيد على 150 حرفاً، أو أنها تقتصر على صورة أو شريط فيديو قصير. ويسهّل هذا الأمر عملية تحديث المُدوّنات الرقمية والمواقع في أي مكان، وباستخدام تقنيات ووسائل بسيطة مثل الهاتف المحمول عبر الرسائل القصيرة. وبدأت هذه التقنية في الانتشار بين أعداد متزايدة من هواة التدوين الرقمي في مصر، وحتى هذه اللحظة، فإن غالبية استخدامات «المايكروبلوغينغ» تتراوح بين إنهاء الأعمال الآنية، وإبلاغ آخرين ب «قرب مداهمة بيوتهم بغرض اعتقالهم».