يتوافد الأمريكيون منذ عدة أسابيع بالآلاف لمشاهدة قالب مطبوع به باطن يد أبراهام لنكولن في متحف التاريخ الأمريكي بواشنطن. إنهم يقفون في حالة من التأمل أمام مقتنياته: بزته البسيطة التي لم يكن يخلعها إلا قليلا، ويتنهدون أمام نقاط الدم التي وقعت على سوار قميص الممثلة التي هرعت لإنقاذه يوم قتله في مسرح فورد يوم 14 أبريل 1865. كما تلتهب مشاعرهم عند سماع أشعاره الآسرة التي كان يرصع بها خطبه السياسية. في المتحف يشاهد الرواد أيضا رفات جمجمته والكتاب المقدس المزخرف باللون الأحمر والذي حلف اليمين عليه الرئيس الحالي باراك أوباما. يقول جون أحد الزائرين للمتحف:" إنه أعظم رؤسائنا، بدونه ما كانت توحدت أمريكا ولا كانت أصبحت أرضا للحرية، فهو الذي ألحق الهزيمة بالجنوب وألغى الرق". بالنسبة لأمريكا التي تحتفل بالمئوية الثانية لميلاده، "آبي" كما يطلقون عليه ليس مجرد شخصية من الماضي، إنه بطل للقرن الحادي والعشرين. عبقرية سياسية استثنائية لا تزال تفتن المجتمع الحالي. من المستحيل الفكاك من جاذبية هذا الرجل بقامته التي ترتفع 1.93 مترا، وعينيه الخضراوين النابضين بالذكاء والحزن. إنه يكتسح الآن للصفحات الأولى من الجرائد و المكتبات التي تنشر عنه كل عام كتبا جديدة تضاف إلى حصيلة 10.000 كتاب ألفت عنه منذ 1860. يقول سيناتور إلينوي ديك دربن :" كل أسبوع يصدر كتاب جديد عن لنكولن لقد نشر عنه أكثر مما نشر عن كافة الرؤساء مجتمعين وأي شخصية تاريخية أخرى باستثناء المسيح". لقد تم تنظيم خمسين معرضا عبر البلاد، وتم طبع أربع قطع نقود جديدة تحمل صورته. كما تم تخصيص 25 مليون دولار لتجديد مسرح فورد الذي شهد مقتله. قبل مائتي عام ولد لنكولن في كوخ بولاية كنتاكي حيث نشأ في ظل فقر مدقع ثم استطاع أن ينتزع نفسه من البؤس ليضطلع بالمصير الذي كتب له. لقد صنع نفسه بيده حيث نشأ وسط بيئة من الجاهلين، لكنه عكف على القراءة وعلى دراسة القانون بإرادة حديدية وقرأ بنهم كتب شكسبير وبيرون فأصبع الخطيب المفوه.