قيل في المثل العربي الشهير «المرأة بشارب الرجل» وهنا تدخل النخوة في النفوس والشهامة والرجولة في أعلى تجلياتها الإنسانية، فالرجل هو حامي المرأة الضعيفة وملاذها الآمن والذائد عن شرفها وهو الموصوف ب«شارب يقف عليه النسر» للدلالة على كثافته وقوته. بين شوارب أدولف هتلر المربعة وشوارب سلفادور دالي المحلقة كأجنحة ثمة مقاسات هندسية ليست صعبة في الأحوال كلها؛ فالشوارب الهتلرية تقاس بالإبهام كالبصمة، بينما الشوارب السلفادورية تحتاج إلى أن تفتح ذراعيك وتحلّق معها! وبين البصمة والأجنحة المفتوحة ثمة حياة طويلة مرت، فشوارب البصمة أغرقت العالم بالموت والدم، لكن شوارب الأجنحة أغرقت العالم بالخيال والجمال والفنتازيا. الشوارب للرجل وللمرأة بياض الشفة. ولكل دوره في الحياة. غير أنهما بالنتيجة يلتقيان ليؤسسا نظام المجتمع ويسهما في ولادة الأجيال في لعبة الشوارب الباسلة وبياض الشفاه الرقيقة! للرجل دالّته الشواربية التي كانت تعتبرها العرب ميزة رجولية وفخامة شخصية لحاملها ومشهد فخر لا نظير له. لذلك يندر أن تجد رجلاً خاصة في الريف والصحراء يحلق شواربه دون أن يكون موضع تندر وتهكم بين العامّة من القبيلة والعشيرة؛ لذا فإن هذه الميزة اكتسبت مع الأعراف والتقاليد شخصية يُنظر إليها بوصفها رمزاً رجولياً فخماً، بل صارت سمة حامل الشوارب الكثة أكثر تميزاً بين الناس. ومن يقسم بشواربه فهو في موضع الصدق وعليه أن ينفذ وعوده مهما كانت، فالقسم بالشوارب دونه قسم عند أهل الريف والبادية؛ ومن يتعمد السخرية من شوارب الرجال لا تنفع معه إلا إراقة الدماء! وهذا عُرف موروث وثقافة اجتماعية تعاقبت عليها أجيالٌ من الرجال وحتى مع تطور الأزمان وشيوع محلات التجميل والحلاقة الحديثة فإن الشوارب لا تزال مهيبة يُنظر إليها بتقدير، مع اختلاف المجتمعات واحتدام الحياة بكل ما هو شائك ومعقد. نخوة الشوارب ثقافة الشوارب تحددها قوانين اجتماعية غير منظورة سُنّت بالتوارث والمشافهة ورسوخ التقاليد والنظرة الدينية النابعة من قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (حفوا شواربكم وأكرموا اللحى) ولا نريد أن ندخل في اجتهادات علماء الدين في كيفية التفسير الفقهي واللغوي لهذه المقولة، إلا أن من المؤكد أن العرب والمسلمين اعتبروا شوارب الرجل رمزاً للرجولة والفخامة، وهي نظرة طبيعية لهذا المعنى المباشر. فالمرأة؛ ربما حتى الآن؛ تميل غريزياً إلى الرجل (المشورب) وهذه الغريزة محتمة لتحقق رغبتها المعنوية في أنها تزوجت (رجلاً) فالشفاه الرجولية الملساء لا تثير أغلب النساء مهما كان الرجل وسيماً وجميلاً؛ وهنا تدخل الغريزة الثقافية الاجتماعية في اختيار النوع الرجولي الذي يتضامن مع المرأة لتحقيق البقاء الحياتي عبر الإنجاب والتناسل. أي أن المرأة عندما تبحث عن نصفها الثاني ينبغي أن يكون هذا النصف متكاملاً ولو من الناحية الشكلية، والرجل هنا لا يكتمل إلا بوجود شوارب تفصح عن رجولته وهيبته ومكانته في الوسط الاجتماعي الذي يتواجد فيه. لذلك قيل في المثل العربي الشهير (المرأة بشارب الرجل) وهنا تدخل النخوة في النفوس والشهامة والرجولة في أعلى تجلياتها الإنسانية، فالرجل هو حامي المرأة الضعيفة وملاذها الآمن والذائد عن شرفها وهو الموصوف ب«شارب يقف عليه النسر» للدلالة على كثافته وقوته. سياسة الشوارب النخوة والشيمة من صفات العربي على مر الأزمان مدينياً كان أم قروياً، لذا يتقصد بعض الساسة العرب في خطاباتهم أن يثيروا حماسة الرجال في الباب السياسي عبر «الشوارب» ولعل مقولة صدام حسين عام 2002 (إشوكت تهتز الشوارب؟) أي متى تهتز شوارب الرجال غيظاً مما يحصل في فلسطين، من المقولات التي تلقفها الكثيرون في البلدان العربية. منهم من يرددها تضامناً مع الشعب الفلسطيني وتنكيلاً بالساسة الساكتين عما يجري في الأراضي المحتلة، ومنهم من جعلها نكتة يومية لطرائف اجتماعية صغيرة كما فعل العراقيون وقتها وما زالوا حتى الآن يرددونها بتندر. لهذا أن مقام الشوارب لدى الرجال له الأولوية في إثارة شيمة الرجل ومروءته ونخوته في اتخاذ موقف صريح مما يجري في ساحته الاجتماعية والسياسية والإنسانية بشكلها العمومي.فالعربي على وجه الخصوص متمسك بتقاليد القبيلة والعشيرة والقرية حتى وإن اجتذبته المدينة بأضوائها وتحضرها، لكنه يبقى وثيق الصلة بمحتوياته النفسية والأخلاقية التي نشأ عليها في ربوع القرية والريف، وإذا وعد نفّذ وهو الذي يقسم ويقول (ألزملك شاربي) أي أمسك شواربي وهذا تعهد منه لا يقبل الدحض والجدل، لأنه سيفي بوعده ويبر به حتماً، فقدسية القسم هنا تأتي من شأن الشوارب ذاتها كثقافة اجتماعية عالية المستوى توالدت في أعطافها أجيال تناوبت على الحفاظ على هذه الهيبة الشكلية وهي تخفي وراءها رموزاً رجولية لا نشك لحظة بقيمتها الاعتبارية. فن الشوارب عندما نتحدث عن الجانب الجمالي الطبيعي في شوارب الرجل يتوجب ان نتوقف عند «فن» الشوارب بوصفها مظهراً جمالياً خارجياً للرجل، فإذا كان البعض يتجمل بشواربه وهي تنمو بشكلها الطبيعي فإن العصر الحاضر وبسبب إمكانيات التجميل الحديثة واكتشاف بعض الزيوت الخاصة للشعر طوّرت من إمكانية «تطويل» الشوارب إلى حد بعيد وباتت مظهراً احتفالياً أكثر من كونها مظهراً طبيعياً يُغني غرور الرجل، فقد تحولت الشوارب من وضعها الطبيعي المألوف إلى وضع «صناعي» آخر تدخلت فيه وسائل الإعلام ومجلات الماكياج والحلاقة وبعض المنتديات وموسوعة غينيس للأرقام وما إلى ذلك، وحولتها من ظاهرة جمالية طبيعية إلى ظاهرة إعلامية يتبارى فيها ذوو الشوارب الطويلة التي تصل إلى حد القرف والاشمئزاز. وافتقدت الشوارب بهجة حضورها الاجتماعي في بعض المجتمعات؛ وبعضها غير عربي؛ ركوباً لموجات وفرقعات إعلامية لا تغني ولا تسمن بالنتيجة. وكأنما ذهب «تدسيم» الشوارب للضيف الذي يحل في البادية والقرية ولا تسمح له القبيلة بمبارحتها حتى «يدسّم» شواربه بما يذبحونه له من ذبائح؛ وكأنما ثمة قصدية لنسيان «طوال الشوارب» من الأعمام والأخوال الذين تتباهى المرأة بهم كونهم ليسوا من شجرة مقطوعة، فطوال الشوارب هم القبيلة والعشيرة في البادية والريف والقرية من الأهل والأقارب والأعمام. ولا نؤاخذ الزمن الجديد بتحولاته الاجتماعية كثيراً، لكن الرجل (ينلزم من شاربه) كما تقول أمثال البادية والقرى والأرياف فهل بقي هذا الرجل حتى في عصر العولمة ؟ أنواع الشوارب هناك شوارب كثة وأخرى خيطية أو خفيفة وغيرها مبرومة وملفوفة. معقولة لحجمها الملائم لهندسة الوجه وغير معقولة لنشازها في علامات الوجه الصغير وهي تسترسل حتى تبلغ مقاييس مدهشة. ثمة مَن يقلّد الشوارب الهتلرية ذات البصمة الصغيرة وهم قلّة في المجتمعات عموماً وثمة من يقلد شوارب الممثل الستيني كلارك غيبل وهناك من يرى في شوارب شارلي شابلن أنموذجاً طريفاً في التشكيل؛ وفي العراق اشتهرت شوارب ستينية أسموها «طيران» وهي المعقوفة إلى الأعلى وكأنها مهيأة للإقلاع! وتنقسم الشوارب عالمياً إلى الطبيعي، والإنجليزي، وسلفادور دالي، والهنغاري، والإمبراطوري والستاليني، بينما كشف لنا العصر الحديث شوارب مهولة في الطول والعرض والارتفاع حتى تصل إلى عدد من الأمتار كما هو الحال مع الهندي بادامسن جرجار من مدينة أحمد آباد هو صاحب الرقم القياسي لأطول شارب في العالم، بلغ طول شاربه 381 سنتمتراً. جرجار لم يقص شاربه لأكثر من 22 عاماً وحتى الآن! كانت شوارب الملك فؤاد مدببة ومرفوعة إلى أعلى واشتهر سعد زغلول بكثافة شواربه وفي الخمسينات المصرية تخصص أحد الحلاقين بتسوية الشوارب بطريقة «كوزماتيك» ولها وسائل ومواد تجميلية خاصة أيضا في تدريب الشوارب ورفعها إلى أعلى. تدسيم الشوارب في زمن عز الشوارب كما يقول أحدهم كان أجدادنا يقومون بتدسيم شواربهم بالشحوم، وإذا كان فقيرا ولا يستطيع شراء اللحم كي يستخدم الشحوم التي فيه لتزييت شاربه فإنه يقترض من صديقه الغني شحمة صغيرة يلمع بها شاربيه قبل الذهاب إلى مضيف شيخ العشيرة وهناك سيراه الحاضرون بشوارب لامعة فيشعرون أن صاحبها أكل لحما!