الأهرام: 1/1/2009 لاشيء.. ولاحتي دواعي التمسح بحسن الحظ و الرغبة في التعلق بأي أمل بحكم العادة في بداية عام جديد.. لاشيء يمكن أن يغير الأمور ويجعلك متفائلا بأي صورة في2009, بعد سنة كبيسة كتلك التي انتهت لتوها باختبار صعب لمصرعلي حدودها الشرقية,وبغمة عربية جديدة, ومحنة اقليمية حقيقية, وحروب كلام غير مفيد, وانقسام مخيف, ومذبحة أخري تنضم إلي السجل الطويل, وضحايا بالآلاف, وسلام أوهام قتيل لا يريد أحد أن يشيعه إلي مثواه, ثم اتهامات طائرة في الهواء بلا تدقيق, ورسائل موجهة الي العناوين الخطأ, وحرائق غضب حزين تكتفي بالغضب ولوعة قليلة الحيلة ومظاهرات تسد عين الشمس في مصر والأراضي المحتلة والمنطقة بأسرها التي صعقها اعصارالانتقام والوحشية والارهاب الاسرائيلي في غزة, والذي عري بقسوة ثقوب الواقع العربي و الخلل الفادح في موازين القوي, ووضع أسوأ نهاية لعام سييء. الصورة إذن واضحة ولا تسر الحبيب و انما تسر العدو بالتأكيد الي الحد الذي يجب معه ألا يتعب أحد نفسه في أي تنبوءات أو اجتهادات لتصور سيناريوهات المستقبل, أو محاولة التكهن بما سيجري في.2009 والأسوأ أن2008 ستظل علي ما يبدو باقية معنا حتي اشعار آخر بتركتها الصعبة وملفاتها المعلقة هنا في مصر والعالم علي اتساعه, بما في ذلك مصير' سلام القنابل'... وتداعيات كابوس الأزمة المالية العالمية التي لا تريد أن تنحسر بسرعة.. ومعها عشرات الرهانات المعلقة في رقبة أوباما رئيس أمريكا الجديد بأساس أو بغير أساس... ثم الأسئلة الكبري حول تحديات المكان والمكانة وتبعات الدور التي ستظل تفرض نفسها علي مصر بلا انقطاع في2009, بحكم القدر والاختيار, وهي تحاول أن تفك اشتباكات العلاقة المعقدة مع اسرائيل ومع ايران ومع سوريا وحماس.. إلي آخر القائمة التي يجب ألا تتناقض مع مهمتها الأهم في توفير كل ما يمكن اتاحته من مقومات السعادة التي يستحقها أبناؤها. باختصار: فإن الحال بدا في2008 في كل شهوره وكأنه استحضار لروح أعوام سابقة قاسية.. بنفس أسباب الفرح و الأسي ونفس الهزائم الكثيرة والانتصارات القليلة للعرب وباقي الشعوب المغلوبة علي أمرها. ثم نفس القصص المكررة للتعاسة غير المبررة سواء كنت تتحدث عن عنف بشر ضد بشر وطبيعة ضد أوطان.. أو عن معارك إرادات عبثية( روسيا في مواجهة جورجيا مثلا), أو عن صراعات سلطة وخلافات قبلية مجنونة تنتهي بمجازر ونزوح إجباري كما حدث في كينيا والكونغو وجزر القمر. وفي مصر تحديدا كان هناك برغم تحفظات عديدة سقف أعلي للحرية يجعلك تفهم أكثر لماذا كانت هناك فورات استياء, ومشاعرخيبة أمل في اصلاح لا يتحرك في الاتجاه وبالايقاع اللذين يريدهما الكثيرون, وفي وزارات ومسئولين يكررون أخطاءهم في كل مناسبة, وفي معارضةلاتعرف من الألوان إلا الأسود, وفي أحزاب غارقة في صراعاتها, وفي صحف مشغولة عن مهمتها الأصلية بممارسات غير مهنية و صغائر لا تليق بها. ومثلما كانت هناك لحظات فرح خاطفة و استثنائية أسعدت الملايين في ليلة انتصار أوباما أو يوم طار الحذاء الشهير في وجه جورج بوش, أو أسابيع الدورة الأولمبية المبهرة في بكين( والتي عدنا منها بميدالية يتيمة و فضيحة رياضية مرت بلا حساب جاد وكأنها تلخيص لأدائنا في اغلب الأحوال), مرت علينا ومضات سعادة عابرة مع انتصار كروي لمصر مرة أو أثنتين.. وكانت هناك في المقابل ساعات ألم و دموع بلا عدد بعد كارثة الدويقة التي سجلت الدفن الثاني لضحايا كانوا مدفونين بالحياة أصلا, وبعد انفجارات مومباي التي أثبتت أن الإرهاب لم يختف- بعد- من العالم مهما كانت الأمنيات والاستعدادات لمحاربته.. إلي الدرجة التي تجعلك تقتنع بأن البشر سيبقون هم البشر بنفس عيوبهم وضعفهم وأخطائهم. 2008 كان ذلك كله وأكثر, وحتي بعد أن أضيفت إلي عمره ثانية استثنائية الليلة الماضية في آخر دقيقة منه( لكي يضمن العالم دقة التوقيت ويعوض أي خلل في دوران الأرض), فإنه لم يستطع حسم تطورات سياسة و اقتصاد و مضاعفات اجتماعية ومعاناة لم تزل تبحث عن نهاية. وربما يكون2009 فرصة اضافية لاختبار مواقف أطراف كثيرة في انتخابات حاسمة منتظرة في فلسطين ولبنان واسرائيل وايران ولأن يعرف الجميع كيف ستنتهي الفصول غير المكتملة لعام شهد في العالم العربي نفس خطوط التقسيم بين معسكرات الثوار والمعتدلين والموالاة والمعارضة.. ونفس فوضي التنافس علي الريادة والقيادة, وتابع بالتوازي مفاجآت التقلب غير المسبوق في أسعار البترول صعودا وهبوطا ليؤكد خلاصة الحكمة القديمة: ما طار طير وارتفع.. وليضاعف الضغوط في الشهور المقبلة علي ميزانيات وطموحات دول النفط. 2008 كان علي سبيل التغيير عام خيبة الرأسمالية ومعها تنبه الجميع و لو متأخرا إلي أن النموذج الغربي لاقتصاد السوق ليس معصوما وأن دور الدولة يجب ألا يلغي لا هناك في الغرب ولا هنا من باب أولي. وسنكتشف سريعا في2009 ما إذا كانت الدول الكبري وباقي العالم قد نجحت في تعلم الدرس والنجاة من العاصفة والأهم أن العام الجديد سيعطي المصريين الفرصة لأن يحكموا علي مهارة حكومتهم في أن تجد الفرصة في قلب الأزمة كما وعدتهم و سيقدم لهم بالمرة لمحة اضافية لوجه العولمة السيئ ولضريبة فتح النوافذ التي تسمح بدخول نسمات الهواء لكنها لا تستطيع أن تمنع الزوابع! وبالقدر نفسه كان2008 عام القتال بلا جدوي في أفغانستان.. وكان كذلك عام الحرب الروسية الجورجية مرة أخري التي أكدت بها موسكو أنها لا تزال صاحبة الكلمة الأخيرة في فنائها الخلفي القديم. ثم إنه كان عام القراصنة الذين كان بينهم من اختطف سفنا أمام سواحل الصومال أو انتزع شرعية حكم و قصور رئاسة وبلدا بأكمله في موريتانيا, وبعدها غينيا قبل أيام من انتهاء العام( وكلها وقائع جرت بالمصادفة في أفريقيا المنكوبة بحظها وبعض أبنائها). في مصر2008 أيضا كانت هناك أسباب أخري لعدم الرضا غير غزة وحصارها. وفي مناسبات بلا حصر خرج متظاهرون للاعتراض علي الأسعار أو علي عنف الأساتذة أو زحام طوابير الخبز أو المطالبة بكادر جديد أو حتي لإدانة أمريكا و تحيزها. وكان هناك من احتج بالميكروفونات واللافتات علي سلم نقابة الصحفيين أو دون تحفظاته علي جدران الفيس بوك أو استخدم الطوب والاطارات المحترقة كما فعل العشرات من العاطلين واليائسين في غمرة مظاهرات عمال المحلة في ابريل الماضي. وكما كان2008 هو عام الجدل حول غواية المال وتقاطعات البيزنس والسياسة, والعنف المفرط في الجريمة المصرية ومواصفات حقيبة الاسعاف في قانون المرور الجديد, فإنه فتح الباب لمناقشات في كل اتجاه حول العلاوة الاجتماعية التي طارت في الاسبوع نفسه, وحول تغير النظرة إلي صورة المدرسين و ضباط الشرطة ورجال الأعمال الذين كان بينهم من فقد أعصابه و قررأن يأخذ حقه بيده أو عصاه أو حتي مسدسه!. ثم إن العام لم ينته إلا وقد أضاف إلي سجله الحافل مزيدا من المفارقات التي كان أكثرها اثارة للتأمل ظواهر انفلات في الشارع و تحرش جماعي وتراجع أخلاق و غياب نخوة, دخل بفضلها إلي القاموس المصري لأول مرة تعبير' تبادل الزوجات'. وبالمثل فقد وضعت واقعة تسريب امتحانات الثانوية العامة كثيرا من الآباء والأمهات في مواجهة اختبار أخلاقي كان عليهم أن يشتروا فيه نجاح أبنائهم فيلقنونهم الدرس الخطأ أو يخاطروا بتقليل فرصهم إذا قاوموا الإغراء. غير أن الاختبار الآخر الأكثر أهمية المطروح أمام مصر هو ما إذا كانت الإجابة في مثل هذا الوقت بعد12 شهرا ستكون بنعم علي السؤال الأصعب: هل سيكون المصريون في نهاية2009 أقل احتجاجا و أكثر رضا, وأقل عنفا وأكثر تكاتفا, وأقل فهلوة وأكثر فعلا.. وأقل تشككا و تراجعا وأكثرمبالاة وسماحة ونجاحا وتفاؤلا.. مهما كانت السنة سيئة وقاسية وعصيبة... كل عام وأنتم..!