المختلف والمؤتلف التكتيك الحكومي حسابات الربح والخسارة بعد اسبوعين عاصفين اهتزت خلالهما اركان الحياة السياسية في الكويت، وتخلخل خلالهما بنيان معادلات العملية السياسية في البلاد. خمد بركان الاستجواب الناري الذي لوح النائب احمد المليفي بتقديمه الى رئيس الحكومة، استنادا الى عدد من المحاور التي تبناها النائب المليفي وكانت عنوان حملته. الزلزال السياسي الذي كاد ان يتم اثر هذا التلويح تضافرت عدة عناصر لإجهاضه ومنع تطوره الى استجواب، لا سيما مع حالة الهيجان التي توالدت في اوساط النواب جراء الخوف من ان يؤدي مضي المليفي في استجوابه الى حالة من الاصطدام السياسي العنيف التي ستؤدي لا محالة الى حل مجلس الامة، والعودة الى كابوس الحملات الانتخابية وصداع المنافسة الانتخابية من جديد. هذا القلق الذي ظهر بين النواب من شبح «الحل» ولّد حالة من ردود الفعل المباشرة تجاه الاستجواب ومقدمه تم التعبير عنها في العديد من التصريحات الرافضة للاستجواب والمنتقدة لمقدمه بسبب التوقيت، وصولا الى التشكيك في نواياه واهدافه. المختلف والمؤتلف صحيح ان العديد من الاستجوابات السابقة وجدت معارضين لها من عدة كتل برلمانية ومن بعض التيارات السياسية، لكن الامر هذه المرة اختلف عن السابق، فزيادة على الاختلاف في شخصية رئيس الوزراء وهو من الحالات النادرة، فان وجه الاختلاف في هذه الحالة يتمثل في اتجاه الرفض شبه الجماعي للاستجواب، سواء من قبل المستقلين او من قبل الكتل السياسية داخل البرلمان. فبالاضافة الى النواب المستقلين، الذين كانوا في غالب الاحيان في الاتجاه المعارض للاستجوابات، سجل نواب السلف والحركة الدستورية رفضهم الصريح للاستجواب، وحذا حذوهم النواب السابقون في كتلة العمل الوطني، ومثلهم كان النواب الشيعة. وحتى كتلة العمل الشعبي المؤيد الدائم والفوري لمعظم الاستجوابات النيابية، فقد اصدرت بيانا توحي مفرداته وبمقارنته مع مواقف الشعبي السابقة ان عنوانه الرفض للاستجواب. التكتيك الحكومي استند التكتيك الحكومي في التحرك المضاد للاستجواب على جملة من المعطيات: اولها، اليقين المطلق بوصول الاستجواب الى حائط مسدود والثقة المطلقة بتوقف الاستجواب عند مرحلة معينة، ولدى مستوى معين لا يمكن تجاوزه، وهذا الرهان الحكومي استند على الغطاء الحمائي الذي وفره صانع القرار لشخص رئيس الحكومة عبر ربط تقديم الاستجواب بحل المجلس. وهو الربط الذي بدا حاسما في ميل كفة الميزان لمصلحة رئيس الحكومة، وبالتالي لفقد الاستجواب قوة الدفع اللازمة لاستمراره. ثانيها، ان التحرك الحكومي، اعتمد على امتصاص كتلة الاستجواب بمعالجة محاوره على الطريقة الحكومية ووفق نظرتها وعبر هيئاتها. فتم التعامل مع محور التجنيس الذي فجره المليفي بسحب الجنسية الكويتية من بعض الحالات التي ثبت انها حصلت عليها من دون وجه حق. اضافة الى تشكيل لجنة «حكومية» لدراسة تقرير ديوان المحاسبة حول مصروفات ديوان رئيس الوزراء. والمعطى الثالث والاخير هو ان التصرف الحكومي في محاصرة الاستجواب استفاد من جو الثقة الذي وفره الربط «الاوتوماتيكي» بين الحل وتقديم الاستجواب. فسعى الى اتاحة الفرصة الوساطات النيابية لتوفير تراجع مشرف للنائب المليفي. للتراجع عن تقديم الاستجواب. وقدمت له مجموعة من المواقف التي يستطيع تسويقها لتبرير تراجعه ووفرت له «هيكل انجاز» يمكن للنائب المليفي تقديمه الى قواعده الشعبية على انه «انجاز فعلي». حسابات الربح والخسارة وبالمحصلة، فان نتيجة «حالة الاستجواب» ووفق الحسابات السياسية، فقد حصل المليفي على نصف خبزة، وهي افضل من لا شيء. فقد كان المليفي معرضا لان يحصل على لا شيء كمقابل كان ينتظره لو انه استمر في الاستجواب. رئيس الحكومة بدوره، جنى عدة نقاط من هذه «الحالة»، اهمها: انه اغلق، ولو بشكل مؤقت، مشاغبات المليفي التي استهدفته منذ نهاية المجلس السابق.واغلق بشكل يكاد يكون نهائيا فكرة التفكير باستجواب آخر يستهدفه. الاستفادة الاخرى لرئيس الحكومة هي ان هذا الاستجواب الموعود كانت مناسبة لصانع القرار لتوصيل رسالة واضحة ومعلنة وصريحة مفادها: ان تقديم استجواب لرئيس الحكومة يعني حل مجلس الامة. وهذه الرسالة بمنزلة غطاء حماية له في المرحلة المقبلة. استفادة اخيرة لرئيس الحكومة من هذا الاستجواب، وهي ان هذه المناورة سمحت لناصر المحمد ان يختبر تحالفاته وان يمتحن حلفاءه؟