في سابقة قضائية من نوعها اضطرت احدى العائلات بصفاقس في اليومين الأخيرين الى مقاضاة بلدية المكان التي أصرت على دفن امرأة وافاها الأجل المحتوم في شهر الصيام هذا بمقبرة الأجانب المخصصة لغير المسلمين والمسلمات. إصرار بلدية صفاقس على دفن المرأة المسلمة بمقبرة غير إسلامية أثار جدلا دينيا وقانونيا واسعا بمدينة صفاقس التي اهتزّت للخبر وحوّلته الى حديث المقاهي والمساجد بكثير من التهويل وتقديم الفتاوى مستبقة بذلك موعد الجلسة الاستعجالية المحددة لبعد غد الاثنين الموافق ليوم 15 سبتمبر الجاري. أصل الحكاية في هذه السابقة القضائية والفقهية يعود الى حالة وفاة عادية تم تسجيلها يوم 6 من الشهر الجاري، وعلى إثر الوفاة وكما معمول به في مثل حالة الموت، تقدمت عائلة الفقيدة الى بلدية صفاقس للقيام بإجراءات الدفن واستلام رخصة في الدفن لكن قسم الوفيات بالبلدية أصرّ على توجيه جثة الهالكة الى مقبرة الأجانب باعتبار ان لقب المرأة التي وافاها الأجل المحتوم في شهر الرحمة ليس عربيا خلافا لإسمها الذي هو عربي. وحتى نفهم الموضوع جليا نشير الى ان المتوفاة تونسية الاصل وهي مولودة بصفاقس سنة1918 من أب وأم مسيحيين، لكن في سنة 1955 شرح الله صدر الفتاة للاسلام فاعتنقت ديانة محمد صلى الله عليه وسلّم على يد مفتي صفاقس الشيخ محمد المهيري وهو ما تم تثبيته بعقد قرانها المؤرخ في 14 جويلية 1980 والذي يذكر صراحة ان المرأة أصبحت تدعى آسية واعتنقت الاسلام. المسلمة آسية تزوجت من تونسي مسلم وفق عقود النكاح الشرعية وما تشترطه من شهود وقبول وإيجاب ومهر وإشهار الى غير ذلك لكن المسلمة زوجة المسلم وجدت نفسها بعد وفاتها تعود الى المسيحية بدفنها في مقبرة الأجانب رغم أنف ورثتها الذين يؤكدون ويصرون على ان المتوفاة مسلمة وليست نصرانية. زوج المتوفاة وبقية الورثة تقدّموا بقضية استعجالية في الغرض مطالبين بنقل جثة المرأة من مقبرة الأجانب بطريق قابسبصفاقس ودفنها بأحد مقابر المسلمين بالمدينة، وفي انتظار قرار المحكمة الصائب نشير الى انه لا يجوز شرعا دفن مسلم مع غير مسلم ولا غير مسلم مع مسلم، لأن العمل قد جرى على ذلك من زمان رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيث كان للمسلمين مقبرتهم ولغير المسلمين مقبرتهم ولزيارة مقبرة المسلمين آدابها من الدعاء لهم والسلام عليهم حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم انه كان يقول لما يمر بمقبرة: «السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون». والثابت شرعا كذلك انه اذا دفن غير المسلم في مقابر المسلمين فإن الواجب نبشه ورده الى مقبرة أهل ملته إن أمكن ذلك بغير مفسدة، وكذلك الحال في المسلم الذي دفن بين قوم غير مسلمين، لأن نبش القبر جائز إذا وجد السبب الموجب او المبيح لذلك وهو ما يطالب به لسان الدفاع في هذه القضية التي تنظر فيها محكمة صفاقس بعد غد الاثنين.