الأهرام:12/9/2008 كلنا نتحدث عن حب الوطن, ولكن مفهوم الحب يختلف بقدر اختلاف فهمنا لمعني الوطن, الذي هو أكبر وأبقي من أي عرض زائل في هذه الدنيا! وإذا كان البعض يتصور أن حب الوطن يتمثل في ترديد الأغاني الوطنية, ورفع الشعارات الرنانة فهو خاطئ بمثل ما يخطئ الذين يعتقدون أن حب الوطن يتمثل في نشر أجواء اليأس والاحباط بدعوي حق النقد, والمراجعة. إن الحب الحقيقي للوطن يقاس فقط بقدر العمل, والعطاء, ولعلنا نتذكر جميعا كيف كانت مشاعرنا بالحب في أوج عظمتها يوم السادس من أكتوبر عام1973, إبان ملحمة العبور.. وقبل ذلك بسنوات بلغت عواطفنا المتأججة درجة الذروة ونحن نتصدي للعدوان الثلاثي عام1956, ونعلن تصميمنا علي بناء السد العالي الذي بنيناه بالفعل بعد ملحمة رائعة للحب والعطاء. والحقيقة أن قدرتنا علي إثبات حبنا للوطن في فترات الشدة, والتحدي فقط لا يعتبر كافيا بمقاييس الحب المعروفة, فالحب لا يعرف أوقات الشدة فقط.. ولكن الحب الحقيقي هو الحب المتصل بالعطاء ليل نهار والذي يتجدد صباح مساء, ولا يعرف توقفا أو انقطاعا!. إننا في مصر نعيش فوق أرض وطن يملك كل مقومات الاندفاع إلي حبه والتفاني في الإخلاص له, فقد حبانا الله واديا سهلا ومنبسطا يشقه نهر عظيم ليس له في الدنيا مثيل, وتظللنا السماء معظم أيام السنة بمناخ معتدل يحسدنا عليه الجميع, وتحيط بنا بحار هادئة وغنية بأعظم ما في الدنيا من كنوز بيئية.. ثم إن أجدادنا من فراعنة وقبط ومسلمين تركوا لنا كنوزا أثرية تحلم الدنيا كلها بالحضور إلي مصر لرؤيتها والاستمتاع بها. ومعني ذلك أن مصر تستحق من أبنائها أن يعيشوا ليل نهار يحلمون بها ويفكرون في كيفية إسعادها والحفاظ علي رونقها وأبهتها وجمالها, ولكن للأسف الشديد فإن بعض ما نراه من سلوك البعض منا لا يعبر عن وجود هذا الحب!. إن إلقاء المخلفات في نهر النيل التي بلغت حد دفن الحيوانات النافقة وتصريف مياه المجاري فيه لا يعكس حبا لمصر.. وأيضا فإن استمرار الاعتداء علي التربة الزراعية وتجريفها, واغتيال الأرض المنتجة بإقامة المباني عليها, برغم ما نملكه من الصحاري الشاسعة لا يعبر عن حب لمصر! إن تكديس القمامة في الشوارع حتي يتجاوز ارتفاعها ارتفاع بعض العمارات, ثم إحراقها, وإحداث تلوث بيئي لا يمكن أن نسميه بأنه نوع من الحب! وفي الجعبة أسئلة كثيرة حول بعض سلوكياتنا في القري والحضر علي حد سواء, ومن خلال الإجابة الموضوعية والصحيحة علي هذه الأسئلة, يمكن أن نعرف إن كنا نحب مصر حقيقة أم لا!! وأترك الإجابة لكم بعيدا عن صخب الدق المتصل علي آلام وأوجاع المنكوبين في كارثة سقوط صخرة جبل المقطم فوق مساكن الفقراء في منطقة الدويقة! فقط أقول إن الذين أغمضوا أعينهم عن البناء العشوائي في الدويقة ومنشية ناصر وسائر المناطق العشوائية يتوهمون للأسف الشديد أنهم فعلوا ذلك حبا في مصر.. بئس هذا الحب!