لعنة الاعصار جوستاف التي اصابت الأمريكيين نزلت بردا وسلاما علي الحزب الجمهوري ومرشحه الرئاسي السناتور جون ماكين, الرياح العاتية التي اقتلعت المواطنين من مدنهم ربما تكون قد رسخت صورة ماكين في اذهان الأمريكيين كقائد يستطيع التصرف السريع والصائب وقت الازمات الكبري فقد اثبت بتحركه ان واجب مواجهة الاعصار يتقدم علي اي استعراض سياسي حتي ولو كان مؤتمر الحزب لترشيحه رسميا للانتخابات, وقد تكون التكلفة الانسانية والاقتصادية لتلك الكارثة الطبيعية فادحة ولكن العائد السياسي لها من وجهة نظر الجمهوريين يصب في صالحهم. ويبدو أن ماكين قد تنبه إلي هذا مبكرا منذ ان بدأ الاعصار يتشكل ثم يقترب من السواحل الأمريكية بالتزامن مع الاستعداد لانعقاد المؤتمر العام للجمهوريين, وقدم هذا التزامن فرصة تاريخية لماكين اقتنصها سريعا من خلال خطة تحرك شملت خطوات متلاحقة لزيارة بعض المناطق المتضررة ووضع الطائرة المخصصة لحملته الانتخابية في خدمة مندوبي الولايات المنكوبة المشاركين في مؤتمر الحزب لاعادتهم إلي مدنهم, وبدء حملة تبرعات لمساعدة المحتاجين ونجح بالتالي في ان يوجه رسالة عملية إلي الناخب يقول فيها ان الأولوية بالنسبة له هي خدمة المواطن وليس الحزب, وكما قال احد مستشاريه فان ماكين أكد ان بمقدوره التعامل مع اي مفاجأة والارتفاع إلي مستوي الحدث. بشائر الخير السياسية التي جلبها جوستاف الشرير لما كين تفوق هذا المعني الرمزي الذي تحدث عنه مستشاره, ويمكن رصد مكسبين اساسيين اولهما ان الاعصار الجديد قدم له وللحزب الجمهوري والرئيس جورج بوش فرصة تاريخية لاصلاح خطأ تاريخي ايضا وهو القصور الذي شاب تعامل الإدارة مع كارثة اعصار كاترينا قبل ثلاثة اعوام, ويبدو من تحركات بوش هذه المرة انه استوعب الدرس تماما ولايريد ان ينهي حياته السياسية بفضيحة جديدة, وهذا في كل الاحوال سيكون في صالح الحزب الذي تضررت شعبيته بسبب كاترينا. المكسب الاخر المهم الذي اهداه جوستاف إلي ماكين هو ان تلك الرياح الشريرة قدمت له خدمة جليلة هي الغاء خطابي بوش ونائبه ديك تشيني في مؤتمر الحزب بعد أن قرر الاثنان التفرغ لمتابعة الاجراءات الوقائية, واختفاء الاثنين وهما بلا شعبية تقريبا رفع عن ماكين والحزب حرجا كبيرا لانه كان من غير اللائق تجاهلهما, كما ان الظهور معهما في الحزب لن يخدم اي سياسي بل علي العكس سيدعم دعاية الديمقراطيين الذين يتهمون ما كين بانه امتداد لسنوات بوش الفاشلة, ولعل هذا ما دفع الكثير من حكام الولايات والاعضاء الجمهوريين في الكونجرس للاعتذار عن المشاركة في مؤتمر الحزب تجنبا للآثار السلبية لظهورهم مع بوش الذي اصبح ومنذ وقت طويل عبئا حقيقيا علي حزبه. ورغم ان تلك المكاسب, التي اتت بها الرياح لماكين من حيث لايدري حقيقة ومهمة إلا انها تبقي جزئية ومؤقتة, لان معركته الكبري ضد خصمه الديمقراطي القوي باراك أوباما مازالت ابعد ما تكون عن الحسم بل تميل لصالح منافسه, كما ان تلك المكاسب لاتقدم حلا عمليا للتحدي الأكبر الذي يواجه ما كين ويتمثل في قدرة الحزب علي اقناع الناخبين أولا بان ماكين شخصيا هو الزعيم المناسب الذي تحتاجه بلادهم في تلك المرحلة وثانيا بان الحزب ليس مسئولا عن كل الكوارث والاخطاء التي ارتكبها بوش داخليا وخارجيا. من يتابع ما تنشره وتبثه وسائل الاعلام الأمريكية ومايقوله السياسيون والمعلقون يدرك ان هناك احساسا عاما بان الناخب الأمريكي يريد بالفعل ان يعاقب الحزب الجمهوري علي اخطاء بوش وان هذا الناخب الذي يواجه ازمة اقتصادية حقيقية لابد ان يختار مرشح الحزب الديمقراطي ايا كان, لان ثماني سنوات من الفشل كافية جدا, وقد لاتأتي نتيجة الانتخابات النهائية بالضرورة علي هذا النحو ولكن هذا هو الشعور السائد بين الجمهوريين حاليا, وما كين بالطبع ليس منفصلا عن هذا التيار, وهذا هو الدافع الحقيقي وراء عزوف الكثير منهم عن المشاركة في مؤتمر الحزب لانه وفقا لتعبير احدهم لا أحد يريد المشاركة في الجنائز. ومن وجهة نظر كثيرين فان هذا الاحساس الذي يفرز حالة من اليأس يفسر لماذا تهور ماكين في اختيار ساره بالين لتكون نائبا له وهي بلا أي خبرة علي الاطلاق في السياسة الخارجية أو الأمن القومي, ولم يمض اكثر من عامين علي توليها الحكم في الاسكا. مبررات ما كين كلها معروفة وهو يسعي جاهدا إلي استثمار الشرخ الذي خلفته معركة الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي, وجذب اصوات النساء التي ذهبت إلي المرشحة المهزومة هيلاري كلينتون, كما يحاول استمالة الطبقة العاملة خاصة البيض وهي نقطة ضعف اساسية لدي اوباما حيث صوت هؤلاء لصالح هيلاري دائما, وتنتمي بالين التي عمل ابوها مدرسا وأمها سكرتيرة بمدرسة إلي هذا الطبقة بلاجدال, وحسابات ما كين تقول ان الديمقراطيين الذي لم يضمدوا بعد جراح المعركة مع هيلاري لن يتمادوا في الهجوم علي سيدة أخري الآن, كما ان بالين الشابة التي تصغر أوباما بثلاثة اعوام ستكون عنصر جذب حقيقيا للشباب, ويعطي وجودها مصداقية لدعوة ماكين إلي التغيير عندما يتحدث عنه, وربما اصلحت ما بينه وبين المحافظين الذين لم يتحمسوا له ابدا طوال الانتخابات التمهيدية.