عند قراءة مجموعة الشاعرة سوزان عليوان الجديدة "كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم" قد يشعر القارىء عند التعبير عن مشاعره وآرائه أنه يبدو كمن يكرر نفسه إزاء شاعرة تشبه نفسها باستمرار دون أن "تكررها" بالمعنى النمطي المسطح. وعمل سوزان عليوان هذا هو واحد من الأعمال القليلة التي تتعلق أجواؤها بالذاكرة.. تلك الأعمال التي تسعى أن تقرأها في حيادية فتجد نفسك مستدرجا بل غارقا غرقا لذيذا فيها، إنها "تسحبك" بلطف إلى عالم من المتعة الجمالية. ويصح القول في هذه المجموعة الشعرية -كما في أعمال سابقة لسوزان عليوان- إن من الصعب قراءتها قراءة نقدية جافة أو آلية. والعمل الحالي عمل تشعر بأنك تكاد تقاربه مقاربة "مهرجان" من الألوان والدموع والصور الغريبة. لعل سوزان هنا في هذه المجموعة جاءت بأجواء متميزة، الرمزي عندها وافر في كل أشكاله أو جلها.. من تبادل مواقع وصفات بين الألوان والموسيقى والحسي الملموس وكذلك "العقلي" الفكري. ومزيج من هذا النوع -أو ما يشبهه- ربما بدا في رمزيته عند كثيرين أقرب إلى "هياكل جمالية" باردة كأنها تقول لنا إن "جلالها" وحده يكفيها مجدا. لكن ما قدمته سوزان حمل إلينا كل ذلك وأكثر وفي جو من الدفء العاطفي وفي سحب مما يصح وصفه بأنه نوع من الذوبان الوجداني، أدى إلى إعطاء الرمزي البارد نسمة حياة بل إن هذه النسمة كثيرا ما تحولت عند الشاعرة إلى عواصف حزينة تبدو آتية من ماضٍ أفل تغلب عليه إمارات الحزن والفجيعة. وأحيانا تبدو هذه السحب مهرولة إلى " آتٍ" حتمي كأنه قدر لا يقل حزنا وفجيعة عن "توأمه" الراحل. وتقول سوزان "تحت وساداتنا/ بين الرسائل والوساوس/ جوارح بحجم الجيب/ في بطانة معاطفنا الطائرة/ أكثر من هلال/ في الثلوج السوداء/ بشراسة أسماك القرش.." كتاب سوزان الشاعرة والرسامة جاء في 75 صفحة متوسطة القطع في إخراج فني جميل وغلاف لسوزان. اما "دار النشر" فهي الشاعرة نفسها. من أشكال الغرابة الجميلة ذات الصور المتلاحقة المشبعة بالجميل والمحزن والغريب.. وعن العالم السائر بجدية وحيادية قاسية لا يعنيها شيء نقرأ "نجوم السماء بأسرها/ لعاشقين في قارب/ لهول صرخة على جسر/ ينثني تمثال/ مع جذعه المثقل بفضلات عصافير/ يغمق الوجه الحجري للغروب/ غراب عن كتفه يسقط/ غيمة تفقد اتزانها/ المارة في معاطفهم بلا خجل/ بخطوات لا يختلف لبرهة إيقاعها العابر/ لولا أنهم أصغر من دموعي المنهمرة على النهر/ لأطلقت حكما قاسيا/ ثم كمحراث ثلج/ لدفعت الضفة البائسة/ بعيدا عن ضحكتي../ الريح كعبها العالي/ الروح كعب مكسور/ كسحابة وسط السيارات المسرعة/ حول عينيها أحمر الشفاه..." رويترز