التسول ظاهرة موجودة في أغلب المجتمعات ولا يكاد يستثنى منها مجتمع دون آخر، وإذا كان البعض قد ألجأته ظروفه القاهرة لأن يمد يده للناس ويطلب منهم المعونة إلا أن البعض الآخر استسهل هذا السبيل وجعله مورداً له وإن كان يتمتع بصحة بدنية وقدرة على العمل.. وفي مجتمعنا بدأت هذه الظاهرة تتزايد علاماتها والعاملين بها، مستغلين طيبة أهل هذه البلد وعدم ردهم السائل، ويتكاثرون ويزداد عددهم مع قدوم شهر رمضان. الدكتورة نادية البدري أخصائية نفسية في وزارة الشؤون الاجتماعية ترى أن ظاهرة التسول ظاهرة دخيلة على مجتمع الإمارات لم تكن معروفة سابقاً، فهي مشكلة اجتماعية آخذة بالازدياد. وخصوصاً في شهر رمضان الذي يجد المتسولون فرصة ذهبية لاستغلال طيبة وكرم أهل الإمارات بحجة تعاظم الأجر، ولكن ما يلفت الانتباه في هذه الظاهرة أنها أصبحت تضم جميع الفئات العمرية ولوحظ انتشارها بين النساء والأطفال ممن تتراوح أعمارهم مابين 12-45 سنة، واعتبرها البعض مهنة تدر إلى أصحابها دخلاً معقولاً دون الحاجة إلى بذل أي جهد. وأرجعت أسباب هذه الظاهرة إلى اضطراب الشخصية وشعور المتسول بالهوس في جمع المال وطريقة الربح غير المشروع، وانخفاض المستوى المعيشي والبطالة، بالإضافة إلى فقدان الأمل فالإنسان الذي ييأس لا ينظر إلى الفرص السانحة أمامه لأن يعمل ويجهد لكسب الرزق بحلال ويطور نفسه بل بالعكس، يفكر انه مسكين وفقير رغم انه يمتلك قدرة بدنية يستطيع أن يعمل. فالحكمة تقول «أغنى الغنى العقل وأفقر الفقر من ليس له أمل» واستغلال عطف وكرم الناس والتفكك الأسري وغياب رقابة الأهل وتدني مستوى الوعي العام وجهل الأبوين بالإضافة إلى انتشار العمالة الوافدة. وترى انه يمكن الحد من هذه الظاهرة من خلال التوعية الدينية التي تهدف إلى إعداد الفرد المتكامل الذي يتوافق سلوكه مع قيم المجتمع وعاداته والالتزام بالضوابط الدينية والاجتماعية التي تقلل من هذه الظاهرة، وكذلك لا يغفل دور المسجد في تكثيف المحاضرات والندوات الدينية حيث ينبغي أن يتصدى أئمة المساجد والخطباء إلى معالجة هذه الظاهرة. كما لا يخفى الدور الكبير للأسرة وذلك أنها الخلية الأولى في المجتمع، وفي بيئتها ينشأ الأبناء في أطوار جماعية حيث يتطبع سلوكهم بسلوك والديهم، وإذا كانت التنشئة الاجتماعية متكاملة متوافقة مع تعاليم الدين والقيم فإن الأبناء يستقون من الخصائص الاجتماعية والخلقية ما يمكنهم من التوافق الاجتماعي السليم، وتؤثر الرفاق في مراحل الطفولة والمراهقة على شخصية الفرد، فعلى الأسرة أن تلقي مزيداً من الانتباه إلى أصدقاء أبنائها ومراقبة تصرفات أبناءهم بصورة مستمرة. إعزاز النفس وقد أكد علماء الشريعة على حرمة التسول وأن الواجب على الإنسان أن يعفي نفسه بنفسه ولا يذل نفسه بسؤال غيره فإن اليد العليا خير من اليد السفلى ومن يستعف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم» . أي أن لحم وجهه قد تمزق بسبب ذل السؤال فكان ذلك جزاء له يوم القيامة لما لم يرض بإعزاز نفسه وذهب يستكثر ويتخذ المسألة حرفة وعادة له فكان جزاءه هذه الصورة البشعة في الآخرة كما كانت صورته في الدنيا. وفي ذلك يقول الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد كبير مفتين ومدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي إن مسألة «الشحاذة» محرمة في الإسلام . لأنه يدعو المسلم للعزة والكرامة إلا أن تضطره الحاجة التي لا مندوحة له عنها كما دل عليه حديث قبيصة السابق أو أن يسأل ولي أمره لما يصلح حاجته لكون ولي الأمر مسئولا عنه و بيده صلاح أمره وذلك لما روى سمرة بن جندب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذه المسائل كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل سلطانا، أو في أمر لا بد منه». ومع كون المسألة مقيتة في الإسلام إلا أن من أذل نفسه بها فإن على من سأله أن يكون أهلا للمعروف لتكون يده العليا و شكرا لله تعالى أن جعله معطيا لا مستعطيا وإحسانا للظن بالمسلم الذي هو من خلق المسلم، فلا يرده من غير عطاء بما تيسر لقوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر) وقوله تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)، ولما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من حديث الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: «للسائل حق، وإن جاء على فرس» . وقد كان صلى الله عليه و سلم لا يرد سائلا قط ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعموالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم حتم على المسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، كما قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر). ولكن هذا ما لم يعلم من حاله أنه قد اتخذ المسألة حرفة فإنه في هذه الحالة لا ينبغي أن يشجع أو يعان على هذه المهانة بل أن يرشده إلى ما هو خير له كما كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعل مع أولئك السائلين. استطلاع أظهر استطلاع أجرته «البيان» على موقعها الإلكتروني حول الأسباب التي تدفع الفرد للتسول هل هي الحاجة والغلاء أم استغلال عواطف الناس أم هي مجرد عادة، وشارك فيه أكثر من 300 صوت، أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع أو ما نسبته 06. 47 بالمئة يرون أن الأسباب التي تدفع الفرد للتسول هي الحاجة والغلاء بينما رأى 35. 32 بالمئة أن ما يدفع الفرد للتسول هو استغلال عطف وكرم الناس، في حين قال 59. 20 بالمئة أن الأسباب التي تدفع الفرد للتسول هي العادة فقط.