القدس: 1/8/2008 أعلن إيهود أولمرت مساء امس الاول بأنه لن يترشح في الانتخابات الداخلية لحزب «كاديما»، والتي من المقرر أن تجري في السابع عشر من شهر أيلول المقبل. ويعتبر هذا الإعلان بمثابة قبول أولمرت التنحي عن منصبه كرئيس للحكومة الإسرائيلية على الأرجح في النصف الثاني من أيلول المقبل لصالح تسيبي ليفني أو شاؤول موفاز اللذين يتنافسان على زعامة كاديما. كما يبدو فإن العديد من الأسباب دفعت أولمرت إلى اتخاذ هذه الخطوة، ويمكن القول بأن ثلاثة أسباب مباشرة أدت إلى ذلك. فإعلان القاضي دان أربيل، مساء الثلاثاء الماضي عن موعد الانتخابات الداخلية لكاديما وتحديد الرابع والعشرين من آب المقبل كموعد نهائي لتسلم طلبات الترشيح، يعتبر أحد أهم الأسباب التي دفعت أولمرت للاعتقاد بأنه لن يتمكن من تبرئة نفسه حتى ذلك الموعد القريب نسبيا بالذات مع تراكم القضايا المفتوحة ضده. ثانيا، لقد خسر أولمرت يوم الأربعاء الماضي في عدد من مقترحات حجب الثقة التي قدمت ضد حكومته في الكنيست، إلا أن حكومته لم تسقط بالأساس بفضل المطلب القانوني القاضي بتجنيد غالبية 61 عضو كنيست لإسقاطها، أي أنها صمدت نتيجة لعدم مقدرة خصومها تجنيد الغالبية الكافية للإطاحة بها وليس بالضرورة لمقدرتها تجنيد غالبية للدفاع عن نفسها! إضافة إلى ذلك فإن حكومة أولمرت تتهم بأنها مررت مشاريع قوانين في الكنيست التي قد تكلف ميزانية الدولة نحو خمسة عشر مليار شيكل وذلك منذ الكشف عما يوصف بقضية «تالانسكي» (المليونير اليهودي الأمريكي الذي يدعي بأن قدم رشاوى لأولمرت)، الأمر الذي يستغله خصوم أولمرت للتلميح وكأنه يحاول «شراء ذمم» شركائه في الائتلاف مقابل «غض الطرف» عن تجاوزاته! ثالثا، والأهم، يبدو بأن أولمرت يريد تكريس وقت وجهد أكبر لدحض الادعاءات التي سيوجهها محققو الشرطة له في جلسات التحقيق المرتقبة معه. حيث أن الكثير من المصادر تشير بأن الشرطة ستواجه أولمرت بالعديد من الأسئلة الصعبة والأدلة الافتراضية، وبأن بعض التسريبات قد تتلو ذلك مما سيزيد من حرج أولمرت ومن قدرته الدفاع عن بقائه في منصبه. كما يبدو فإن قرار أولمرت التنحي من منصبه بعيد اختيار خليفة له أرضى غالبية الإسرائيليين، وليس فقط خصومه السياسيين، الذين يرون بأولمرت «رئيس حكومة فاسداً وفاشلا». غير أن بعض الإسرائيليين، لاسيما في الوسط الأكاديمي، ممتعضين مما يسمونه «المحكمة الميدانية التي جرت لأولمرت» مدعين بأن الشرطة والنيابة العامة والإعلام «أدانوا أولمرت حتى قبل أن يتم تقديمه للمحاكمة»! لكن بغض النظر عن كيفية رؤية قرار أولمرت التنحي من منصبه إلا أنه من الواضح بأن المتأثر الأكبر من هذا القرار هو احتمال حدوث تقدم في المفاوضات السلمية سواء تلك التي تجريها إسرائيل مع الفلسطينيين أو تلك الغير مباشرة التي تجريها مع السوريين. فبالرغم من حديث أولمرت في خطابه الأخير بأنه سيواصل العمل لدفع المسيرة السلمية قدما مع جميع الأطراف العربية التي يحاورها، إلا أن الواقع الجديد في إسرائيل يدفع إلى التشاؤم حول قناعة محاوري أولمرت بجديته وبالذات بقدرته ليس فقط على التوصل إلى اتفاق معهم بل بالأساس بقدرته تطبيق مثل هذه الاتفاقات وهم أمر مشكوك فيه، خاصة وأن أولمرت في طريقه لمغادرة سدة الحكم في إسرائيل. وهنا نذكر تساؤلات التي يطرحها البعض والتي يمكن تلخيصها بسؤال واحد: لماذا لم يقم أولمرت أثناء فترة حكمه التي استمرت ما يزيد عن الثلاثين شهر بدفع المسيرة السلمية إلى الأمام لاسيما مع الفلسطينيين الذين قابلهم مرارا وتكرارا لكن دون تقديم أي تنازل ملموس لهم؟! على صعيد الحلبة الحزبية الداخلية، يبدو بأن «كاديما» قد يكون الرابح على المدى القصير ولكنه قد يكون الخاسر على المدى البعيد! فبالرغم من إعلان أولمرت استعداده التنحي عن منصبه بعيد الانتخابات الداخلية لحزب كاديما والمقرر أن تجري في وسط أيلول المقبل، إلا أن غياب قيادة قوية تتميز بإجماع أو على الأقل بدعم غالبية واضحة لمنتسبي «كاديما» تجعل من أولمرت مؤثرا على مجريات الأمور في الحزب حتى وإن لن يتبوأ منصبا رفيعا فيه، بالذات بسبب كونه أحد أبرز مؤسسي هذا الحزب إلى جانب رئيس الحكومة الأسبق أرئيل شارون. وطالما سيصبح أولمرت متفرغا من العمل السياسي وطالما لم تتم إدانته في أروقة المحاكم فإنه سيواصل التدخل، ولم من خلف الكواليس، بالعمل الحزبي في الحلبة السياسية الإسرائيلية عامة وفي كاديما خاصة. غير أن التحدي الأكبر لمن سيخلف أولمرت في زعامة «كاديما» محوم بعقبتين رئيسيتين: الأولى: تجميع «كاديما» خلف زعامته (أو زعامتها)، وهو أمر ليس بالسهل بالذات إثر حالة الاستقطاب والمعسكرات التي يشهدها الحزب حاليا. والثانية، تكمن بالمفاوضات الائتلافية الشاقة لتشكيل حكومة جديدة حيث أن كل شركاء الائتلاف المحتملين سيطرحون مطالب جديدة، التي قد تكون صعبة التحقيق بغالبيتها، والتي قد تفضي إما إلى مجابهة صعوبات جمة في تشكيل حكومة خلال مدة قانونية أقصاها 42 يوم أو خسارة التكليف لصالح عضو كنيست آخر ولا سيما بنيامين نتنياهو الذي يسعى جاهدا حاليا للحصول على التكليف محاولا استقطاب أكبر قدر من أعضاء الكنيست لدعم ترشيحه، وإما التوجه نحو انتخابات عامة مبكرة، الأمر الذي يخشاه «كاديما» بشكل كبير بسبب الاستطلاعات التي تشير بأنه سيخسر عددا كبيرا من مقاعده في مثل هذه الانتخابات. كما يبدو فإن السيناريو الأول هو الأكثر احتمالا، بناءا على المعطيات المتوفرة حاليا، أي أن يقوم زعيم أو زعيمة كاديما بتشكيل حكومة جديدة خلال شهر تشرين أول المقبل أو على أبعد تقدير في تشرين ثاني. وبغض النظر عمن سيفوز في انتخابات «كاديما» الداخلية فإن الميل سيكون نحو تشكيل ما يسمى «بحكومة الوحدة الوطنية» مما يعني بأن هذه الحكومة ستميل إلى استرضاء اليمين وبالتالي ستقل على الأرجح فرص السلام الشامل مع العرب ولا سيما مع الفلسطينيين. لكن، حتى ولم تتشكل مثل هذه الحكومة في إسرائيل بل تشكلت حكومة أخرى أو أجريت انتخابات مبكرة فإن الأمر الذي لا شك فيه هو بأن الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل سيطغى على الأرجح خلال الأشهر القليلة المقبلة على أي أمر آخر، مما سيحتم على العرب عامة والفلسطينيين خاصة وضع إستراتيجية لمنع تدهور الأمور لأوضاع أصعب من تلك التي نشهدها حاليا!