ما زالت الأزياء قراءة مدهشة لثقافات الشعوب وتاريخها، فهناك شعوب تعتز بأزيائها التقليدية التي لا تتغير في أساسياتها، لكنها تتطور حسب تطور المجتمع واقتصاده، وذلك بإدخال بعض التفاصيل لمواكبة الموضة لتصبح هدفا يهتم به المصممون والتجار على حد سواء. وأخيرا طالت هذه التغيرات الشماغ الذي يعتبر جزءا من الثقافة الخليجية. فهو الذي يتوج مظهر الرجل الخليجي عموما والسعودي خصوصا، لكنه أخيرا فتح شهية النساء عليه، وبتنا نرى إقبالا متزايدا عليه من قِبلهن، فتارة نراه يغطي رأسهن، على شكل طرحة، وتارة يزين أعناقهن، على شكل إيشارب، وتارة أخرى يزين معصمهن وهلم جرا. ريما زهران، مصممة أزياء إماراتية، من بين مَن قمن بكسر ما كان سائدا بأن ارتداء الشماغ يقتصر على الرجال فقط، بإدخالها له كمنافس قوي في أزيائها النسائية، وبألوان جريئة لم يسبق استخدامها من قبل، تقول:- «يعتبر قماش الشماغ من الأقمشة التي ارتبطت بشكل قوي بالزي العربي والخليجي، لذلك حاولت في تصميماتي الدمج بين الحضارتين العربية والغربية، باستعمال الشماغ كمادة عربية وبألوان جديدة لم تكن معهودة من قبل، مثل الفوشيا والأصفر والأخضر والأزرق وغيرها في تصميمات غربية مثل الجاكيت و«التي شيرت» والشال وإكسسوارات أخرى مثل الأساور. وقد سعدت بردود الفعل على هذه التصميمات، فقد كانت إيجابية، خصوصا لدى فئات الشباب». هذه الأزياء الممزوجة بعبق الشرق وصخب الغرب وجدت تجاوبا كبيرا من قِبل الفتيات رغم ارتفاع أسعارها. تقول سارا طارق (24 عاما): «أعجبت أنا وصديقاتي بهذا النوع من الأزياء لأنه يمكن ارتداؤها في المناسبات الخاصة والرسمية على حد سواء، بإدخال بعض الإكسسوارات، عدا عن إمكانية ارتدائها مع الملابس اليومية كالجينز»، وتضيف سارة: - «بل إن بعض صديقاتي أدخلن قطعا من الشماغ أو تطريزاته على العباءة التقليدية، الأمر الذي أضاف إليها التميز من دون ان يخفف من أنوثتها». الملاحظ ان تطور الشماغ لم يتوقف عند هذا الحد، بل طال أيضا ألوان وأشكال الأشمغة الرجالية، مما جعل شرائح الشباب تقبل عليها أكثر من ذي قبل. فمع دخول أنواع جديدة من الأشمغة واستعمال القطن الممشط في تصنيعها، الأمر الذي اكسبها طراوة ونعومة ولمعانا، بدأت تخرج عن المتعارف عليه وتتسرب إلى خزانات الشباب. فاللون الأحمر لم يعد هو السائد، بل ظهرت ألوان أخرى عديدة وتطريزات مختلفة. في هذا الصدد يقول مصمم الأزياء السعودي سراج سند: «مع تزايد الإقبال على الاهتمام بالمظهر الخارجي، والبحث على كل ما هو جديد ومميز، خاصة بعد موضة التطريز على الثياب، التي تأتي إما بأشكال هندسية أو بحروف عربية، حرصت أنا أيضا أن أضيف التطريز على الشماغ أو الغترة، كذلك إلى السروال وترقيمه كمجموعة متكاملة تستخدم في المناسبات الخاصة، كحفلات الزواج وغيرها»، وتابع سند: «لكن لا بد من مراعاة الألوان المستخدمة والابتعاد عن كل ما هو غير مألوف أو يؤذي العين، مع مراعاة لون البشرة وطول الجسم وحجمه عند اختيار الألوان». الشماغ هذا الزي الذي ظل وفيا لتاريخه وعراقته يحمل في تفاصيله وتصميمه وطريقة ارتدائه، يعكس ثقافة البلد وهويته وتاريخه إلى حد يمكن أن يدل على البلد الذي ينتمي له مرتدوه، فقط من لونه وتصميمه وطريقة ارتدائه. يقول عبد الباسط علي أحد المسؤولين بمحلات البيع المتخصصة بالزي الرجالي: «الشماغ نوع من أنواع الغترة البيضاء بنفس طولها وعرضها، إلا انه أخشن ويصنع من القطن أو الكتان أو من خليط منهما ويكون سميكا. وهي أساسا قطعة قماش بيضاء تأتي نقشتها بعدة أشكال تتداخل فيها خيوط حمراء أو سوداء أو خضراء، وقد صنعت أساسا في العراق ومن ثم انتشرت في الخليج العربي، خصوصا بين السعوديين، الذين أصبحوا يميزون بها عن إخوانهم أبناء الخليج. وكان الشماغ يلبس عادة في فترة الشتاء في عامة مناطق الخليج أكثر منه في الصيف وأكثر الألوان المستخدمة في السعودية هو الأحمر عكس نظيرتها الإمارات التي تتميز باللون الأسود». ويقال إن الشركة الأجنبية التي بدأت في تصنيعه، استوحت لونه الأحمر من الطربوش التركي، ولقي تجاوبا كبيرا مع سكان المنطقة لأنه كان من الألوان المفضلة في المناطق الصحراوية لأنه لافت للنظر، ويمكن مشاهدة صاحبه من مدى بعيد. يقال أيضا إن الجنرال البريطاني جلوب باشا «مؤسس الجيش الأردني الحديث»، هو من عمم الشماغ المرقط بالأحمر على أفراد الجيش كجزء من الزي الرسمي، وهكذا انتشر بين عرب الجزيرة العربية.