البداية في فيتنام الكيمتريل تقنية الاستمطار إثارة الزوابع والأعاصير ميغا تسونامي العبث بالغلاف الجوي الخلاصة إعداد: علي محمد الهاشم صعق العالم مؤخراً بحجم الدمار الرهيب الذي تسبب به إعصار «نرجس» لجمهورية ماينمار (بورما) الآسيوية، حيث بلغ حجم الخراب تدميرا شبه كامل لهذه الدولة، وحصد أرواح تجاوزت المائة ألف، وفقد أكثر من ذلك الرقم، فيما خلف أكثر من مليون مشرد. ولعل الزوابع الأخيرة التي ضربت المنطقة وخصوصاً هنا في الكويت خير مثال على ما يمكن أن يتسبب به غضب الطبيعة، وإن كان لا يضاهي ما أصاب ماينمار من دمار. لكن ما يدعونا إلى التوقف هنا هو المعلومات التي لطالما تم تداولها في العديد من المناسبات حول أسلحة سرية مدمرة تم تطويرها بصورة بالغة السرية، وبظروف تلفها الغموض والريبة؛ أسلحة يطلق عليها أسلحة الطقس أو الحرب البيئية (الظواهر الطبيعية) أو الهندسة المناخية. وهذه الأسلحة هي من صنع الإنسان، لكنها تستمد طاقتها من الطبيعة أو المناخ ؛ ويمكن لها أن تحدث أضراراً كارثية مخيفة تبلغ بشدتها ما تخلفه الأسلحة الذرية من هلاك، عدا أنها لا تلوث البيئة كما تفعل الأخيرة. تلك الأسلحة التي ظلت حكراً على دول كالولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي والصين حتى بعد انتهاء الحرب الباردة. وقد ذكر تقرير أخير أن هناك نية لسلاح البحرية الأميركي لاعتماد مثل تلك الأسلحة بصورة رسمية في المواجهات القادمة، وبهذا يكشف النقاب عن أبحاث متعددة وقديمة لتسخير المناخ أو الطبيعة كسلاح عند المواجهات أو للإضرار غير المباشر بالعدو. تعود جذور أسلحة الظواهر الطبيعية إلى ما قبل القرن الماضي، وقد كان العالم الصربي الأصل نيقولا تيسلا الشهير، الذي برع في مجال الفيزياء من الرواد الأوائل لتطوير تلك الأسلحة، حيث اكتشف خاصية الدفع بتأيين الهواء اصطناعياً ثم إطلاق مجالات من موجات الراديو فائقة القصر عليه لتفريغه من شحناته لإحداث صواعق اصطناعية، ويمكن أن يستخدم ذلك في ما يعرف «بالاستمطار» أي إسقاط المطر اصطناعياً، واستحداث ظواهر كالبرق والرعد والصواعق وتغيير اتجاهات الرياح وغيرها من الظواهر الأخرى كاستحداث الزلازل الاصطناعية والتي باتت تعرف بالأسلحة الزلزالية. لقد كان الاتجاه نحو تطوير مثل هذه الأسلحة، هو إيجاد بديل فعال ومدمر يعمل كبديل لأسلحة الدمار الشامل النووية. الغرض من استخدامها إن الغرض الأساسي لاستخدام أسلحة حرب البيئة كما تسمى أحياناً، هو لتكبيد العدو أكبر قدر من الخسائر دون أن يعي ذلك فلا يقوم بالرد المماثل وشل حركته كنشر الجفاف والمجاعات والأمراض والأوبئة عبر استحداث الجفاف والأعاصير المدمرة أو الزلازل اصطناعياً، فتؤدي إلى خسائر في الأرواح والمادة فلا يقوى على النزاع العسكري، وبالتالي يخضع كلياً دون اللجوء إلى إطلاق رصاصة واحدة ولو تحذيراً. ولهذا أجريت دراسات كثيرة ومتنوعة من قبل الدول العظمى السالفة الذكر لذلك. البداية في فيتنام حرب فيتنام تعتبر من الحروب التي جربت بها أسلحة وتكتيكات كثيرة أدت إلى معطيات خطيرة في صناعة الأسلحة والأنظمة الدفاعية، وكان من ضمن تلك الأسلحة ما تتعلق بأسلحة البيئة، فقد استخدمت الولاياتالمتحدة العديد منها ضد الفيتناميين في سياق جهود هائلة بذلتها القوات الأميركية لإخضاع السكان في جنوب فيتنام وعزلهم عن جبهة التحرير في الجنوب وعن بقية الشعب في الشمال، من خلال سعيها وبشراسة لإقفار أراضيها، فتارة جرت عمليات إسقاط الأمطار على نطاق واسع، وتارة أخرى أبادت المحاصيل الزراعية والأحراش والغابات بالعامل البرتقالي (وهو محلول كيميائي ذو لون برتقالي)، وكذلك إحداث الضباب الصناعي لعرقلة حركة القوات المعادية وشل استخدام المطارات والموانئ، وإسقاط البَرَد أو إثارة العواصف الشديدة أو تفعيلها، وافتعال الصواعق عبر تنشيط البرق من خلال كهرباء الغيوم. واستخدمت القوات الأميركية برامج لتعديل الطقس، من قبيل العمل على تفاقم الفيضانات أثناء هطول الأمطار الموسمية الغزيرة،فكانت تلك الحرب أول تطبيق عملي لتلك النظم. الكيمتريل تستخدم الطائرات كعامل أساسي في تقنية «الكيمتريل» بنشر مركبات كيميائية معينة على ارتفاعات جوية محددة لاستحداث ظواهر جوية مستهدفة، وتختلف تلك المواد الكيميائية وتلك الارتفاعات وفقاً للغرض المراد تحقيقه. فمثلاً إذا ما كانت الغاية إحداث أمطار غزيرة على موقع ما، يتم استخدام خليط من «أيوديد الفضة» مع «بيركلورات البوتاسيوم» يتم رشها مباشرة فوق السحب المحملة بنسبة عالية من بخار الماء، فيتكثف سريعاً على جزيئات المخلوط التي تعمل كأنوية تكثيف حتى يثقل وزنها ولا يستطيع الهواء حملها فتسقط في صورة أمطار، وقد تم استخدام هذه التقنية في مناطق جافة أو شبه جافة خصوصاً في الصين ؛ كما تستخدم تقنية «الكيمتريل» في التحصين الهوائي العاجل والسريع للسكان ضد بعض الأمراض الوبائية الخطيرة السريعة الانتشار كما يحدث في الولاياتالمتحدة، والعكس صحيح يمكن استخدامها كي تساعد في تغذية وإنماء تلك الأوبئة عبر الجبهات الهوائية الملائمة لذلك. وقد كشفت بعض الوثائق بشكل غير رسمي على أن هذه التقنية قد استخدمت من قبل الأميركان ضد كوريا الشمالية عندما اجتاحتها المجاعة بينما لم تصب كوريا الجنوبية الملاصقة بها أي آثار لذلك. تقنية الاستمطار تعرف عملية الهطول الاصطناعي للأمطار «بالاستمطار»، وتستخدم في التحكم بهطول الأمطار لأغراض زراعية في بلدان عديدة، وشهدت تطبيقات عديدة لها منذ مدة طويلة، وقد أدى النجاح في إهطال الأمطار عن طريق حقن الغيوم بمواد كيميائية تطلق إليها من مدافع خاصة أو من الطائرات (تقنية الكيمتريل)، إلى تطبيق ذلك في المجال العسكري لاستعماله كسلاح تكتيكي من خلال إسقاط الأمطار الغزيرة أو الثلوج على أرض المعركة أو في داخل أرض العدو لتعمل على عرقلة تحرك قواته وقطع خط إمداداته، أو العكس، عن طريق إحداث جفاف شديد لمدة طويلة نسبياً عبر عكس تلك التقنية بتبديد الغيوم بعيداً عن أراضيه وإسقاطها بعيداً عنه. إثارة الزوابع والأعاصير تلاحقت محاولات العلماء الهادفة إلى السيطرة على العواصف الشديدة بما يحقق الغاية المرجوة بالتخفيف من آثارها التدميرية على المباني والمنشآت والمزروعات، وعلى البشر والحيوانات. تركز معظم هذه المحاولات على تعديل مسار هذه الرياح العاتية لدى اقترابها من سطح الأرض وإبعادها عن المناطق المأهولة، لتتسع الأبحاث الرامية إلى استخدام تلك العواصف والأعاصير لأغراض عسكرية، عن طريق تقويتها والتحكم بتوجيهها نحو بلد معاد ذي ساحل طويل، عبر تقنيات تشمل نقل الحرارة من البحر إلى الجو في طبقات ذات خلخلة شبيهة بتخلخل الجو الاستوائي، وتعديل تبخر مياه البحر أو المحيط برش طبقة رقيقة جداً من مواد زيتية فوق سطح الماء على مساحات واسعة، وحقن السحب بمواد كيميائية للتحكم بتفاعلاتها من أجل توليد إعصار أو تنشيطه ليتكفل بتدمير الدفاعات الساحلية لذلك البلد المعادي. ولا بد لنا أن نعلم أن الزوبعة أو التورونادو التي تتألف من عمود هوائي يدور دوراناً عنيفاً وسريعاً بالغ الشدة على تماس من الأرض، يتسبب في إحداث دمار محدود رغم شدته كونه لا يدوم مدة زمنية طويلة، لكن الطاقة المختزنة به تعادل 50 كيلو طن من المواد المتفجرة أو T.N.T، أما الإعصار فهو أشد تدميراً من الزوبعة، لأنه يغطي مساحات واسعة، ويدوم فترة زمنية أطول نسبياً، وتبلغ الطاقة المختزنة به ما يعادل المليار ميغا طن من مادة T.N.T وهي أشبه بتفجير قنبلة نووية إستراتيجية. ميغا تسونامي شملت الأبحاث النظرية إمكانية إثارة أمواج هائلة لاستخدامها في تدمير مناطق ساحلية معادية، عبر إحداث تفجيرات متسلسلة في المحيط، تؤدي إلى انهيارات كبيرة متلاحقة للصخور والرسوبيات، بحيث تنجم عن حركة هذه الانهيارات كميات هائلة من الطاقة، تثير أمواجاً بالغة الشدة، ذات قدرة تدميرية ضخمة، كفيلة بالإجهاز على الاستحكامات والدفاعات الساحلية المعادية، وغمر المدن الساحلية، وتقوم آلية هذه الأمواج العاتية على تقليد التشكل الطبيعي لأمواج «تسونامي» التي تنجم عن انهيارات في الجرف القاري وانزلاق كميات من الصخور إلى أعماق المحيط، وكذلك عن حدوث الزلازل الأرضية، من خلال تفجيرات نووية تحت الماء، أو على سطح الجليد الذي يغطي مياه المناطق المتجمدة، بحيث يؤدي تسارع حركة الماء أو قطع الجليد الضخمة إلى تشكل أمواج هائلة في الحجم والارتفاع. العبث بالغلاف الجوي شملت الأبحاث العسكرية إمكانية إحداث اضطرابات جيولوجية عن طريق تعديل النشاط الكهربائي الجوي، مثل تخريب الغلاف الأيوني للأرض، فمن المعروف أن الغلاف الأيوني «الأيونوسفير» الذي يرتفع عن الأرض مسافة تتراوح بين 50 كلم إلى 100 كلم، يتصل مع سطح الأرض بشكل يسمح بانعكاس الموجات اللاسلكية، وهذا هو أساس الاتصالات اللاسلكية البعيدة المدى أو ما وراء الأفق، وقد ركزت عدة دراسات على تحقيق إمكانية تعطيل الاتصالات تلك في منطقة ما، لعرقلة تواصل العدو بمركز قيادته وعزله عن قواته، وذلك من خلال إجراء تفجير كهرومغناطيسي أو نووي في موقع مدروس بعناية من الغلاف الأيوني، كما شملت الدراسات توجيه الموجات المنعكسة ما بين الأرض والغلاف الأيوني المحيط بها بحيث ينشر ذبذبات بالغة الصغر من الإشعاعات في منطقة ما، لكي يؤدي تفاعلها مع النشاط الكهربائي للأدمغة البشرية إلى تعطيلها. الخلاصة بعد كل هذا السرد لأسلحة التحكم بالطقس والبيئة، لا بد من التأمل في ما سيؤول اليه هذا المجال الخطير من مجالات العلم بالظواهر الطبيعية والتدخل البشري اصطناعيا من خلال تحويرها لخدمة غايات إما تجارية أو إنسانية أو عسكرية، فقد سبق أن قامت الولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي السابق بالتوقيع على اتفاقية مشتركة تحظر استخدام أسلحة التحكم بالمناخ والبيئة للأغراض العسكرية وذلك في العام 1975، لما تحتويه من خطر مباشر على البشرية، لكن الالتزام بمثل تلك الاتفاقيات يبقى حبراً على ورق ؛ خصوصاً أن مثل هذه الأسلحة لا يمكن معرفة ما إذا كانت بفعل الطبيعة أم بفعل فاعل، لذا هل كان الإعصار الذي ضرب «ماينمار» منذ مدة بفعل الطبيعة أم بفعل دولة ما؟