أخبار اليوم 12/4/2008 تعددت المحكات التي يقيس بها كل طرف مدي نجاح الدعوة لاضراب السادس من ابريل، بين الذين تحمسوا للدعوة، فذهبوا إلي القول بأن الاستجابة لها، قد فاقت المتوقع، فأضرب 80 % من طلاب الجامعات و50 % من طلاب المدارس، وانخفضت كثافة الحركة في شوارع العاصمة والمدن الرئيسية بنسبة ملحوظة،وبين الذين لم يتحمسوا لها، وأكدوا أن أحدا لم يستجب لها ودللوا علي ذلك بأن العمل انتظم في المصانع والوحدات الإدارية والاسواق، وأن انقطاع بعض الطلبة عن الدراسة، وانخفاض نسبة الحركة في شوارع القاهرة يعود في جانب منه إلي العاصفة الترابية، وفي جانب آخر إلي خوف أولياء الامور علي أبنائهم، بعد أن راجت الشائعات باحتمال نشوب مصادمات بين الأمن والمتظاهرين.. والحقيقة أن العجز عن تحديد نسبة النجاح وفشل الدعوة للاضراب، يرتبط اساسا بعدم تحدد أو وضوح الهدف من هذه الدعوة، التي بدأت بإعلان لجنة المفاوضة التي شكلها عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري عن تحديد يوم 6 إبريل موعدا ليضربوا فيه عن العمل، إذا لم يتحقق ماتبقي من مطالبهم، ليتلقف أحد المترددين علي موقع للفيس بوك علي شبكة الانترنت، أن يتضامن المصريون جميعهم مع عمال المحلة، وتتسع المناقشة علي هذه المواقع وغيرها حول الفكرة، علي طريقة ثرثرات المقاهي، فإذا بنا في النهاية، أمام دعوة تقول لكل مصري 'خليك في البيت يوم 6 إبريل' لا صاحب معروف لها، ولاجهة محدودة تنظمها، ولا عقل سياسي لحزب أو تنظيم أو تيار يحدد للمشاركين فيها الهدف منها، أو آليات تنفيذها. ولأن الذين تبنوا الدعوة، وشاركوا في الترويج لها، هم عشرات أو مئات ممن لا يجمع بينهم فكر واحد، ولا يمثلون تيارات اتفقت علي حدٌ أدني مشترك، فقد كان طبيعيا أن يتشوش الهدف منها فيجمع بين الدعوة للتضامن مع عمال المحلة، حتي بعد أن أعلنوا هم أنفسهم تأجيل اضرابهم، حتي لا يتحملوا المسئولية عن هذه الدعوة الفوضوية التي تصدر عن جهة مجهولة، وبين الدعوة للاحتجاج علي ارتفاع الاسعار والفساد ونقص الخدمات، وبين الدعوة للعصيان المدني الشامل الذي ينتهي باسقاط النظام القائم. وكان طبيعيا كذلك أن تتشوش الوسائل التي تحقق هذا الهدف المشوش، فتجمع بين الدعوة للانقطاع عن العمل وإغلاق المتاجر والبقاء في المنزل، والدعوة للتظاهر في الميادين العامة في اليوم نفسه، وتصل إلي ذروة التشوش في الدعوة للعصيان المدني العام، الذي يعني أن يظل كل المصريين في بيوتهم ويعطلوا كل وحدات الإنتاج والخدمات، من المصانع الي المتاجر ومن المواصلات إلي المستشفيات ومن المخابز إلي المتاجر، إلي حين سقوط النظام القائم، من دون أن يقول لهم أحد ممن تزعموا الدعوة علي شبكة الانترنت، كيف يمكن الجمع بين البقاء في البيت وبين التظاهر في الميادين العامة في الوقت نفسه، وبين الاضراب ليوم واحد، والعصيان لاجل غير مسمي، إلي أن يسقط النظام، من دون أن يعلن أحد منهم اسمه، أو يسفر عن وجهه، ليعرف المصريون اسم قائد ثورة 6 إبريل 2008، الذي سيحكم البلاد بعد اسقاط النظام الحالي، ليتبينوا ما إذا كان أهلا لذلك، أم أنه لا يصلح حتي لكي يكون شيخ خفر في إحدي قري الصعيد الجواني! مشكلة الدعوة لاضراب 6 ابريل 2008 انها عمل عشوائي محض، قادته انفعالات غضب وسخط ينفس أصحابها ومعظمهم من الشباب، عن أنفسهم، فيما يتبادلونه من رسائل علي شبكة الانترنت، يتوهمون أنها أفكار سياسية، في حين أنها مجرد تنفيس عن مشاعر إحباط بسبب البطالة وارتفاع معدلات الفساد والأسعار وبطء معدلات الاصلاح في كل مجال، يتوهم أصحابها أن الحل هو تهديم ماهو قائم، من دون أن يكون لديهم أي تصور لما سوف يحل محله.. وبسبب هذه العشوائية لم يعرف أحد من المصريين ماهو المطلوب منه أن يفعله بالتحديد يوم 6 إبريل، ولأي هدف بالذات، ولا من الذي يطلب منه ذلك، وانطلقت الشائعات العشوائية المتناقضة، يقول بعضها أن مظاهرات ستخرج في هذا اليوم للتضامن مع غزة، وأخري تقول أن حرب شوارع ستنشب بين الشرطة والمتظاهرين، وثالثة تحذر ركاب المترو من استخدامه في هذا اليوم حرصا علي حياتهم، ورابعة تنصح طلاب المدارس بعدم الحضور فيه. ولولا ما حدث في المحلة بعد ظهر يوم الاحد الماضي، لظل الخلاف قائما حتي الآن، حول نسبة النجاح والفشل في تحقيق الهدف العشوائي غير المحدد الذي كان مفروضا أن يتحقق في ذلك اليوم، حين زحف العشوائيون الذين يقطنون خلف مساكن العمال، إلي شوارع المدينة، ليبدأوا حملة تخريب ونهب منظمة، تحرق المحلات وتسرق محتوياتها، وتحطم المدارس، وتشعل النيران في فلنكات القطارات، بينما العمال الذين بدأت الدعوة بهدف التضامن معهم، يعملون في مصانعم ويحمون آلاتهم! وليست هذه أول مرة، يحدث ذلك في مصر، فقد حدث في حريق القاهرة عام 1952 وفي أحداث يناير 1977، وفي المرتين كان هناك غضب شعبي مشروع، وكانت هناك دعوات عشوائية وفوضوية للتمرد لاتجد عقلا سياسيا أو كيانا منظما ومسئولا يقودها، ويحافظ علي طابعها السلمي والديمقراطي، ويحدد لها هدفا واضحا.. فكانت النتيجة أن تسلم قيادتها البلطجية واللصوص والمخربين، وأفسدت ولم تصلح! وهذا هو درس 6 ابريل 2008 الذين ينبغي أن يتفهمه كل من يعنيه الأمر.