عندما تتقن اللغة الصينية فباستطاعتك الحديث مع (سدس) سكان العالم، وعندما نقترب أكثر من الصين سنجد أن سورها الذي كان يرتفع عاليا عبر التاريخ وعززته ودعمته فترة الحكم الشيوعي في زمن (ماوتسي تونغ)، قد ينخفض مجددا في زمن (دنغ سياو). ليس فقط ينخفض بل ويشرع بوابات متعددة نحو العالم والصين التي قال عنها (نابليون): اتركوا المارد الأصفر نائما ولا تزعجوا غفوته. فإن المارد اليوم تملل ونهض لكن ليس على طريقة اللعبة الغربية الإمبريالية في الغزو، لكن عبر الاقتصاد القوي المتوثب الذي يطمح إلى تمهيد طريق الحرير بينه وبين العالم. الصين ليست حضارة عريقة تضرب جذورها في عمق التاريخ فقط, بل أيضا اقتصاد حي نشط متألق ينمو بسرعة صاروخية فقد بلغت قيمة الصادارت الصينية للعالم في العالم الماضي وحده (1400) مليار دولار أمريكي، هذه البيئة الاقتصادية النشطة والحيوية التي تحاول أن تتجاوز عيوبها ومواطن ضعفها، بدأت تسترجع جميع العقول الصينية المهاجرة بعد أن تحولت بشكل ايجابي بيئتها الصناعية والتقنية وأصبحت جاذبة ومستقطبة للقدرات البشرية وليست منفرة لها، فحسبما ورد في إحدى محاضرات مؤسسة الفكر العربي استطاعت الصين أن تستعيد ما يوازي من (79%) من عقولها المهاجرة في أنحاء العالم، بينما على مستوى العالم العربي ما برح نزيف الهجرة مستمرا في هذا المجال! وفي عام 2006 عندما أكد الرئيس الأمريكي على وجوب الفطام من نفط الشرق الأوسط، لم يفطن إلى أن (60%) من نفط السعودية يذهب إلى دول آسيا (الصين - الهند) وليس الدول الغربية، بينما تقع الصين في المرتبة الثانية بالنسبة للدول المصدرة للمملكة. العالم العربي يحمل ذاكرة بيضاء مع الصين منذ زمن الفاتح المسلم (محمد الثقفي) الذي وقف على تخومها، والذاكرة الجمعية الإسلامية تعرف بأن هناك علوما عظيمة لدى الصينيين لا بد أن نجد في طلبها والوصول إليها. الصين لم تتورط في اللعبة السياسية في الشرق الأوسط حيث ركام التاريخ الدامي من الحروب والثورات وثغور الاستعمار (هي القوة الوحيدة التي بدت مقبولة ومرضي عنها لحفظ السلام في دارفور السودانية دون أن يتخذ الوضع أبعادا دينية أو مذهبية). الصين ظلت قصية نظيفة الأيدي فقط في حالة ترقب قلق لجميع الأحداث أو ليصبح أقصى همها هو أن يظل طريق الحرير ممهدا لقوافلها. الصين هي وعد قادم... ومن هنا تظهر أهمية الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين العالم الماضي لها والتي فتحت أبوابا واسعة للمستقبل بين البلدين بعيدا عن هيمنة وطغيان القطب الواحد اللاعب في المنطقة، وعندما استقبل حفظه الله أعضاء ندوة الحوار بين الحضارات والتي نظمتها وزارة الثقافة والإعلام هذا الأسبوع في الرياض إنما هو يؤكد على هذا البعد في العلاقة بين البلدين. بعد أن كان أبرز توصيات تلك الندوة هي وجوب إقامة مراكز ثقافية عربية صينية لتعزيز جوانب الحوار والتبادل بين البلدين. لا بد من إعادة تمهيد طريق الحرير، ورصفه وتشجيره، وإضاءته بكل الأماني والطموحات التي تحلم بها الشعوب لمستقبلها بعيدا عن تسلط الامبراطوريات العابرة للقارات.