النتيجة المؤكدة الوحيدة لمؤتمر انابوليس انه لن يفشل ولن ينجح عليك أن تحدد أولا موقعك علي خريطة الصراع في الشرق الأوسط ومن أين تراه لكي تطلق حكمك عليه. فإذا كنت عربيا فلسطينيا تعاني هوان الاحتلال وويلاته فالمؤتمر لن يحقق حلمك بالتسوية العادلة التي طال انتظارها وبالتالي فهو فاشل مقدما. ولكن إذا كنت أمريكيا أو إسرائيليا لا تريد أن تدفع ثمنا للسلام فان المؤتمر سيكون ناجحا للغاية لأنه لن يلزمك بشيء سوي إطلاق مفاوضات دون تحديد سقف زمني لها. أما إن لم تكن هذا ولا ذاك فأنت في مأزق حقيقي للحكم علي المؤتمر لأنه إذا كان الفشل يعني أن يخرج المشاركون غاضبون دون اتفاق فهذا لن يحدث ولو كان النجاح معناه تحقيق الهدف التاريخي بتسوية القضية الفلسطينية فهذا أيضا لن يحدث. انابوليس بهذه الصورة الغامضة ليس استثناء من الحالة الضبابية التي تكسو كل شي في الشرق الأوسط وفي السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جورج بوش أيضا ولان الاحتكام إلي المنطق الطبيعي في محاولة فهم ما يجري في المنطقة أو ما تفعله تلك الإدارة يقود غالبا إلي لا شيء فلا مفر إذن من الرجوع إلي القاموس السياسي الذي تعاملت به الإدارة لتقويم المؤتمر حتي قبل انعقاده وكما يمتلئ هذا القاموس بالكثير من التعريفات المعكوسة علي غرار حرية العراق وليس غزوه أو تحريره بدلا من احتلاله أو الإرهابيين بدلا من المقاومة تبوأ انابوليس موقعه سريعا في هذا القاموس فالانعقاد يعني النجاح, وبالتالي فان الفشل كلمة غير موجودة والسلام معناه إطلاق المفاوضات وليس التوصل لاتفاق. وتلك الكلمة الأخيرة تعني قبول التفاوض وليس إبرام معاهدة. وما دام الأمر كذلك ومادامت كونداليزا رايس أميرة عرس انابوليس قد أعلنت أن المؤتمر بداية وليس نهاية فقد أصبح النجاح مضمونا وعلينا أن نهنئ أنفسنا من الآن!. اخطر ما في تلك الصورة المزيفة أو الانجاز الوهمي الذي تحاول إدارة بوش تسويقه للعالم هو أنها تعني أن الخطوة التالية ستكون مزيدا من المطالب والضغوط الموجهة إلي الدول العربية للحصول علي مقابل. وتكشف المواقف والتصريحات الصادرة من أكثر من عاصمة عربية مؤخرا إدراكها لهذه الحقيقية. ومحاولتها لقطع الطريق مبكرا أمام أي مطالب أمريكية عبر التأكيد علي أنها لا تعترف بان انعقاد المؤتمر في حد ذاته نجاح. وبما يعني أنها ترفض مقدما دفع أي ثمن. الاتصالات المصرية ووفقا لما ذكره مسئول أمريكي ل الأهرام فقد أجرت مصر خلال الأيام العشرة الماضية اتصالات مكثفة مع الإدارة الأمريكية شملت محادثة هاتفية بين وزير الخارجية احمد أبو الغيط ورايس وثلاثة اجتماعات مطولة بين السفير المصري في واشنطن نبيل فهمي ورايس وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي. واستهدفت كلها وفقا لما قال المسئول الأمريكي توضيح موقف مصر بأنها لا تشارك الولاياتالمتحدة وجهة نظرها في أن مجرد انعقاد المؤتمر انجاز كبير وإن كان خطوة جيدة, ولكن الأهم هو ما سيتلوه. أما علي الجانب المصري فقد لخص السفير نبيل فهمي بلغة أكثر دبلوماسية مضمون تلك الاتصالات والرسائل التي ابلغها للإدارة الأمريكية بعد أن طلبنا منه إيضاحا لما قاله المسئول الأمريكي وذلك في النقاط التالية: * الموقف المصري الذي تم إبلاغه بوضوح تام إلي الإدارة الأمريكية هو أن المؤتمر يجب أن يأخذ في اعتباره كأحد مراجع الاستناد أسس عملية السلام وهي عملية شاملة علي مختلف الجبهات ومع كل الأطراف التي لها نزاع مع إسرائيل. وبالتالي فان المرجعية هنا يجب أن تظل كما كانت دائما للقرارات الدولية خاصة242 و338 ومرجعية مؤتمر مدريد والمبادرة العربية. بناء علي ما سبق فان خريطة الطريق وفقا للموقف المصري تعني فقط بالمسار الفلسطيني وليس مرجعية للسلام الشامل باعتبارها خطة تنفيذية وبالتالي فهي لا ترقي إلي مستوي المرجعية السياسية. ما ينطبق علي المسار الفلسطيني يجب أن ينطبق أيضا علي المسار السوري. ويجب مشاركة سوريا ودعوتها بصيغة مناسبة وبما يعكس أن المؤتمر يعقد في إطار السعي للحل الشامل والرغبة في فتح الحوار مع مختلف الأطراف العربية حتي ولو كان التركيز علي القضية الفلسطينية. التقويم النهائي للمؤتمر والحكم بنجاحه أو فشله سيكون لاحقا وليس سابقا عليه( لاحظ التعبير الدبلوماسي للالتفاف علي القول بان الانعقاد ليس نجاحا). وعوامل هذا التقويم ستستند إلي ما يصدر عن المؤتمر من مستندات وبيانات مهمة لان الهدف ليس مجرد مفاوضات أو إقامة احتفالية. * مفهوم النجاح من وجهة النظر المصرية والذي تم إبلاغه للإدارة الأمريكية يأخذ في الاعتبار طبيعة الإجراءات التي ستتخذ قبل المؤتمر وتعلن خلاله خاصة ما يعرف بإجراءات بناء الثقة. * التأكيد علي أن مفاوضات الحل النهائي يجب أن تتم في أطار آليات واضحة لمتابعة التفاوض حتي نضمن لها الجدية والتواصل. ويجب أيضا أن تتم المفاوضات في إطار جدول زمني محدد ولا تكون مفاوضات مفتوحة. وبشكل أكثر وضوحا والكلام للسفير المصري يجب أن تنتهي المفاوضات بالاتفاق علي إقامة الدولة الفلسطينية خلال العام المقبل. جدوي الاجتماع ما يقوله السفير بعبارات مغلفة بالدبلوماسية والكياسة تجهر به ليل نهار الصحافة الأمريكية وهي لا تخفي تشككها في جدوي المؤتمر وفي نجاح المفاوضات الثنائية التالية له في حل القضايا العالقة التي تحطمت علي صخرتها كل المفاوضات السابقة وهي القدس واللاجئون والحدود والمياه. يضاف إلي ذلك عوامل سلبية آنية أهمها هشاشة الوضع الداخلي لرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت والانقسام الفلسطيني. أما الوسيط الأمريكي الذي انتبه لأهمية تسوية القضية الفلسطينية بعد ست سنوات من التجاهل فموقفه لا يقل صعوبة. كما أن ما تبقي لبوش من وقت في منصبه وهو عام تقريبا يغري الإسرائيليين بالتهرب من أي التزام جدي انتظارا للإدارة المقبلة بهدف إضاعة المزيد من الوقت في التفاوض معها عندما تكون مستعدة لهذا الملف. ثم وهو الأهم انتزاع مكاسب إضافية منها بعد أن قدم بوش إلي إسرائيل أقصي ما لديه وعلي رأسه الموافقة علي ضم كتل استيطانية بالضفة لحدودها النهائية. عندما يكون الحال علي هذا النحو فلن تجدي أساليب ومهارات المراوغة الدبلوماسية في تجميل الصورة. وهنا لا يجد السفير نبيل فهمي بدا من الاعتراف بأنه من غير الممكن إنكار القلق الذي ينتاب الكثيرين بشأن الجهد التفاوضي بعد7 سنوات من الجمود. وهو ما يطرح تساؤلات حقيقية حول فرص النجاح. بل أن صيغة المؤتمر نفسه كما طرحها بوش باعتباره اجتماعا لتسهيل الظروف التي تسمح بالإنشاء العاجل للدولة الفلسطينية هذه الصيغة والكلام للسفير غير كافية بالنسبة لمصر. ويقول إن موقفنا كان الترحيب بإعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية غير انه يجب أن يكون للمؤتمر أهداف أكثر من مجرد الانعقاد حتي تثق الأطراف المعنية بجديته. مضيفا انه لا ينكر الشكوك السائدة وهي مشروعة. يقول السفير المصري في واشنطن انه كانت هناك رغبة لدي عدد كبير من الدول العربية ومنها مصر بإن يصدر المؤتمر بيانا يتناول بالتفصيل عددا من القضايا الرئيسية ويوضح أسس حلها ولكن في كل الأحول نأمل أن تنجح المفاوضات الثنائية في حل كل القضايا العالقة. فرص النجاح : رغم كل الأسباب الداعية إلي التشاؤم هناك من يري أن الصورة لا يزال بها جانب أكثر إشراقا. من هؤلاء مارتين انديك مدير مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنجز للدراسات السياسية في واشنطن وعضو فريق الشرق الأوسط للسلام في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون. ويعتبر انديك ويختلف معه كثيرون بالطبع انه للمرة الأولي يوجد سبب قوي للأمل في تحقيق السلام. أما لماذا. فلان كل الأطراف الصانعة للسلام أصبحت علي حد قوله في قارب واحد يجرفه تيار التشدد المدعوم من إيران. وإذا لم يجد الجميع وسيلة للإبحار معا فسيغرقون جميعا. وهي رؤية أمريكية معلنة تعيد الحديث عن الأهداف الخفية للإدارة الحالية وراء تذكرها المتأخر جدا للقضية الفلسطينية. وما يتردد من أن هدفها هو مجرد تحريك هذا المسار وليس التوصل إلي تسوية. بهدف التمهيد لحشد تحالف عربي إسرائيلي ضد إيران.