في جو مشحون بالتوتر بين الصحافة والحكومة بسبب صدور أحكام بالحبس ضد صحافيين، ووسط تراجع للمستوى المهني للصحافة المصرية، وتدني أجور الغالبية العظمى من المحررين، وانتقادات لاحتضان النقابة لتيارات سياسية معارضة، جرت انتخابات نقابة الصحافيين المصريين ليختار 4989 صحافياً يحق لهم التصويت نقيباً جديداً لهم خلفاً ل «جلال عارف» الذي انتهت مدة ولايته بعد أن انتخبه الصحافيون لفترتين منذ عام 2003 مدة كل منهما عامان، حيث لا يجيز له القانون الترشح لفترة ثالثة متصلة.. وقبل ساعات من تركه موقعه النقابي التقت «الشرق الأوسط» بنقيب الصحافيين المصريين، جلال عارف، في هذا الحوار.. * حصلتم على وعد من رئيس الدولة، أعلنتموه في مؤتمر عقد بنقابة الصحافيين قبل ثلاث سنوات، بإلغاء الحبس في قضايا النشر.. ماذا تحقق من هذا الوعد برأيكم؟ - تحقق جانب وما زالت هناك جوانب أخرى.. موضوع إلغاء الحبس في قضايا النشر موضوع يشغل بال الصحافيين وهو مطلب لهم منذ سنوات طويلة.. وحين تم تعديل القانون عام 1995، بطريقة أغضبت جموع الصحافيين، قاموا بجهد كبير حتى أسقطوا ما فيه من عوار عام 1996، حيث كان التعديل لا يعترف بحسن النية في نشر ما يعتبره المدعي سباً وقذفاً من الصحيفة.. ومنذ تلك السنة بدأت النقابة تنظر نظرة جادة لإلغاء الحبس في قضايا النشر، وأعدت مشروع قانون بهذا المعنى، لكن البرلمان لم يتخذ أي إجراءات لمناقشته وإقراره.. وفي سنة 2004 صدر الوعد الرئاسي بإلغاء الحبس في قضايا النشر.. وأبلغني رئيس الدولة بذلك في مؤتمر للنقابة في تلك السنة.. كان من المتصور إمكانية إنجاز الوعد بسرعة، لكن، بعد أسابيع قليلة، قلت إن أمامنا معركة كبيرة وصعبة من أجل تنفيذ هذا الأمر، لأن المجتمع فيه قوى مختلفة.. قوى مناهضة للحريات.. قوى فاسدة تخشى من الحريات الصحافية.. قوى لا تؤمن بالديمقراطية وتعتبرها رجسا من عمل الشيطان.. خضنا هذه المعركة على مدى أكثر من سنتين ونصف السنة حتى تم إلغاء الحبس في قضايا السب والقذف بواسطة النشر بالصحف، العام الماضي.. أعتقدُ أن الجماعة الصحافية لم تعلن عن جمعية عمومية مفتوحة لأعضائها من أجل حرية الصحافة إلا في عام 2006، للمطالبة بمزيد من الحرية للصحافة والنشر، كما قامت بمسيرات للبرلمان لذات الغرض شارك فيها صحافيون كبار أتبعها احتجاب العديد من الصحف المصرية عن الصدور، وهذا أمر لم يحدث بمثل هذه الكثافة والحضور منذ ما يقرب من 40 عاماً. * نعم.. لكن هناك أحكاما صدرت ضد صحافيين، بل رؤساء تحرير صحف، بالحبس في قضايا نشر.. ما تفسيركم لذلك؟ - أولاً.. الصحافيون الذين صدرت ضدهم أحكام بالحبس لم توجه لهم تهم السب والقذف، ولكن تهم مسندة لمواد قانونية تجرم ما تعتبره نشراً بالصحف يسيء لسمعة البلاد، أو يكدر السلم، أو يضر بالوضع الاقتصادي للبلاد، وغيرها من المسميات.. نحن لدينا في مصر ترسانة قوانين للحبس في قضايا النشر.. بعضها يتعلق بالأمن وبعضها يتعلق بالاقتصاد وغيره.. لو كنا عام 2006 انتظرنا لإلغاء كل هذه المواد السالبة لحرية النشر ما تحقق شيء.. وبالنظر إلى أن جرائم السب والقذف كانت تمثل 98% من القضايا المرفوعة على صحافيين (11 صحافيا منهم 6 رؤساء تحرير الشهر الماضي) ركَّزنا جهودَنا في تلك السنة على إلغاء الحبس في قضايا السب والقذف.. هذا تحقق بالفعل، لكنه يظل مجرد مرحلة أولى من وعد الرئيس بإلغاء الحبس في قضايا النشر.. ومع ثقتي في أن الصحافيين الذين صدرت ضدهم أحكام (ابتدائية) بالحبس سيتم الإفراج عنهم (في مراحل التقاضي اللاحقة)، إلا إن الجمعية العمومية للصحافيين عليها أن تواصل المطالبة بإلغاء باقي المواد القانونية التي تؤدي للحبس في قضايا النشر.. * لكن الملاحظ أن القضايا التي حُكم فيها بالحبس على الصحافيين الشهر الماضي لم يرفعها متضررون مباشرون من النشر، ولكن تقدم بها أشخاص قالوا إنهم تأذوا بسبب نشر صحف لموضوع ما عن شخص بعينه، كيف تفسر ذلك؟ - هذا هو ما طالبنا بإلغائه، وهو «الحسبة» في رفع القضايا على الصحافيين.. الذي يضار من النشر عنه في صحيفة، عليه أن يلجأ بنفسه للقضاء.. لا يصح أن يقوم كل واحد ماشي في الشارع برفع قضية على صحيفة لأنها نشرت كلاماً «عكَّر دمه» عن شخص ما.. هذا مناف للمنطق.. * لكن ألا تعتقد أن هناك، على الجانب الآخر، تراجعاً في مهنة الصحافة في مصر خلال السنوات الأخيرة؟ - التراجع في المستوى المهني موجود.. نعم.. هذا سببه 20 عاما ماضيا من الجمود في المؤسسات الصحافية.. وسببه أيضاً الخلل الذي حدث.. أقصد لم يكن هناك اهتمام بتدريب الأجيال الجديدة.. كان هناك إهمال وغياب للتواصل بين الصحافيين القدامى في المهنة وحديثي العهد من الصحافيين.. وفساد داخل المؤسسات.. وخلط بين الإعلان والتحرير كوسيلة للإفساد.. نحن ورثنا مشاكل كبيرة.. * كلما طرأت مشكلة بسبب قضية نشر اشتكى المجلس الأعلى للصحافة من عدم قيام نقابة الصحافيين بممارسة دورها في تطبيق ميثاق الشرف الصحافي على أعضائها.. كما ان المجلس الأعلى قال في أحدث تقاريره إن العديد من الصحف تخالف ميثاق الشرف بخلطها بين الإعلان والتحرير.. ماذا فعلت النقابة؟ - نحن (نقابة الصحافيين) لسنا مختصين بتطبيق قانون العقوبات على الصحافيين.. نحن لسنا محكمة.. العمل الذي نقوم به هو تطبيق قانون النقابة وتطبيق بنود ميثاق الشرف الصحافي على الزملاء من أعضاء نقابة الصحافيين.. لكن دعنا نقول إنه على الرغم من الظروف الضاغطة التي تمر بها النقابة، للمطالبة بوقف باقي المواد القانونية الخاصة بالحبس في قضايا النشر، وتحسين الأوضاع المادية للصحافيين، وما يتسبب فيه ذلك من استنزاف لطاقتنا.. رغم كل ذلك إلا أننا توصلنا (في النقابة) إلى لائحة جديدة في شهر يوليو الماضي لقيد الصحافيين الجدد، تتضمن العديد من البنود التي يمكن أن تسهم في ضبط الأوضاع داخل المؤسسات الصحافية، ومنها أنها (اللائحة) تعتبر العمل في الإعلانات، أو الاشتغال بأعمال إدارية أو غير صحافية في المؤسسة، من الأسباب التي تفقد العضو شرطا من شروط العضوية العاملة، وكذلك تحظر عمل الصحافي بأجر لدى الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة بما يؤثر في طبيعة عمله، وتشترط ابتعاد الصحافي عن إقامة أي تعاملات مع مصادر الأخبار.. *متى تعتقدون أنه من الممكن تطبيق الشروط الواردة في اللائحة الجديدة بحذافيرها؟ - هذا يحتاج إلى الكثير من الوقت.. كما انه لا بد من مناخ عام داخل المؤسسات الصحافية لكي يساعد على تطبيق اللائحة.. يعني الصحيفة تكون حريصة على إبلاغ النقابة باسم الصحافي الذي يعمل بالإعلانات، لأن المفترض فيها أنها تعرف أن ذلك يقلل من قيمتها، ومن قيمة الصحافي الذي يعمل في الإعلان.. أعتقد أن ما يمكن أن يساعدنا في ذلك أيضاً هو عدة إجراءات منها الفصل الكامل بين الإعلان والتحرير، ووقف تأجير الوزارات (الحكومية) لصفحات في الصحف، وأن تبادر تلك الصحف بمنع أي استفادة (مادية) قد يحصل عليها الصحافي من المصادر التي يتعامل معها، إضافة لتطبيق لائحة أجور جديدة.. * كل مرشح جديد لموقع نقيب الصحافيين، وحتى لعضوية مجلس النقابة، يقول في دعايته الانتخابية انه سيعمل على زيادة أجور الصحافيين.. ماذا فعلتم في هذا الشأن منذ توليكم المسؤولية، وكيف يمكن أن تتحقق زيادة فعلية في الأجور؟ - من قبل.. قبل أن أصبح نقيباً للصحافيين قبل 4 سنوات، كنا نتحدث عن لائحة الأجور في المطلق.. بدون طريقة محددة لذلك، قائلين: ينبغي تحسين الأجور، «وخلاص».. لكن بعد ذلك، ولأول مرة، قمنا، عن طريق مختصين بصياغة مشروع يجعل بين أيدينا لائحة للأجور بطريقة علمية.. هذه اللائحة تتضمن حداً أدنى لأجور الصحافي عند تعيينه في إحدى المؤسسات الصحافية.. وحداً أدنى للأجور له صفة الدوام.. أي بعد خمس سنوات يكون الحد الأدنى «كذا» وبعد عشر سنوات يكون «كذا».. هذا من شأنه أن يزيل الفوارق الرهيبة في الأجور بين قلة تأخذ مبالغ خرافية والغالبية التي لا تأخذ أي شيء.. * وأين مشروع القانون الآن.. لماذا لم يطبق.. ثم من أين سيتم تدبير الموارد المالية لزيادة الأجور؟ - المشروع أقرَّ في الجمعية العمومية للصحافيين، وبدأنا التفاوض مع المجلس الأعلى للصحافة، ومع المؤسسات الصحافية.. لكن هناك كلاما بأن المؤسسات ليس لديها تمويل كاف خاصة المؤسسات الصغيرة.. ولتيسير الأمر قمنا، من جانبنا (النقابة) برفع مذكرة لرئيس الدولة تتضمن اقتراحاً بأن يقتصر تحصيل الدولة لنسبة من ضريبة الإعلانات على 10% بدلاً من 15% وأن تخصص ال5% الأخرى لتمويل الأجور.. الرئيس أحال المذكرة للمجلس الأعلى للصحافة لمتابعة تنفيذ ما ورد فيها، وأتمنى أن تخرج لحيز التنفيذ في المرحلة المقبلة، لكن ينبغي أن يستمر الصحافيون في المطالبة بلائحة الأجور الجديدة، حتى تُطبق على أرض الواقع.. * هناك جدل بدأ منذ الاشتباك الذي وقع بين متظاهرين والشرطة أمام نقابة الصحافيين عام 2005، حيث يتهم البعض النقابة بتحولها إلى ملجأ لمعارضي الحكومة من تظاهرات حركة كفاية وأحزاب معارضة إضافة لمؤتمرات الإخوان الصحافية.. بل إن مرشحين لموقع النقيب أعلنوا أنهم لن يسمحوا باستخدام النقابة كمقر للناشطين السياسيين.. كيف ترى الأمر؟ - نقابة الصحافيين هي نقابة رأي عام.. نحن نقابة في قلب العمل السياسي.. إذا لم يخرج الكلام عن (المطالبة ب) الديمقراطية والإصلاح متضمناً في القلب منه (المطالبة ب)حرية الصحافة فإن مثل هذا الكلام لن يكون له معنى.. حرية الصحافة هي قضية مجتمع وليست قضية فئة.. كل منظمات المجتمع المدني معنا في (المطالبة ب) حرية التعبير.. نحن في النقابة نعمل بالسياسة؛ لا الحزبية.. نحن نقابة تضم كل التيارات وكل واحد (من أعضاء النقابة) معروف انتماؤه السياسي، لكن حين يأتي لا بد أن يمثل جموع الصحافيين، وأن يعمل للمصلحة العامة.. * سيرة ذاتية : جلال عارف * يعدّ «عارف» أول نقيب للصحافيين المصريين ينتمي لتيارات سياسية غير حكومية (ناصرية) منذ عدة عقود، وقد تم انتخابه على فترتين منذ عام 2003، وهو صحافي بمؤسسة أخبار اليوم العريقة، وكاتب في عدد من الصحف المصرية والعربية.. وقبل أن يترك موقعه النقابي بساعات عبَّر عن ثقته في قدرة الصحافيين المصريين على مواصلة العمل من أجل استكمال عدة مشروعات يعتقد أنها يمكن أن تعيد للصحافة المصرية مكانتها، بعد أن حدد، مع مجلس نقابته، المنتهية ولايته أيضاً، أهم ملامحها، بل وحصل على بعض نتائجها.. ومن تلك المشروعات التي يرى «عارف» أنها ما زالت تتطلب المزيد من العمل، تحقيق ما تبقى من الوعد الرئاسي الذي حصل عليه عام 2004 ب «إلغاء الحبس في قضايا النشر»، والسعي لتطبيق اللائحة الجديدة للعضوية بالنقابة التي تم إقرارها أخيراً بما يمنع الصحافيين من الاشتغال بالإعلانات بصحفهم، أو إقامة علاقات مالية مع مصادرهم، وإنفاذ مشروعه الخاص ب «زيادة أجور الصحافيين»، و«زيادة الموارد المالية للنقابة»، وهو ما يتطلب المزيد من العمل، ليس من النقيب الذي سيشغل موقع «عارف» فقط، بل على جموع الصحافيين المصريين..