أعادت الى الذاكرة محاولة خطف اكثر من مائة طفل من السودان وتشاد عن طريق جمعية فرنسية تدعى "منظمة آرش دو زوي" تعمل فى مجال الاعمال الخيرية مسألة تجارة الرقيق والتى ظن البعض انها اختفت تماما من العالم وخاصة فى تلك الدول التى توصف بالمتحضرة .. الرئيس السوداني عمرالبشير وصف محاولة جمعية "آرش دي زوي" الفرنسية نقل الاطفال الى فرنسا بدعوى انهم من ايتام دارفور في غرب السودان، بانها "تجارة رقيق".موضحا ان هذه العملية جرت على مرأى ومسمع منظمات خيرية غربية والحكومة الفرنسية. وتسآل البشير "هل يريدون إعادة تجارة الرقيق وهم الذين يدعون لحقوق الإنسان وتحقيق الحريات؟". الجريمة البشعة التى تعرض لها اطفال تشاديين وسودانين ،سلطت الضوء على ابطال هذة الجريمة النكراء وهم أحفاد تجار الرقيق الذين تاجروا بالأفارقة لعدة قرون وأساءوا إليهم أيما إساءة . المشهد يتكرر بشكل بشع فقد أوقفت السلطات التشادية الطائرة التي تحمل الأطفال قبيل إقلاعها من أبيشي في الحدود مع السودان واعتقلت فرنسيين وإسبانيين وبلجيكيين متهمة إياهم بالسعي إلى "خطف" أطفال "للاتجار بهم الا ان السيناريو المعد منذ أشهر كتب له الفشل في اللحظات الأخيرة، عندما منعت السلطات التشادية الطائرة من الإقلاع من مطار أبيشي . شهاداتُ الأطفال المخطوفين كشفت الوقائعَ المروّعة لعملية الاختطاف التي شارك فيها تسعة فرنسيين وسبعة إسبانيين. الأطفال ذكروا أن أوروبيين قدموا لهم الحلوى والبسكويت لتشجيعهم على مغادرة منازلهم. منظمة "آرش دو زوي" تدعى بأن العملية كانت تهدف إلى توفير حياة أفضل لأيتام دارفور، فى حين اكد بعض الأطفال إن آباءهم لا يزالون أحياء وإنهم أخذوا من قراهم على الحدود التشادية السودانية. أحد هؤلاء الأطفال ذكر أن بعض التشاديين وعدوهم بإعطائهم حلوى إذا تبعوهم إلى أدري (التي تقع على الحدود التشادية السودانية) ثم يعيدونهم إلى منازلهم، وأشار إلى أنهم نقلوا إلى مستشفى في أدري. التقارير تشير الى ان المنظمة المنفذة لعملية الاختطاف قبضت 2200 يورو عن كل طفل من عوائل فرنسية يفترض إنها ستتبنى 103 أطفال تم انتزاعهم قسراً من أحضان أسرهم . ثلاثة أرباع هؤلاء الأطفال (82 ذكرا و21 أنثى غالبيتهم بين عمر ثلاث وست سنوات) من منطقتي أدريه وتينه التشاديتين المحاذيتين للسودان، والربع الباقي من مخيمات اللاجئين من دارفور. وتبدو المفارقة إن فرنسا، التي تتبنى يتامى دارفور، قد وقعت في نفس الوقت اتفاقاً مع الكونغو، للحد من الهجرة السرية لبؤساء الكونغو، لمحاصرتهم بين أقدار الحرب الأهلية . حركة الرق في افريقيا كانت منذ البدء غربية .. لاشك اننا ندين الرق في كافة صوره ، باعتباره منافيا للقيم الانسانية كافة، لكن بكل اسف تاريخيا معظم الحضارات في الشرق والغرب والشمال والجنوب مارست هذه التجارة، التي تعتبر وصمة عار في جبين البشرية بكل المعايير. وفي هذا الاطار مارست الحضارة الغربية الرق في اقبح صوره في مختلف دول الجنوب، ففي القرن الخامس عشر الميلادي جلبت الولاياتالمتحدة الاميركية آلاف الافارقة للعمل في مزارعها ومصانعها وحرمتهم من ابسط الحقوق. وكانت حركة الرق في افريقيا منذ البدء غربية، وكان ستانلي بيكر من اكبر تجار الرق في العالم. وقد لعبت البعثات التبشيرية دورا مؤسفا في تجارة الرق . وتجسيدا لهذه السياسة الاستعمارية صدر قانون المناطق المقفلة في عام 1922، وقد ادى هذا القانون، بالفعل، الى فصل عضوي تام بين الشمال والجنوب. ويجري وراء الكواليس في اطار وقف اطلاق النار في جبال النوبة، اتفاق للتبشير مقابل السلام. لقد كان للبعثات التبشيرية دور فاعل في اتفاقية اديس ابابا عام 1972 . وتبنت فكرة الاغاثة ذات الاهداف السياسية في جنوب السودان، التي اضرت بسمعة السودان والسودانيين . وهنا يبرز سؤال : ألم يكن الاستعمار الغربي في افريقيا في تحليله النهائي نوعا بشعا من الرق والعبودية؟ الدكتور ديفيد ابتر، الذي يعد من اشهر وابرز علماء السياسة الاميركيين يقول : ان البعثات التبشيرية جزء من ذلك العمل التاريخي الذي قضى بفتح افريقيا للغرب، ولذا فإن التاريخ والهدف بين البعثات التبشيرية والاستعمار مرتبط بلا ادنى انفصام. ويرى المحللون ان قضية دارفور وما وصلت اليه اثارها وتداعياتها وافرازاتها تشكل تحدى واضح للامة السودانية،حيث ادت الى تدخل دولى (حكومات ، منظمات وجمعيات) ويتجلى حالها الماساوى الجديد، اذ صارت ارضا لتجارة الرقيق والجوع والخوف والنزوح ، كما اصبح ارض اقليم دارفور نهبا للطامعين وعمها الخراب والدمار فى بنيتها التحتيه وبيئتها ونسيجها الاجتماعى بعد ان كانت ارضا للسلام والامن والتداخل القبلى. 18/11/2007