هذا الرجل يستحق من كل مصري كلمة وفاء وعرفان وهو يمضي تاركا موقعه الذي لم يحلم به يوما ولم يسع إليه، بل هي الأقدار التي حملته في لحظة تاريخية صعبة وقاسية لأن يحمل لقب رئيس جمهورية مصر.. هذا الرجل يستحق ان نقول له شكرا أيها المستشار الجليل وأنت تعود إلى عالمك الذي أحببت وطريقك الذي اخترت وقد زدت قصر الرئاسة جلالا وتواضعا ونبلا.. أتحدث عن المستشار الجليل عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت وقد أوشك أن يجمع أوراقه تاركا قصر الرئاسة بعد أن أدى دوره بكل الصدق والوفاء والتجرد لهذا الوطن في لحظة هي الأصعب في تاريخ مصر الحديث.. هذا النموذج الوطني الرفيع الذي قدمه المستشار عدلي منصور وضرب للمصريين فيه مثلا وقدم لهم صورة فريدة في الوطنية والولاء.. يخرج الرجل من منصبه المؤقت حاملا معه صفحات مضيئة سطرها في شهور قليلة وعمر المرء ليس بالسنين والأيام ولكن بما يتركه من أثر وقيمة ولا شك أن المستشار عدلي منصور أضاف لمنصب الرئاسة الكثير وترك للمصريين ذكرى رجل نبيل تحمل المسئولية بشرف وأدى دورا كبيرا في حماية وطن يعيش مأساة الانقسام. إن أقدار الرجال تقاس حسب الأدوار والظروف وحجم التضحيات وحين جاء المستشار عدلي منصور إلى كرسي الرئاسة لم يكن يتصور يوما وهو يجلس على منصة أكبر مؤسسة قضائية في مصر أن الأحداث والأيام والأقدار يمكن ان تلقي به وسط هذه الرياح الصاخبة وهذه الأمواج الغاضبة ليجد نفسه قائد سفينة تحاصرها المؤامرات من كل جانب.. حين كنت أجلس معه منذ أسابيع أقسم لي انه لم يذق في الأيام الأولى من جلوسه على كرسي الرئاسة طعم النوم دقيقة واحدة والأحداث تحيط به من كل جانب.. لم يضع في حساباته ان يجلس يوما على هذا الكرسي الذي يحمل الكثير من الذكريات وكان الرجل في حيرة من أمره لقد اختار القضاء طريقا واختار العدل أسلوب حياة وكان يرى ان تحقيق العدالة بين الناس هو أرقى وأعلى مناصب الدنيا وأن السياسة عالم فسيح وطريق طويل وصعب يتطلب أشياء كثيرة كما أن سنوات العمر قد امتدت به وهو بعيد عن السياسة فكيف يجد نفسه مطالبا في لحظة صعبة ان يقوم بهذا الدور الكبير والبلاد تواجه محنة قاسية.. وقبل الرجل ان يتولى منصب الرئاسة الذي لم يحلم به يوما.. استطاع المستشار عدلي منصور أن يقدم تجربة قصيرة ورائدة في حكم البلاد بلا صخب أو ضجيج. على المستوى الداخلي اتسمت خطواته وقراراته بالحكمة والمسئولية ورغم اللحظات الصعبة التي واجهتها مصر إلا ان الرجل تعامل معها بكل الصدق والأمانة وظهر أمام الناس بصورة لم يعتادوا عليها في البساطة والتواضع والإنسانية والزهد في الأضواء.. وعلى المستوى الخارجي كان الرجل حريصا ان يلملم جراح وطنه أمام العالم وان يقدم نموذجا طيبا للإخوة مع الأشقاء خاصة السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن الذين وقفوا معنا ويقدم للعالم صورة كبرياء وطن يرفض الخضوع في لحظة محنة والمؤامرات تحيط به من كل جانب وقد نجح في توصيل الرسالة في رحلات قصيرة عابرة للخارج أو في أحاديث قصيرة ولقاءات للإعلام قدم فيها صورة رئيس مصر بعيدا عن الصخب والضجيج.. لقد عاش المستشار عدلي منصور تجربة صعبة أمام الفوضى والإنقسامات والعنف والدماء التي تتدفق في الشوارع.. وعاش لحظات قاسية والبلاد تعبر من عنق الزجاجة في مشاكل وأزمات يومية في الأمن والطعام والمعارك والمؤامرات الخارجية ولكنه صمد أمام هذه التحديات وحين التقيته قال لي منذ أسابيع انني متفائل جدا بمستقبل مصر وقد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح فقد انتهت معركة الدستور وسوف يكون لمصر رئيس جديد يتحمل المسئولية وسوف نبدأ رحلة البناء للمستقبل بعد ان تجاوزنا هذه الظروف الصعبة.. ان هذا القصر الذي يغادره المستشار عدلي منصور شهد أحداثا وقرارات كثيرة عبر سنوات طويلة بعضها الأن مازال أمام العدالة حيث يقف رئيسان سابقان لمصر أمام القضاء في مشهد لم يحدث من قبل في تاريخها الحديث وقد كانت الفترة التي قضاها المستشار عدلي منصور رئيسا مؤقتا لمصر من أصعب المراحل في حياة المصريين.. لقد وجد الرجل نفسه أمام قرار شعبي بأن يتولى المسئولية وشهد الشارع المصري أحداثا دامية ما بين العنف والفوضى والإرهاب.. وأمام ظروف اقتصادية قاسية وجماعة تخلت عن كل مشاعر الانتماء لهذا الوطن فخرجت تحرق كل شئ فيه.. جامعات تحترق وشوارع يسكنها الصخب وانتاج توقف ومؤسسات تعاني حالة من الشلل وجيش يحارب بضراوة فلول الإرهاب في سيناء وجهاز أمن تحاصره المؤامرات من كل جانب وعالم ينتظر نهاية المواجهة لكي يبدأ مشروع التقسيم في المنطقة كلها على أطلال أوطان وشعوب تضيع.. هذه الأحداث التي شهدتها مصر بكل مؤسساتها كانت تمثل عبئا ثقيلا على كل مصري فما بالك إذا كان هذا المصري هو رئيس الدولة وصاحب القرار فيها وسوف يحاسب أولا أمام شعبه ثم يحاسب أمام التاريخ حين يقول كلمته.. لقد تعامل المستشار عدلي منصور مع هذا الواقع الصعب بهدوء وحكمة وكان الصدق واضحا في كل مواقفه وسلوكياته.. ان الرئيس عدلي منصور الآن وهو يغادر قصر الرئاسة سيكون الرئيس رقم 6 في سلسلة الرؤساء الذين حكموا مصر منذ ثورة يوليو 1952 وحتى الأن وسوف يحتل مكانة مضيئة رغم الأشهر القليلة التي تولى فيها مسئولية هذا المنصب لأن العبرة ليست بالبقاء طويلا ولكن العبرة بالحكمة والأمانة وشفافية القرار. سيكون الرئيس المؤقت عدلي منصور أول رئيس في تاريخ مصر الحديث يترك القصر الرئاسي مختارا لينضم إلى صفوف المواطنين العاديين ويكمل حياته كما أحب وكما أراد. هذه كلمة عرفان ووفاء وحب من مواطن مصري لرجل جليل قبل ان يترك موقعه وقد أدى دوره بكل الشرف والنبل والأمانة.. في خدمة مصرنا الغالية. ..ويبقى الشعر مَا زلتُ أركضُ فى حمَى كلماتِى الشِّعْرُ تاجى والمدَى ملكاتِى أهْفو إلى الزَّمَن الجميل يهُزُّنى صخبُ الجيَاِد وفرحة ُ الرَّايَاتِ مازلتُ كالقدِّيس أنشرُ دعوَتِى وأبشِّرُ الدُّنيَا بصُبْح ٍ آتِ مازلتُ كالطفل الصَّغير إذا بَدَا طيفُ الحنَان يذوبُ فى لحظاتِ مَازلتُ أعْشقُ رغْمَ أن هزَائمِى فى العشْق كانتْ دائمًا مأسَاتِى وغزوتُ آفاقَ الجمَال ولم يزلْ الشِّعْرُ عندى أجملَ الغزوَاتِ واخترتُ يوْمًا أن أحلقَ فى المدَى ويحُومُ غيْرى فى دُجَى الظلمَاتِ كمْ زارنِى شبحٌ مخيفٌ صامتٌ كمْ دارَ فى رأسى وحَاصَر ذاتِى وأظلُّ أجرى ثمَّ أهربُ خائفًا وأراهُ خلفِى زائغَ النَّظراتِ قد عشْتُ أخشَى كل ضيْفٍ قادم ٍ وأخافُ منْ سفهِ الزمان الْعَاتى وأخافُ أيَّامَ الخريفِ إذا غدتْ طيفًا يُطاردُنِى على المرْآةِ مَازلتُ رغمَ العُمْر أشعُرُ أننِى كالطفْل حينَ تزُورُنى هفوَاتِى عنْدى يقينٌ أنَّ رحْمَة خالِقِى ستكونُ أكبرَ منْ ذنوب حَيَاتِى سافرتُ فى كلِّ البلادِ ولمْ أجدْ قلبًا يلملمُ حيرَتى وشتاتِى كم لاحَ وجهكِ فى المنام وزارنِى وأضاءَ كالقنديل فى شرُفاتِى وأمامِى الذكرَى وعطرُكَ والمنىَ وجوانحٌ صارتْ بلا نبضاتِ ما أقصرَ الزمنَ الجميلَ سحابة ً عبرتْ خريفَ العمْر كالنَّسَمَات وتناثرتْ عطرًا على أيَّامنَا وتكسَّرتْ كالضَّوْء فى لحَظاتِ ما أصعبَ الدُّنيا رحيلا ًدائمًا سئمتْ خطاهُ عقاربُ السَّاعَاتِ آمنتُ فى عينيكِ أنَّكِ موطِنِى وقرأتُ اسْمكِ عندَ كلِّ صَلاةِ كانتْ مرايَا العمْر تجْرى خلفنَا وتدُورُ ترْسُمُ فى المدَى خطواتِى شاهدتُ فى دَنَس البلاطِ معابدًا تتلى بهَا الآياتُ فى الحاناتِ ورأيتُ نفْسِى فى الهواءِ مُعلقًا الأرضُ تلقينِى إلى السَّمَواتِ ورأيتُ أقدارَ الشعُوبِ كلعبةٍ يلهُو بهَا الكهَّانُ فى الْبَاراتِ ورأيْتُ أصنامًا تغيِّرُ جلدهَا فى اليوْم آلافًا من المرَّاتِ ورأيتُ منْ يمشِى على أحلامِهِ وكأنَّهَا جُثثٌ من الأموَاتِ ورأيتُ منْ باعُوا ومنْ هجرُوا وَمَنْ صلبُوا جنينَ الحبِّ فى الطُّرُقاتِ آمنتُ بالإنْسَان عُمْرى كلهُ ورسمتُهُ تاجًا على أبياتِى هوَ سيِّدُ الدُّنْيا وفجْرُ زمَانهَا سرُّ الإلهِ وأقدسُ الغَايَاتِ هو إنْ سمَا يغدُو كنجم مبْهر وإذا هوَي ينحط ُّ كالحشراتِ هلْ يسْتوي يومٌ بكيتُ لفقْدهِ وعذابُ يوم ٍ جاءَ بالحسرَاتِ ؟! هلْ يستَوي صُبحٌ أضاءَ طريقنَا وظلامُ ليْل مَر باللعناتِ ؟! هلْ يستوي نهرٌ بخيلٌ جَاحدٌ وعطاءُ نهْر فاضَ بالخيرَاتِ ؟! أيقنتُ أنَّ الشِّعْر شاطئُ رحْلتِي وبأنهُ عندَ الهلاكِ نجَاتِي فزهدتُ في ذهبِ المعزِّ وسيفهِ وكرهتُ بطشَ المسْتبدِّ العَاتِي وكرهتُ في ذهبِ المعزِّ ضلالهُ وخشيتُ من سيْف المعزِّ ممَاتِي ورفضتُ أن أحْيا خيَالا ًصامتًا أو صَفحة تطوَي معَ الصفحَاتِ واخترتُ من صَخبِ المزادِ قصَائِدِي وَرَفضتُ سوقَ البيْع والصَّفقَاتِ قدْ لا يكونُ الشِّعرُ حِصْنًا آمنًا لكنهُ مجْدٌ .. بلا شُبُهاتِ والآنَ أشعرُ أن آخرَ رحْلتِي ستكونُ في شِعْري وفي صرَخَاتِي تحْت الترابِ ستختفي ألقابُنا لا شئَ يبْقي غيرُ طيفِ رفاتِ تتشابكُ الأيدي .. وتنسحبُ الرُّوي ويتوهُ ضوْءُ الفجْر في الظلُماتِ وتري الوُجُوه علي التُّراب كأنهَا وشمٌ يصَافحُ كلَّ وشْم آتِ مَاذا سَيبقي منْ بريق عُيُوننا ؟ لا شئَ غير الصمْتِ والعَبَراتِ ماذا سَيَبقي من جَوادٍ جامح ٍ غيْرُ البكاء المرِّ.. والضَّحكاتِ؟ أنا زاهدٌ في كلِّ شيْء بعْدَمَا .. اخترتُ شعْري واحتميتُ بذاتِي زينتُ أيَّامي بغنوةِ عاشِق وأضعتُ في عشْق الجْمال حَيَاتي وحلمتُ يَوْمًا أن أراكِ مَدينتي فوق السَّحاب عزيزة الرَّايَاتِ ورَسَمتُ أسرابَ الجمْال كأنَّها بينَ القلوب مواكبُ الصَّلواتِ قد قلتُ ما عندِي ويكفي أنني واجَهْتُ عصْرَ الزَّيْف بالكلِماتِ قصيدة لكل عمر مرايا سنة 2003 نقلا عن جريدة الأهرام