تشهد حاليا الكثير من المدن الأفريقية – خاصة جنوب الصحراء الكبرى - موجة محمومة من التخطط وإعادة التعمير والتشكيل والتحديث ، مدفوعة في جزء منها بالاستثمارات الاجنبية، والهندسة المعمارية وشركات البناء و المقاولات ، التى تبحث عن أسواق جديدة لها داخل افريقيا . و على الرغم من كون هذه الخطط الإنمائية تتميز بكونها جزء من مخطط التمدن و التحضر الافريقى ، الا انها قد تمثل خطرا على المجتمع فقد تحمل معها ما قد يؤدى الى تعميق عدم المساواة الاجتماعية القائمة بالفعل بين الافارقة فى مختلف بلدان القارة ، و فد تمثل ايضا مصدر نفع يمكن ان تفيد الالاف من الفقراء إذا استجابت الحكومات لاحتياجات مواطنيها فوفقا لدراسة تحت عنوان " أوهام التحضر الأفريقية: أحلام أم كوابيس؟" تم اجرائها بكلية الهندسة المعمارية والتخطيط في جامعة كيب تاون، بجنوب افريقيا .. فان المدن الكبرى بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تشهد حاليا صعود جديد لشركات تطوير العقارات الدولية لتحويل المدن الافريقية لتصبح على شاكله وصورة مدن مثل دبي وشنغهاي وسنغافورة، التي اصبح يطلق عليها اسم "مدينة ذات مستوى عالمي" و تحمل صفات رنانة مثل "المدن الذكية" و "المدن – صديقة البيئة"،. مشاريع التحضر العمرانى و زيادة تهميش الفقراء وترى الدراسة ان هذه الخطط معدة لتحديث المدن الأفريقية وتحويلها إلى بوابات للمستثمرين الدوليين ، وتعد نماذج للانجاز الرائع لبعض السياسيين الطامحين ، الا انها تمثل ايضا فى حقيقة الواقع تناقض صارخ فى هذه المجتمعات مابين الابراج الزجاجية الضخمة و المروج الخضراء المشذبة و نوافير المياة .. و بين طبيعة الغالبية العظمى من سكان الحضر الذين يعيشون في فقر مدقع ومع الحد الأدنى من الخدمات الحضرية، لذا فإن النتيجة الأكثر ترجيحا لهذه الخطط الخيالية هو تفاقم التهميش وعدم المساواة الذى يعاني منه المواطنون بالفعل فى هذه المدن. وتشير الدراسة الى ان تنفيذ هذه الخطط التنموية داخل المدن القائمة يزيد من مخاوف زيادة الهوة و الاستبعاد المجتمعى للفئات ذات الدخل المنخفض والضعيفة من خلال عمليات الإخلاء والترحيل، حيث ان معظم الفقراء في المناطق الحضرية في أفريقيا - يعيشون فى مناطق " عشوائية " دون بنية اساسية او مرافق رسمية ، لكنها تحتل مواقع وأراضي تعد جذابة لمطوري العقارات . و تقول " فانيسا واتسون"، مؤلفة الدراسة - التى تعمل مع برنامج المركز الأفريقي للمدن (ACC) في جامعة كيب تاون- ان التنافس الشديد على الأراضي في المناطق الحضرية التى يقطن بها الفقراء ، سيدفع بهم حتما خارج هذه الاراضى إلى حافة المدن، بعيدا عن الوظائف والمرافق العامة.. كذلك مع تركيز الحكومات على الاستثمار العام في البنية التحتية للمشاريع الجديدة ، سيتم استنزاف الموارد بعيدا عن تقديم الخدمات إلى المناطق ذات الدخل المنخفض، التى يعيش بها غالبية السكان ، وهم سكان الحضر الذين يعيشون في فقر مدقع مع الحد الأدنى من الخدمات الحضرية، لذا فإن النتيجة الأكثر ترجيحا لهذه الخطط الخيالية هو تفاقم التهميش وعدم المساواة الذى يعاني منه بالفعل هؤلاء داخل المجتمع . تحويل التحضر العمرانى ليكون فى صالح الفقراء مجموعة السياسات الإنسانية ODI هى منظمة غير ربحية تهتم بالسياسات والممارسات التي تؤدي إلى الحد من الفقر وتخفيف المعاناة وتحقيق سبل المعيشة المستدامة في البلدان النامية.. و قد اصدرت مؤخرا تقريرا تحت عنوان "سياسات التنمية والمشاريع والاستيلاء على الأراضي و النزوح من المناطق الحضرية".. و فيه تستعرض مخططات بلدان مثل أنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغانا وكينيا ونيجيريا ورواندا وتنزانيا ، بشراكة مع القطاع الخاص للتخطيط و لتطوير المدن الرئيسية و بناء مدن عصرية جديدة .. و يقترح التقرير العديد من السياسات و المخططات لكيفية تحويل النهضة العمرانية فى افريقيا لتكون فى صالح الفقراء بدلا من اسهامها فى زيادة التهميش و الفقر فى اوساط السكان المحللين الاكثر فقرا . و يقول التقرير انه في كينيا، هناك خطط لبناء مدينتين تستوعب كل منهما اكثر من 100 الف نسمة وتشمل المجمعات التجارية ومراكز التسوق .. و تصبو الحكومة لجعل مدينة " كونزا Konza " التى سيتم تشيديها لتكون بمثابة "وادي السيليكون" في أفريقيا، و كجزء من جهود أوسع لجعل نيروبي مركزا لتكنولوجيا المعلومات في المنطقة. فى تنزانيا هناك خطط لتشييد مدينة سيطلق عليها اسم "كيجامونى Kigamboni "، بالقرب من العاصمة التجارية "دار السلام" ، ويقول المدافعون عن هذا المشروع انه سيكون مركز حضري حديث جدا سوف تتنافس مرافقها مع ما هو قائم الان فى دبي وهونغ كونغ وكوالالمبور . و حول امكانية جعل النهضة العمرانية و تشييد المدن البديلة ، و سيلة لتحقيق بعض الفوائد و جذبها لصالح الفقراء بدلا من ان تزيد من عدم المساواة و التهميش الاجتماعي ، يرى " ألبرت نيانجي" محاضر التخطيط الحضري في جامعة نيروبي ، ان المدن البديلة اذا تم التخطيط لها فى سياق اجتماعى و اقتصادى محكم "فالمدن التي يتم التخطيط لها لصالح غالبية السكان تسهم بشكل مباشر في تحسين نوعية الحياة للفقراء". . ويمكن ان تكون ذات فائدة كبرى خاصة للفقراء بالمناطق الحضرية ، مشيرا الى انه في كينيا ، حفزت هذه التطورات العمرانية عمل الحكومة في تطوير البنية التحتية للنقل و الموصلات . و يقول "نيانجي" ان "الاستثمار في نظام نقل فعال هو في حد ذاته لصالح الفقراء لأنه يعني ان يصبح التنقل بأسعار معقولة ، و توفير نظام سكك حديدية كفء يضمن تخفيض اسعار السلع لخفض اسعار نقلها ، كذلك [هناك] العديد من المزايا الأخرى التي تأتي مع التنمية العمرانية ، مثل زيادة اعداد الوظائف و تشغيل الكثير من الايدى العاملة " . ويقول " نيانجى " انه ليس مطلوب من الحكومات استبعاد خطط التطوير الحضارى و العمرانى او وقفها ، بل عليها ان تضمن ان هذه الخطط تراعى الجانب الاجتماعى ، و ان توفر الحوافز للمطورين ولأولئك الذين يمكنهم الاسهام فى توفير السكن اللائق الرخيص الذى يستهدف الفئات ذات الدخل المنخفض . فوائد المدن الجديدة و اعادة تشكيل المدن ان المدن الجديدة يمكن أن توفر "الحل لتخفيف الضغط عن المدن القديمة"، ويمكنها "توفير حل مستدام للتحضر السريع" بدلا من الطبيعة الفوضوية للمدن الأفريقية مثل نيروبي التى تعانى من التحضر السريع وسوء التخطيط .. و تعد مبادرات التنمية الجديدة فرصة لإعادة تخطيط وإعادة تشكيل المدن الأفريقية لمواجهة التوسع العمراني بنظام تفتقر اليه حاليا. اما اعادة تشكيل المدن فهو عامل قوى لتعزيز تقديم خدمات المياه النظيفة والكهرباء، و الصرف الصحى لسكان الأحياء الفقيرة الضعيفة والذين يعانون من التهميش و نقص الخدمات .. فعلى سبيل المثال ، نجد معظم سكان نيروبي يعيشون في الأحياء الفقيرة ، مثل "حي كيبيرا" الفقير، الذي يقع على بعد بضعة كيلومترات من وسط المدينة، هو موطن لحوالي 500.000 إلى 700.000 شخص يعيشون بكثافة تصل لأكثر من 2.000 شخص فى الهكتار الواحد، وفقا لارقام الأممالمتحدة. رافائيل توتس Rafael Tuts ، منسق قسم التخطيط والتصميم الحضري في الأممالمتحدة ، يرى انه في الواقع، إذا تم الحرص على تجنب تفاقم عدم المساواة، " فان أشكال التنمية الحضرية المستدامة يمكن أن تحقق النمو الاقتصادي وحماية البيئة والاندماج الاجتماعي ، و يجعل المدن المخطط لها بالنسبة لغالبية السكان تسهم بشكل مباشر في تحسين نوعية الحياة للفقراء" . ووفقا لرافائيل توتس ، ان اهم عنصر في التخطيط لهذه المدن هو " ضرورة تحسين الكثافة لضمان أن البلدان آلاخذة في التحضر بسرعة ستكون قادرة على تلبية احتياجات سكان المناطق الحضرية الذين تتزايد أعدادهم.. لكن الكثافة وحدها ليست هي الحل. وهناك حاجة أيضا إلى تقليل تقسيم المناطق، وتعظيم الاستفادة من الاستخدامات للأراضي واستثمارها بشكل جيد". تخطيط عمرانى يراعى احتياجات الفقراء و يرى الخبراء ان نهج التخطيط الجديد يجب ان يراعى الفقراء وهذا سوف يتطلب نهجا مختلفا لتقديم الخدمات التي لا تفرض تكاليف كبيرة ، ويمكن أن يشمل اللامركزية والخدمة المجتمعية، ومستويات مختلفة من الخدمة وبعض الدعم الحكومى لتحقيق اقصى استفادة للغالبية الفقيرة في المدن الأفريقية. و بالفعل نجحت بعض المدن الافريقية فى استغلال الدوائر المحلية لتوسيع نطاق الخدمات الأساسية للفئات ذات الدخل المنخفض ، و تم ذلك بتعاون الحكومات مع المنظمات المحلية واتحادات سكان الأحياء الفقيرة و الاستجابة لاحتياجات وأولويات مواطنيها .. كما حدث فى منطقة الاكواخ في منطقة جينجا Jinja (أوغندا) و ضواحى هراري (زيمبابوي) والعديد من المراكز الحضرية في ناميبيا وجنوب أفريقيا. لذا فان النهج القائم حاليا لتطوير العقارات واستنساخ صورة المدن على شاكلة مدن مثل دبي وشنغهاي وسنغافورة، يجعل تركيز الاهتمام والميزانيات الحكومية على المبادرات ذات التقنية العالية ، وهو امر مكلف للغاية وسوف يخدم في المقام الأول أقلية من النخبة بالمجتمع و سيضر و يزيد من تهميش الغالبية الفقيرة هناك .