هل يُمكن لاتفاق جنيف الأخير حول تدمير الأسلحة الكيميائية السورية أن يصمد، بعد أن تجاهلت موسكووواشنطن الواقع العسكري على الأرض السورية، وعالجتا هذا الموقف (من علِ) بتركيز واضح على موضوع الأسلحة الكيميائية، دون غيره من المواضيع الإنسانية والأمنية على الساحة السورية؟ فاتفاق جنيف الأخير شدّد على تدمير تلك الأسلحة خلال النصف الأول من عام 2014، وتضمن أنه «على سوريا منح إمكانية وصول فوري، ومن دون قيود للمفتشين الذين عليهم الانتشار في أسرع وقت ممكن، في شهر نوفمبر القادم!». فهل يمكن لفرق المفتشين الدوليين أن تصل إلى مواقع تخزين السلاح الكيميائي، بعد أن قام النظام بتشتيت هذا السلاح على أكثر من 50 موقعاً في أنحاء سوريا، وأن الولاياتالمتحدة وخبراء عسكريين تيقنوا من ذلك! وهل سيتمكن المفتشون الدوليون من التوصل إلى ما حجمه 1000 طن من الأسلحة والمواد البيولوجية في أسرع وقت ممكن كما نُصَّ في ذاك الاتفاق؟ كما أن عملية البحث عن ذلك السلاح مهمة شاقة وتحتاج لوقت طويل وأموال كثيرة، حيث تصل تكلفة الفريق الدولي إلى أكثر من 400 مليون دولار. كما أن الحالة الأمنية- على الأرض- لن تسمح للفريق الدولي بالوصول- بنجاح- إلى أهداف مُهمته، لأن السلاح متوافر على الأرض، والجيش السوري الحر ومن يقاتل معه يمارس حقه في التقدم نحو تحرير الأراضي السورية، والجيش النظامي السوري أيضاً يرى أنه مسؤول عن حفظ الأمن في كامل التراب السوري، وهي عملية يمكن أن يتقاذف الطرفان المسؤولية عن أي اعتراض أو حوادث تنال من سلامة الفريق الدولي، وبالتالي تتعرقل مهمته، وتدخل القضية مسارات أخرى في مجلس الأمن. ثم هل يمكن تجاهل طرفٍ مُهم في المعادلة السورية وهم المقاتلون على الأرض؟ حيث رفض الجيش السوري الحر الاتفاقَ الروسي الأميركي، كما أشار إلى ذلك رئيس هيئة أركان الجيش الحر هذا الأسبوع في إسطنبول، وقال : «نحن غير معنيين بتنفيذ أي جزء من الاتفاقية .. أنا وأخوتي المقاتلون سوف نستمر في القتال حتى إسقاط النظام، لا نستطيع المواقفة على هذه المبادرة». ونأتي إلى الجزء الأهم في «جزرة» موسكو، وهو وضع سوريا تحت البند السابع من الميثاق، والتي جاءت عباراته «محشوة» بطريقة قريبة من زاوية الغموض كالتالي: «وفي حال عدم احترام التعهدات، بما في ذلك حصول عمليات نقل غير مسموح بها، واستخدام أسلحة كيميائية من أي جهة كانت في سوريا، على مجلس الأمن أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة». ولقد حصلت بالفعل عمليات نقل للسلاح الكيميائي، وعلمت بها الولاياتالمتحدةوموسكو! وهذا يستوجب اللجوء إلى مجلس الأمن قبل تطبيق تلك الاتفاقية. وإذا كانت الحكومة السورية تنفي استخدامها للسلاح الكيميائي، الذي أودى بحياة حوالي 1500 شخص بينهم 400 من النساء والأطفال، وتتهم الجيش السوري الحر وحلفاءه باستخدامه؟ وإذا كانت الاستخبارات الأميركية قد تأكدت من حصول توزيع عشوائي لذلك السلاح على امتداد الأراضي السورية، فكيف يمكن حصر أكثر من 1000 طن من هذا السلاح خلال النصف الأول من عام 2014 ؟ وحتى هذا النصف غير مُحدد. فقد يكون أسبوعين وقد يكون ستة أشهر؟ وهذا يثبت أن الروس «ماهرون» في الصياغات المتلونة، والتي يمكن «النفاذ» منها وقت الحاجة! ومع تفهُم العالم للتراجع الأميركي نحو توجيه ضربة لسوريا، وأنه خلال الشهور القادمة، حتماً ستحدث معطيات جديدة على الأرض، فإن الحوادث تُذّكرنا بمواقف سابقة لرؤساء أميركيين شنوا حروباً محددة تحت (قانون سلطات الحرب) الذي يُجيز للرئيس اتخاذ قرار الحرب بعد أن يُبلغ مجلس النواب بإرسال قوات إلى العمل العسكري، وإذا لم يوافق مجلس النواب على ذلك، تُسحب القوات بعد 60 يوماً من القتال، ومكَّنَ القانون الرئيس َ من مدِّ تلك الفترة إلى 30 يوماً أخرى، إذا أعلن الرئيس (ضرورة عسكرية تستوجب بقاءها). ولقد استخدم ريجان هذا القانون عام 1983 عندما أرسل قواته إلى بيروت، كما استخدمه كلينتون عام 1999 عندما أرسل القوات الأميركية إلى كوسوفو، ونجح في كسر شوكة الصربيين قبل انقضاء مدة ال 90 يوماً التي يحددها قانون سلطات الحرب، كما قامت الولاياتالمتحدة بتنفيذ هجمات- في فترات متلاحقة- ضد أهداف «القاعدة: في أفغانستان والسودان، وتقوم طائرات أميركية (دون طيار) بتنفيذ هجمات ضد «القاعدة» في اليمن ودون انقطاع». يخلص الكاتب (دوري غولد) في صحيفة «إسرائيل اليوم»، إلى أن «استقرار رأي أوباما على استعمال القوة في سوريا رداً على استعمال الأسد للسلاح الكيميائي هو قانوني، ولا حاجة إلى مواقفة مجلس النواب مسبقاً». موسكو لديها «عصا وجزرة» وواشنطن أيضاً لديها «عصا وجزرة»! فهل نجحت موسكو في تقريب الجزرة من الفم الأميركية دون أن تبلعها؟ وهل تراخت يد واشنطن في التلويح ب«العصا»؟! وتم التوصل إلى اتفاق «هش» بهدف اللعب بورقة الوقت- التي تعوّل عليها موسكو دائماً- من أجل ترك الأحداث «تُحلحلُ» نفسها، مع حفظ ماء وجه النظام في سوريا! نحن نعتقد أن اتفاق (جنيف) يزيد من معاناة الشعب السوري، لأنه في يوم التوصل لهذا الاتفاق كانت طائرات النظام تقصف أحياء في دمشق فوق رؤوس الناشطين السوريين، خصوصاً المناطق المسيحية، وهذا ينذر بتحوّل الموقف هنالك إلى حرب طائفية في المستقبل، قد تزيد الموقف تعقيداً، حتى وإن نجحت موسكو في الكشف أو تحويل الأنظار عن المشكلة الرئيسية في سوريا، إلى تحييد السلاح الكيميائي السوري. نقلا عن صحيفة الاتحاد