اظهرت النتائج الاخيرة لاختبارات متعددة اجريت على البرامج والرموز الكومبيوترية المعدّة خصيصا لتطوير تقنيات التعرف على الوجوه نجاحات باهرة بالنسبة الى العلماء والمهندسين العاملين في هذا المضمار. وهذا ما اكدته نتائج اختبارات "التحدي الأكبر في مجال التعرف على الوجوه" Face Recognition Grand Challenge حديثا، واختبارات اخرى اجريت في الولاياتالمتحدة مثل "اختبار التعرف للبائعين" (ريكوغنيشن فيندر تيست) FRVT واختبار "تقييم تحدي قزحية العين" (آيريس تشالينج ايفاليويشن) ICE التي بينت كلها ان هذه البرامج حققت نجاحا ونصرا كبيرين. وشاركت في الاختبارات نظم وبرامج من عدد من الشركات والجامعات العالمية. تقدم باهر * وأشار المعهد القومي للمقاييس والتقنيات NIST في الولاياتالمتحدة الذي رعى هذه الاختبارات، الى ان الرموز الكومبيوترية المعدة للتعرف على الوجوه والمقارنة بينها، قد حسنت من تعرف الآلات على الاشخاص والافراد من البشر، بمقدار عشرة اضعاف مقارنة بعام 2002 ، ومائة مرة بعام 1995. كما اشار الى انه وفي الواقع، فان بمستطاع افضل الرموز الكومبيوترية للتعرف على الوجوه القيام بمهامها بدقة افضل بكثير مما يستطيع البشر القيام به. وبشكل عام تتقدم هذه التقنية وتتطور بشكل سريع جدا. يقول جونثان فيليبس مدير البرامج للاختبارات في NIST والمؤلف الرئيسي للتقرير الصادر عن المعهد: ان الهدف المطلوب لمباريات التحدي هذه كان دائما معرفة مدى التقدم الكبير الحاصل في التعرف على الوجوه منذ عام 2002. ويعتقد فيليبس ان التدني الضروري في معدلات الخطأ، مردّه التطور في الصور الساكنة العالية الوضوح والتحديد، والحسابات الخاصة بالتعرف على الوجوه الثلاثية الابعاد، "فبالنسبة الى مباريات FRVT و ICE جرى جمع مجموعات من صور الوجوه العالية التحديد، ومسوحات للوجوه الثلاثية الابعاد، وصور لقزحية العين للاشخاص ذاتهم" كما يقول فيليبس في مجلة "تكنولوجي ريفيو" التي يصدرها معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، "اذ نفذت اختبارات FRVT للمرة الاولى قياسا لأداء ستة رموز كومبيوترية للابعاد الثلاثية على مجموعة من مسوحات الوجوه الثلاثية الابعاد ايضا. بينما نفذت ICE قياسا لاداء عشرة من الرموز على مجموعة من صور القزحية. تعرّف مجسّم * وكانت تقنية التعرف على الوجوه الثلاثية الابعاد قد تطورت جدا خلال السنوات القليلة الماضية بفضل توفر أدوات الاستشعار الثلاثية الابعاد للتعرف على الوجوه أخيرا. وما ساهمت به تقنية التعرف على الوجوه الثلاثية الابعاد هو انها استطاعت ان تحصل مباشرة على المعلومات التي تتعلق بشكل الوجوه. ومن الفوائد الاخرى للتعرف على وجوه الافراد بالاسلوب الثلاثي الابعاد، استثمار المميزات التي تفرق بين شخص وآخر، كسطح الوجه مثلا وتموجاته وتجويف العينين وحدقتيهما والانف والذقن، حيث نسيج الجلد والعظم ظاهران جدا ولا يتغيران عبر الزمن. والاكثر من ذلك، كما يقول فيليبس "ان التغيرات في اللمعان والبريق قد اثرت بشكل كبير في اداء التعرف على الوجوه في الصور الساكنة. لكن شكل الوجه لم يتأثر كثيرا بالتغيرات الحاصلة في اللمعان". والاكثر من ذلك فان التعرف الثلاثي الابعاد على الوجه قد يستخدم حتى في الاحوال القريبة من الظلمة. واستنادا الى رالف غروس الباحث في معهد الروبوتات في جامعة كارنيغي مالون في مدينة بتسبرغ الاميركية، فان التعرف الثلاثي الابعاد على الوجه بمقدوره ايضا التعرف على الاشخاص من زوايا رؤية مختلفة تصل الى 90 درجة. اي بعبارة اخرى فان ذلك يعني ان التقنية باتت جيدة جدا لدى مواجهة الوجه من الامام، او بزاوية قدرها 20 درجة. ولكن حال محاولة التوجه الى جانب الوجه تبرز بعض الصعوبات. ويقول غروس ان سبب ذلك ربما انه لم يقم احد بالتركيز عليها لكون البرنامج الخاص بذلك ليس اكثر تعقيدا من برنامج التعرف على الوجه من الامام. وكانت التطبيقات الاساسية للتعرف على الوجوه دائما في سياق صنع بطاقات الهوية ومسح الوجوه بحيث ان الهدف كان دائما التعرف على المعالم والقسمات الامامية للوجه تحت اضاءة مسيطر عليها. الفروق بين التوأمين * وكانت الصور الساكنة العالية التحديد عاملا آخر في تحسين تقنية التعرف على الوجوه نظرا الى انه بات بالامكان تحليل تركيب النسيج الجلدي بالتفصيل الذي يتيح التقاط صورة لأي رقعة من الجلد التي تدعى "طبعة الجلد"، وبالتالي تجزئتها الى كتل صغيرة التي تحولها الحسابات الرياضية الى فسحات يمكن قياسها، والتي يجري فيها تسجيل جميع الخطوط والفجوات والبقع والبثور مع تركيب النسيج الجلدي الفعلي. "وهذا ما سوف يوضح الاختلافات بين التوائم المتطابقة التي لا يمكن رصدها حتى الآن عن طريق استخدام برنامج التعرف على الوجوه بمفرده"، كما يوضح غروس، "لكن عن طريق دمج التعرف على الوجوه مع تحليل تركيب نسيج السطح يمكن زيادة عامل الدقة بنحو 20 الى 25 في المائة". وفي ما يتعلق بتقرير FRVT الذي يزعم ان بعض حسابات البرمجة الخاصة بالتعرف على الوجوه توازي، او تزيد عن قدرات التعرف من قبل البشر انفسهم، يوضح فيليبس ان "البشر جيدون في التعرف على الوجوه المألوفة لديهم لكنهم غير جيدين في التعرف على الاشخاص غير المألوفين". ولكون العديد من انظمة التعرف على الوجوه من شأنها ان تكمل القدرات البشرية، او تحل محلها، فان اختبارات المقارنة الاولى التي اجرتها FRVT في ما يخص قدرات التعرف على الوجوه الخاصة بالبشر والبرمجيات كانت ضرورية لقياس الفعالية الممكنة للتطبيقات. ويقول فيليبس: ان معدلات الخطأ المقبولة المنخفضة الدرجة التي كانت ستة من اصل سبعة في حسابات التعرف على الوجوه اتوماتيكيا كانت مضاهية، وربما افضل من القدرة البشرية على التعرف. وكانت هذه حسابات عشرية من شركات ومؤسسات "نيفن فيجن" و"فياساج" و"كوجنيتيك" و"أيدينتكس" و"معهد "سامسونغ للتقنية العالية" و"جامعة تاسينغهوا". ولسوء الحظ، كما يقول فيليبس، "فانه لكون اغلبية الذين اشتركوا في مباريات FRVT لم يكشفوا عن اساليبهم والتفاصيل المتعلقة بها، فلم يكن بالامكان بعد، تقدير ما هو الشيء المميز في هذه الحسابات البرمجية". تطبيقات واسعة * ولكن كيف تبدو الفائدة التجارية من تقنية التعرف على الوجوه؟ تبدو الفائدة كبيرة لكون عشرات الشركات ترمي الى جني الارباح من هذه الامكانية كنوع من القياسات الحيوية لاصدار الهويات وشهادات التوثيق. وكانت شركات عديدة مثل "توشيبا" و"سامسونغ" قد دخلت في مباريات FRVT الى جانب مؤسسات مثل "نيفن فيجن" التي استحوذت عليها "غوغل" ، و"فايسيج" و"ايدينتكس"، فضلا عن باحثين من جامعات مختلفة هي جامعات بكين وكمبردج وكارنيغي ميلون. ولكن ما هي التطبيقات التي تتوقعها شركات مثل "غوغل" من هذه التقنية التي طورتها الشركة التي استحوذت عليها اخيرا؟ استنادا الى المسؤول عن العلاقات العامة فيها فانها تتوقع نوعا من امكانيات التكامل مع خدماتها كألبومات "بيكاسا أند بيكاسا" الموضوعة على الانترنت التي تمكن مستخدميها من تنظيم صورهم فيها والبحث عنها. ويقول رالف غروس من جامعة كارنيغي ميلون، انه اشترك مع زملائه في مشروع لمسح الصورلأغراض اصدار رخص قيادة السيارات. واضاف انه تلقى تقارير من مصادر مختلفة تقول انه عن طريق استخدام تقنية التعرف على الوجوه امكن الكشف على العديد من الاشخاص الذين قدموا طلبات للحصول على رخص قيادة في ولايات مختلفة، او في الولاية ذاتها تحت اسماء مختلفة نظرا الى ان رخصهم السابقة جرى توقيفها بسبب مخالفات ارتكبوها. ومن الولايات التي تستخدم هذا الاسلوب ماساتشوسيتس والينوي وويست فيرجينيا ووسكنسون وكولورادو ونورث كارولينا وساوث كارولينا واكلاهوما ونورث داكوتا واركنساس وميسيسبي. ويقول غروس: ان "بمقدورنا ان نلاحظ تطور الامور، فحتى وقت قريب كان قطاع الرصد والاستطلاع الفيديوي يعتمد على الكاميرات التناظرية التي تتطلب كابلا طويلا لوصلها بمعدات الرصد التابعة لها. أما الان فتتحول هذه الصناعة الى الكاميرات التي اساسها بروتوكول الانترنت، والتي يمكن بسهولة وصلها الى شبكات الإيثرنت المركبة سلفا. وهكذا باتت لدينا كاميرات لاسلكية وكاميرات تستخدم نظام POE (اي دمج الطاقة مع تقنية الايثرنت الذي يتيح لهواتف الانترنت ونقاط الدخول الى الشبكات المحلية LAN والاستخدامات الاخرى تسلم الطاقة والمعلومات سوية عبر كابلات LAN الموجودة سلفا)، بحيث لا نحتاج الى مقبس منفصل للطاقة. ويمكن شراء حلول تجارية التي هي اساسا تلفزيون ومسجل فيديو TiVo لهذه الكاميرات مع مستشعرات خاصة بالحركة مشيدة فيها بحيث يمكنها التسجيل فقط عندما تكون هناك حركة. ومع التخزين الرقمي يمكن الحفاظ على المعلومات والبيانات من دون اي تحديد، وبالتالي تعزيزها بأساليب لا يمكن تنفيذها مع الصور التناظرية. وتحصل كل هذه الامور دفعة واحدة". ومن حيث المبدأ اذن مع التطور السريع لبرنامج التعرف على الوجوه، فانه سيكون بالمقدور البحث عن وجوه معينة عبر شبكة كاميرات الانترنت. واستنادا الى اعمال غروس الاخيرة في جامعة كارنيغي ميلون، بالاشتراك مع زملاء في مختبرات "ديتا برايفاسي لاب"، فانه قد حصل تطور في الحسابات البرمجية لحماية خصوصية الافراد عندما يكونون خاضعين لمراقبة الفيديو، لان الاسلوب العادي في تغطية الوجوه، كما نشاهد ذلك في بعض البرامج التلفزيونية، لا يخدع كثيرا برامج التعرف على الوجوه، التي تستخدمها السلطات الرسمية في البلد عادة اذا رغبت في ملاحقة هؤلاء.