أثار إصدار احكام قضائية بالسجن في تونس ضد فنان راب وناشطات أوروبيات بمنظمة "فيمن" النسائية العالمية، قلق فنانين وصحافيين ومدافعين عن حقوق الانسان في البلاد التي يحكمها اسلاميون. والخميس أصدر القضاء حكما بالسجن عامين نافذين ضد فنان الراب الشهير علاء اليعقوبي (25 عاما) المعروف باسم "ولد الكانز" بسبب اغنيته "البوليسية كلاب" المعادية للشرطة. والاربعاء صدر حكم بالسجن 4 اشهر نافذة ضد 3 ناشطات اوروبيات (فرنسيتان وألمانية) في منظمة فيمن إثر اقدامهن على التظاهر في العاصمة تونس عاريات الصدور للمطالبة بالافراج عن الناشطة التونسية بالمنظمة، امينة السبوعي (18 عاما) الموقوفة منذ 19 ايار/مايو الماضي. وتتقاطع هذه الاحكام القاسية مع حكم بالسجن عامين مع تاجيل التنفيذ صدر نهاية الشهر الماضي ضد 20 تونسيا بينهم سلفيون، هاجوا في 14 ايلول/سبتمبر 2012 السفارة والمدرسة الامريكيتين في العاصمة تونس خلال احتجاجات على فيلم مسيء للاسلام أنتج في الولاياتالمتحدة. وفي تعليقها على محاكمة "ولد الكانز" وناشطات فيمن، قالت آمنة القلالي ممثلة منظمة هيومن رايتس ووتش بتونس "حتى لو كانت اشكال التعبير السلمية هذه صادمة، فإنه لا يجب ان تنجر عنها محاكمات قاسية". وهذه المحاكمات ليست الاولى من نوعها في تونس، ففي مارس 2012 قضت محكمة تونسية بسجن شابين ملحدين سبع سنوات ونصف السنة على نشر صور كاريكاتورية للنبي محمد على فيسبوك. وتستند الاحكام الصادرة في هذه القضايا على قانون جزائي زجري وقامع للحريات موروث عن فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي اطاحت به في 14 كانون الثاني/يناير 2011 "ثورة الحرية والكرامة" مثلما يسميها التونسيون. ورغم الاطاحة ببن علي الذي هرب الى السعودية، لم يقع تغيير هذا القانون أو حتى "تطهيره" مثلما يطالب حقوقيون من الفصول القامعة للحريات وذلك بالرغم من وعود السلطات الجديدة في هذا الشأن. ويوم 19 حزيران/يونيو الحالي سيمثل 3 صحافيين تونسيين امام القضاء بتهمة "نشر معلومات زائفة من شانها تعكير صفو الامن العام" التي تصل عقوبتها الى السجن 6 اشهر. ويلاحق هؤلاء بسبب نشر ريبورتاج حول تهريب السلاح من ليبيا نحو تونس بثه الشهر الماضي تلفزيون "التونسية" الخاص. ويقول سفيان الشورابي وهو أحد الملاحقين في هذه القضية "القضاء تسيره السلطة التنفيذية (...) والحكومة تريد أن تجهض في المهد الاحتجاج المتصاعد في صفوف الشباب". وقبل أيام من محاكمته، لم يخف الشورابي المعروف بدفاعه عن حرية الصحافة والتدوين في عهد بن علي قلقه بعد صدور أحكام "قاسية" في قضية "ولد الكانز". وقال في هذا السياق "بعد ما حصل (الخميس) مع ولد الكانز أخشى أن يتم حبسي". ويرى الممثل لطفي العبدلي ان السباب والشتائم التي "بالغ" ولد الكانز في كيلها للشرطة والقضاة في اغنيته "لا يمكن ان تكون مبررا للزج به في السجن". وقال العبدلي "هذه الحكومة (التي تقودها حركة النهضة الاسلامية) تحاول الذهاب الى الدكتاتورية لكننا سنعيد تأطيرها. لن نستسلم حتى لو كنا نواجه عقوبة الحبس عامين أو ثلاثة. حرية التعبير لا تزال هنا، وسنواصل ثورتنا". وذكر بان العدالة لم تلاحق الى حد اليوم السلفيين الذين منعوه في آب/أغسطس 2012 من تقديم أحد عروض مسرحيته الجديدة في مركز ولاية بنزرت (شمال شرق) . ومؤخرا برأ القضاء لطفي العبدلي من تهمة الثلب (عقوبتها السجن سنة واحدة) بعدما قام بإشارة بيده، اعتبرت "غير اخلاقية"، خلال برنامج تلفزيوني مباشر حضره وزير من حركة النهضة. وقال العبدلي "أهاجم الحكومة في اعمالي لكني احاول إخراج مهاجمتي لها في شكل لا يضعني تحت طائلة العدالة". وختم بالقول "لسوء الحظ، +ولد الكانز+ كان في اغنيته مباشرا جدا" في مهاجمة الشرطة. وانتقدت وزارة الثقافة التونسية ونقابة الفنانين التونسيين الجمعة اصدار حكم بحبس علاء اليعقوبي. واعربت الوزارة عن املها في اطلاق سراحه، وقالت في بيان انها "تؤكد تمسكها المبدئي بالدفاع عن حرية الفن والإبداع التي ترجو أن يتم تثبيتها في مشروع الدستور الجديد وتكرسها أيضا المؤسسات القانونية". وأضافت "إن وزارة الثقافة إذ تحرص على استقلالية قضائنا، فإنها ترجو ان يتسع صدر العدالة ليحتوي حق الاختلاف وحرية التعبير استجابة لاستحقاقات الثورة وتطلع التونسيين إلى الحرية والديمقراطية في مرحلة حساسة تقتضي أيضا التحلي بقدر عال من الحكمة حتى لا تنجر بلادنا الى مزيد من التوتر والاحتقان". وقالت "تتمنى وزارة الثقافة ان ترى هذا الفنان حرا وبين أهله وجمهوره في القريب العاجل". ومن جانبها، اعتبرت نقابة الفنانين التونسيين الحكم على مغني الراب "ترجمة واضحة لبداية رسم مخطط لضرب حرية التعبير"، ودعت وزير العدل الى تفاهم خصوصية القضية لمراجعة الحكم الصادر فيها.