فجرت يوم 30/7/2007 قنبلة وجهت للمجتمع الدولي من قبل منظمة «أوكسفام« الخيرية لخيرية الدولية العاملة في مجال الإغاثة، من خلال تقريرها الأخير، الذي صدر بالتعاون مع «لجنة تنسيق المنظمات غير الحكومية« في العراق بشأن تفاقم الأزمة الإنسانية في العراق، حيث أوضح أن القضية العراقية لا تقتصر على الأحوال الأمنية والسياسية التي استحوذت على اهتمام المجتمع الدولي فحسب، ولكن هناك نواحي اجتماعية متجاهلة تلك القضية؛ إذ أصبح الملف العراقي بأسره كارثة اجتماعية؛ فهناك ما يقرب من 8 ملايين من العراقيين بحاجة ماسة إلى مساعدات طارئة، يندرج تحتها 4 ملايين يعانون النقص الغذائي ولا يستطيعون تأمين غذائهم. وأطفال العراق على نحو خاص هم ضحايا ربع قرن من الصراع والعقوبات الدولية، ليسجل هذا البلد معدلاً غير مسبوق لوفيات الأطفال، ففي عام 2005 وحده توفي 122 ألف طفل نصفهم من حديثي الولادة، مما يشكل أفظع مآسي العراق الإنسانية، وذلك لارتفاع معدلات سوء التغذية لدى الأطفال من 19% قبل الحرب عام 2003، إلى 28% حاليًا، بينما ارتفعت نسبة العراقيين الذين لم يحصلوا على إمدادات كافية من الماء من حوالي 50 % قبل الحرب إلى 70% حاليًا، في الوقت الذي يفتقر فيه 80% إلى خدمات الصحة العامة، وهو ما أدى إلى تظاهرات احتجاجًا على الانقطاع المستمر للماء والكهرباء وشح الخدمات، مطالبين الأمريكيين بالوفاء بالتزاماتهم تجاه الشعب العراقي قبل وبعد الإطاحة بنظام صدام. واستكمالاً لما حصره التقرير لمأساة الشعب العراقي، فلقد ذكر أن حوالي 43% من الشعب يعيش في فقر مدقع، ونصف العراقيين ممن هم في سن العمل عاطلون، وهناك أكثر من مليون مشرد بلا مأوى داخل العراق، فضلاً عن وجود أكثر من مليوني لاجئ عراقي في دول الجوار (سوريا والأردن). ولم يقتصر الأمر على هذا، فهناك 32% من المهجرين داخل البلاد ليس بإمكانهم الحصول على حصص الغذاء الخاصة بهم، بينما يحصل 51% منهم على هذه الحصص الغذائية بشكل غير منتظم، وهو نتيجة لاحقة لانخفاض قيمة المساعدات الإنسانية للعراق حوالي 453 مليون دولار في الفترة 2003- 2005، إلى حوالي 95 مليون دولار عام .2006 ولعل اللافت للأنظار في وسط كل ذلك وجود حالة من الكوادر المهنية المؤهلة للعمل في مجال الخدمات العامة؛ حيث اضطر ما يقرب من 50% من أفراد الطواقم الطبية والمعلمين ومهندسي المياه وغيرهم إلى مغادرة البلاد. في هذا الإطار، اضطر الكثيرون من أهالي بغداد إلى تأمين حاجتهم من المياه من نهر دجلة بشكل مباشر بسبب توقف تزويد منازلهم بالماء الصافي جراء انقطاع التيار الكهربائي، وهو ما دفع في المقابل الأسواق لتشهد إقبالاً واسعًا على شراء المياه المعدنية، ليعمد التجار - تباعًا- إلى زيادة أسعارها. وحذر التقرير أيضًا من احتمالات تفاقم الأمراض نظرًا للتلوث البيئي جراء الحرب وأعمال العنف؛ حيث هناك 350 موقعا ملوثا نتيجة ضرب المعامل وانتشار المواد الكيماوية في كثير من المناطق العراقية التي تخلفت عن الحروب التي خاضتها هذا البلد. وبعيدًا عن التقرير نجد الخبراء يحذرون من تزايد حالات الإصابة بأمراض نفسية بين أطفال العراق بسبب الحرب؛ حيث أظهرت دراسة مسحية لمنظمة الصحة العالمية العام الماضي تعرض 600 طفل تتراوح أعمارهم ما بين 3 و10 أعوام لأزمات نفسية، وأن نسبة غير قليلة ظهرت عليها أعراض الكآبة النفسية وصدمة ما بعد الحرب. من ناحية أخرى أكدت وزارة الصحة العراقية تزايد عدد المعوقين العراقيين جراء الحرب والعنف أيضًا؛ إذ بلغ عدد معوقي الحرب المسجلين لدى هيئة رعاية المعوقين 43600 بينهم 7000 من ذوي العجز الكلي، 100.000 تعرضوا لبتر أعضائهم، 250.000 من المكفوفين، بزيادة 30% على عام .2003 وللخروج من هذا الوضع الإنساني المهين أوصى التقرير بتكاتف الجميع سواء الحكومة المحلية العراقية أو المجتمع الدولي، وفي هذا السياق وزع التقرير على تلك البيئة المحيطة بالعراق، سواء الدولية أو الداخلية، رسمية أو غير رسمية، واجباتهم تجاه هذا الوضع كالتالي:- 1- دور الحكومة المحلية العراقية- -اضطلاع السلطات المحلية بقدر أكبر من المسؤولية لتوفير المساعدات والمأوى والخدمات الأساسية لمن تعرضوا للتهجير القسري. - مضاعفة وزارة العمل والرفاهية الاجتماعية للإعانات الاجتماعية التي تقدم للأرامل، والتي تبلغ 100$ لتقترب من 200 $، لتشمل فئات أخرى كالمهجرين قسرًا. - قيام وزارة التجارة بتطوير نظام التوزيع العام لكي يشمل هؤلاء المهجرين قسرًا داخل العراق. - توسيع الحكومة العراقية لنطاق توزيع الطرود الغذائية وتوفير تغطية أشمل فيما يتعلق بدفع المبالغ الطارئة، وتبني النظام اللامركزي في صنع القرارات ومساندة مجموعات المجتمع المدني في تقديم المساعدة. - تشكيل فرق وزارية لتنسيق المساعدات الإنسانية، وزيادة المخصصات لتقديم تلك المساعدات. - إصدار أوامر صريحة لأجهزة الأمن العراقية بعدم الإضرار بحياة المواطنين أو الممتلكات أو البنية التحتية، وأن يحترموا حق الآخرين في الوجود. 2- دور المجتمع الدولي:- - دعم الوزارات العراقية بالمساعدات الفنية والتقنية لضمان قيامها بواجباتها الأساسية في تقديم الخدمات الأساسية، كمساعدات توزيع الغذاء والمأوى وتوفير معاشات الضمان الاجتماعي. - العمل على التنسيق بين الحكومة العراقية والمنظمات غير الحكومية وبين موكلات الأممالمتحدة لتقديم الدعم الإنساني عند الحاجة إليه. - تطوير طرائق أكثر فاعلية في حركة فرق عمل الأممالمتحدة، مما يسمح بتقييم أفضل للمتطلبات والتنسيق وإيصال المساعدات. - بناء شبكة ميدانية عاجلة تضطلع لجنة تنسيق المنظمات غير الحكومية بإنشائها للمواجهة العاجلة للاحتياجات التي يتم تحديدها. - إدارة صندوق تمويل جديد للمعونات العاجلة الذي يجب أن يكون قادرًا على منح المنظمات غير الحكومية التمويل الكافي. 3- دور قوات التحالف: - -ضمان احترام قواتها المواثيق الأخلاقية والقانونية بعدم التعدي على المدنيين أو الممتلكات أو البنية التحتية الأساسية. 4- دور المنظمات الدولية غير الحكومية: - زيادة التمويلات العاجلة والتنسيق مع المنظمات المحلية غير الحكومية، من أجل إيجاد آليات للمراقبة والتأكد من وصول المساعدات الإنسانية. - يجب على الدول المانحة كبلجيكا وفرنسا وكندا وألمانيا والسويد وسويسرا أن تزيد من المساعدات المالية لتقديم الدعم الإنساني. وفي حقيقة الأمر، هناك مساع عراقية للارتقاء بالمستوى المعيشي للفرد من خلال إبرام عدد من القوانين لجلب المستثمر الأجنبي للمشاركة في نهوض البلد الذي يحتاج إلى 300 مليار دولار لإعادة تأهيله وإعماره، منها 200 مليار دولار للسكن، ولكن مازالت تواجه مجموعة من التنازعات الشديدة بين الفرقاء السياسيين والكفاءات الاقتصادية حول تلك القوانين، كقانون الاستثمار الذي أقره مجلس النواب العراقي أواخر عام 2006، وقانون النفط الذي تثور حوله الخلافات الآن؛ إذ تكمن التخوفات من استغلال تلك القوانين لفتح الباب أكثر مما هو عليه الآن للتدخلات في ظل الأوضاع السائدة. ولكن تبقى الاضطرابات السياسية والأمنية وأسلوب إدارة الدولة وانحيازها الطائفي السبب والعائق للخروج من تلك الأزمة، وفشل مشروع بناء الدولة وازدهار الفوضى وغياب المركزية والتفكك الاجتماعي، ولذا فإن الحل الوحيد أمام الاقتصاد العراقي للخروج من عنق الزجاجة هو إعادة الأمور إلى استقامتها، من خلال استعادة العراق استقلاله إذا وجدت قيادة وطنية واعية، وإعادة النظر في العملية السياسية ليس على أساس الانتماء الطائفي، بل على أساس الكفاءة والمواطنة، ولكي يتحقق هذا الهدف لابد من الفصل بين الدولة والحكومة وإخراج المؤسسات من دائرة الصراع على النفوذ الحزبي، والاعتماد بقوة على الطبقة الوسطى في بنائها، مدعومة بالخبرات التي تقدمها الدول المانحة، ولابد كذلك من خطة حقيقية لاستعادة العقول المهاجرة من أساتذة وأطباء ومفكرين ومتخصصين.