الأهرام19/8/2007 منذ عام 2001 وقرية SOS تعيش في مأساة بعد أن توقفت الهيئة الدولية عن تمويل المشروع مما استدعي تدخل وزارة التضامن لحل المشاكل الكثيرة التي تواجهها جنة الأيتام والمشردين التي أصبحت خاوية علي عروشها ومرتعا للكلاب الضالة. .. ورغم تعيين الوزارة لمجلس إدارة جديد إلا أن المشاكل لم تنته كانت البداية في فبراير بأزمة النزلاء الشباب الذين تعدوا سن الإقامة وانتهت بعد تدخل قوات الأمن.. ثم برزت مشكلة أخري تعاني منها 17 فتاة فوق العشرين فوجئن منذ رمضان الماضي بأنهن مطالبات بمغادرة المكان الوحيد الذي اعتبروه بيتا لهن لم يعرفن سواه منذ نعومة أظافرهن. رغم الوعود السابقة بعدم مغادرته إلا إلي عش الزوجية.. وتوقعت الفتيات أن يجدن في وزارة التضامن درعا يحميهن من التشرد ولكنهن فوجئن بتأكيد الوزير أن القرية ليست لوكاندة وبالتالي أصبحن مهددات بالخروج إلي الشارع.. وبدأ العد التنازلي لتشردهن ووجدن إجراءات التضييق من أمن القرية وإجبارهن علي استخدام مدخل ومخرج خاص بالاضافة إلي سور فاصل يتم بناؤه لعزلهن عن القرية. البنات استغاثت "بالجمهورية" بعد أن أصبحت الأبواب مسدودة أمامهن.. وفي السطور التالية ننقل صرخاتهن بعد أن زرنا المدينة الفاضلة وعاينا الوضع علي الطبيعة لنكتشف أن المكان بحاجة إلي أكثر من فيللا جديدة يتنازع علي الفضل في تأثيثها عدة جهات.. انه مكان إلي فكر جديد لحل المشكلات المتراكمة ل 121 نزيلا كما تشير آخر الأرقام.. مشاكل حولت حياتهم إلي ترقب مستمر لانتظار القادم.. آملين ألا يكون الأسوأ كما جرت العادة. كانت البداية مع الفتيات اللاتي عرفن معني اليتم مبكرا ولم يعوضهن سوي قرية SOS التي جمعت شملهن مع الشباب الذين تربوا في القرية والأطفال الأصغر سنا في أسرة واحدة مترابطة.. لا يتحدث أحدهم عن الآخر إلا بقول "أخي فلان" أو "أختي فلانة" وطبقا للوائح القرية يتم فصل الأولاد عند بلوغهم سن 14 ليقيموا في بيت الشباب خارج القرية وتابع لها أما الفتيات ففي سن 18 يدخلن بيت مستقل داخل القرية ليتعلمن الاعتماد علي النفس وكيفية ادارة شئون بيت ليكن في المستقبل ربات بيوت ماهرات.. في لائحة الهيئة الدولية تغادر البنات في سن 21 ولكن عند إنشاء القرية في مصر عام 1979 تم استثناء هذا الشرط لتبقي الفتيات في القرية حتي الزواج احتراما للتقاليد الشرقية.. ولكن مع تخلي الهيئة الدولية ومخاطبة وزارة التضامن لها حددت الهيئة عدة شروط للعودة منها مغادرة البنات. .. تقول إحدي الفتيات المهددات بالرحيل حنان أمير "31 سنة": تحملت مسئولية نفسي تماما منذ بلوغي سن ال ..18 خرجت إلي العمل للانفاق علي نفسي عندما احتجت لاجراء عملية جراحية في المرارة أجريتها علي نفقتي ولم يسأل عني أحد من الادارة.. واليوم عندما يطالبوننا بالرحيل لابد أن نسأل أين نذهب وكيف نحصل علي حقوقنا من تبرعات الكفلاء عبر السنين الماضية. لقد شاهدت أمام عيني اخواتي البنات يتزوجن "أي جوازة والسلام" حتي يغادرن القرية ولا يشعرن أنهن مهددات بالطرد في أي وقت.. لذلك اشتريت شقة مستقلة ولكن مازال أمامي أقساط 5 سنوات كما أن المستأجر يرفض الخروج منها.. أتمني أن أجد ظهرا استند عليه حتي لايكون مصيري الشارع. .. وتستكمل حديثها شوق فاروق "30 سنة" أكثر ما يضايقنا محاولات عزلنا عن اخواتنا الصغار.. في حين يؤكدون أن الموارد قليلة حتي ان الأطفال أصبحت أجسامها هزيلة نفاجأ ببناء سور ضخم يفصل بيت الشابات عن القرية وصرف مكافآت كبيرة للعاملين فمن أين تأتي هذه الأموال؟؟ ولا يكتفي السور بفصلنا عن اخوتنا الصغار بل يشمل بوابة منزل تطل علي شارع المنطقة الحرة وهو مكان مظلم تقع به الكثير من حوادث الخطف فضلا عن حوادث السيارات. وتضيف: عندما يأتي الكفلاء للتبرع يستقبلونهم من الخارج بسلسلة من المضايقات ويصرون علي عدم تلقي التبرعات لصالح الشابات باعتبارهن منفصلات عن القرية ونشعر بأن كل ما يحدث محاولات تطفيش حتي نترك البيت الوحيد الذي نعرفه. .. وتؤكد نوال محمد "29 سنة" إذا كان في خروجنا حل لمشاكل القرية فنحن لا نمانع مادمنا سنحصل علي حقوقنا ولكن الواقع أن القرية تعاني من الاهمال من مدة طويلة ورغم التجديدات التي حدثت في بعض الفيللات إلا أنه علي امتداد 17 فدانا مساحة القرية هناك مبان متهدمة وفيللات مهجورة مثل النادي الصحي الذي تحول إلي خرابة وتم نزع الشبابيك والأبواب والأجهزة منه أعلي جانب الملعب الأسفلت الذي يفتقد أبسط مقومات الحماية للأطفال.. إلي جانب القمامة التي أصبحت مرتعا للكلاب الضالة التي صادقها الأطفال رغما عنهم. .. وتعلق إحدي البنات المتزوجات ميرفت رجب "33 سنة" نعاني كثيرا إذا رغبنا في زيارة اخواتنا حيث ندخل بصعوبة ويشترطون عدم البيات وإذا اعترضنا يتم عمل محاضر لنا ويؤكد رجال الأمن أن هذه هي أوامر الإدارة.. المشكلة ان الحياة في الخارج أسوأ فالمجتمع لا يرحم ورغم انني متزوجة من أحد شباب القرية وأعيش معه في شقتنا إلا أن نظرة الجيران لنا سيئة للغاية لأننا أيتام بلا أهل يزورننا ونزورهم وإذا تكلمت مع أحد أخوتي يستغرب الناس ويؤكدون أنه لا يشبهني واسمه مختلف عني فكيف يكون أخي؟؟ فالناس لا تفهم طبيعة العلاقة بيننا ويسيئون إلينا دون علم. .. وبحسرة تقول ياسمين محمد "20 سنة" أعد الأيام خوفا من بلوغي سن 21 حتي لا أجد نفسي في مأزق اخواتي.. فهن يتعرضن لمضايقات شركة الأمن فموظفو الأمن يركزون تواجدهم أمام بيت الشابات يتلصصون علينا ويتحرشون بنا. أما الادارة فقد رفعت أيديها عن مسئوليتها تجاهنا حتي اننا خاطبناهم أكثر من مرة عن سوء حالة الفيللات التي نسكنها وحاجتها إلي التجديد إلا أن الرد كان "جددوها بأموالكم". الأطفال يعانون أيضا .. في جولتنا في القرية اكتشفنا أن المعاناة ليست قاصرة علي الفتيات المهددات بالطرد بل الأطفال الذين يعيشون في كابوس بعد الحديث عن نقل 10 أطفال منهم إلي مكان آخر وهو القرار الذي توقف قبل تنفيذه وان لم يتأكد إلغاؤه.. وتبقي حادثة الطفل راضي عادل "10 سنوات" - الذي تم تحويله إلي الأحداث في واقعة غريبة - ماثلة أمام أعينهم وكلمة التهديد والتخويف التي يرددها المشرفون. يقول أحد الأطفال الذي خاف من ذكر اسمه المعاملة تغيرت في الفترة الأخيرة فكل ما نفعله يعرضنا للعقاب والمشرفون يهددوننا بمصير زميلنا راضي إذا اعترضنا.. وحتي الكفلاء يشكون من تغير المعاملة فلم يعد بامكانهم اصطحابنا إلي الخارج.. وعندما جاءت كفيلة للاحتفال بعيد ميلاد أخت لنا ومعها التورتة والجاتوه رفضوا دخلوها وضايقوها علي الباب حتي قررت عدم الحضور. وطفل آخر حكي ببراءة عن الكمبيوتر الذي اشتراه له أحد الكفلاء وتم سحبه منه عندما رفض أن يذكر كلمة السر الخاصة به.. وأضاف مصروفي اليومي أصبح 75 قرشا بعد أن كان جنيهين أحاول الاقتصاد منها لأحصل علي دروس في المدرسة بعد أن رفضت الادارة تحمل ثمن الدروس. الحال السييء الذي وصل إليه الأطفال دفع بعض الأمهات اللاتي يرعين الصغار للحديث إلينا والشكوي من ضيق الموارد حتي أن التبرعات العينية من أرز وسكر وزيت يتم خصمها من الميزانية التي تدفعها الادارة كل 15 يوما. وأصبحت ثلاجات الفيللات خالية من الأغذية الضرورية لأطفال في سن النمو بعد أن اختفت الألبان والأجبان من حياتهم. تقول ماما ثريا: أعمل هنا حبا في الأطفال منذ 5 سنوات وكان هناك مستوي متميز من الحياة تتم توفيره لهؤلاء الأطفال لتعويضهم ما حرمتهم منه الظروف. أما الآن فميزانية الأكل والشرب تقلصت إلي أقصي حد وأصبح المخصص اليومي للبيت كله "7 أطفال" حوالي 7 جنيهات بدلا من 4 جنيهات للفرد الواحد فاضطررت للانفاق من جيبي حتي لا أحرم الأطفال من طلباتهم البسيطة سواء فاكهة الصيف أو الألبان.. ولكن ماذا يفعل الأطفال الآخرون الذين تأثروا بقلة الموارد؟؟ وماذا ترد الأمهات إذا طلب أحد الأطفال شيئاً؟؟ وهذا العام أول مرة لا أسافر أنا وأطفالي إلي المصيف بعد رفض الادارة حتي تحولت أي فسحة أو نزهة للأطفال إلي مكاتبات طويلة تنتهي بالرفض.. مما يصيب الأطفال بالإحباط. أمهات في أزمة أما آمال الغول "أم في القرية من 23 سنة" وتعمل متطوعة بعد خروجها إلي المعاش وهي و4 أمهات أخريات وجدن أنفسهن طرفا في صراع مع الهيئة الدولية دون ذنب اقترفوه حيث اشترطت الهيئة لعودة التمويل التخلص من الأمهات فوق الستين والبنات فوق ال 21 وشعرت الأمهات بالحزن الشديد بعد سنوات طويلة أمضوها في القرية.. ربوا أبناءها منذ كانوا "لحمة حمراء" حتي أصبحوا كبارا يتحملون المسئولية.. وبدلا من كلمة الشكر يتم احالتهن إلي التقاعد كخيل الحكومة. تقول ماما آمال: أعمل حاليا دون مرتب أو ميزانية اعاشة لكنني لا أقوي علي مفارقة أولادي وبناتي لقد زوجت حتي الآن 8 بنات وإلا أن أواصل رسالتي مع الصغار وجدت نفسي وسطهم وارتبطت بمشاكلهم وحياتهم.. فكلنا في القرية أسرة واحدة وتأثرت بمشكلة الشابات اللاتي يريدون طردهن. .. والحل في رأيي - والكلام مازال علي لسان ماما آمال - الاستغناء عن خدمات الهيئة الدولية فالقرية أصبحت كيانا قائما بذاته قادرا علي الوقوف علي قدميه بفضل تبرعات أهل الخير وهم كثيرون.. كل ما تحتاجه ترتيب الهيكل التنظيمي ويكون الأساس هو احتياجات الأطفال وليس المرتبات وأن تكون الادارة لشخص اجتماعي قادر علي استيعاب مشكلات الأطفال وحلها بسلاسة فأب القرية أهم فرد يتوقف عليه نجاح منظومة القرية.