قبل يوم واحد من فتح أبواب البرلمان أمام أولى جلسات الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للجمهورية المصادفة اليوم، كان الهاجس الرئاسي والمصير الذي ينتظر لبنان معه، الحدث الأبرز، بل الوحيد الذي تصدر افتتاحيات الصحف، مصحوباً بخوف مقيم من أن يكون هذا الاستحقاق نقطة اللاعودة في تكريس الانقسام السياسي الحاصل، وتمدده ليكون بداية لمرحلة التقسيم. ناشر “النهار” غسان تويني دعا الى انتخاب رئيس بحجم ذكرى استقلال لبنان، واعتبر ان هذا الاستقلال، كما رئاسة الجمهورية، ليسا منّة من احد. واستحضر تويني في زحمة “الحرب الرئاسية” الحالية، صوراً من اليوم الأول من الاستقلال اللبناني عن الانتداب الفرنسي العام 1943 حين اعتقل “المندوب العام لفرنسا” رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض بك الصلح، ومن تيسّر اعتقاله من الوزراء، فضلاً عن النائب آنذاك المفتي عبد الحميد افندي كرامي (والد الرشيد وعمر كرامي). وذكّر تويني كيف غضب الشعب غضبة واحدة ودعا رئيس مجلس النواب آنذاك صبري حمادة النواب لعقد جلسة استثنائية تتخذ المقررات اللازمة لانقاذ الحكم الاستقلالي، فطوّق جيش “الانتداب” الفرنسي المجلس واقفل ابوابه وأطلق “السنغاليون” النار على تظاهرات النساء (المسلمات اللواتي خلعن الحجاب الاسود للمرة الاولى انسجاماً مع المتظاهرات المسيحيات)، فضلاً عن تظاهرات الطلاب التي طوّقت المجلس تريد اقتحامه. ولم تتفرق التظاهرات. وقال تويني ان النواب قرروا بإجماع من حضر عقد اجتماعات المجلس خارج البرلمان، وبلغ عددهم 33 نائباً من كل الطوائف والمناطق، ولا مناقشة ولا جدل حول نصاب وأكثرية... وكانت المشاركة من كل الطوائف، ولا استنكاف ولا استقالة. واعتبر تويني انه يستحضر التاريخ، لتأكيد ثابتة واحدة، وهي حاجة اللبنانيين الى رئيس ينتخبه النواب في المجلس الذي يدخلون مبناه الذي لا يحتله جيش اجنبي، من وحي البطولة الاستقلالية التي لا تزال شعلتها تحمي الارز وأهله. وان يكون قادراً في آنٍ واحد على تحدي السجن والاعتقال والاضطهاد (والآن الاغتيال المبرمج!) وعلى حمل الرسالة اللبنانية في عالم عربي مضطرب، فيعود لبنان قائداً لا مقوداً، ويكون رئيسه قدوة للحكام العرب، لا آلة في يد أيّهم ولا حتى مرآة لاضطراباتهم والازمات. من جانبه، جدد ناشر “السفير” طلال سلمان التحذير من مجيء رئيس للجمهورية يساعد على تكريس التقسيم، وقال إن رئيساً هذه مواصفاته، لن يستطيع ان يحكم. وقال سلمان انه “لأمر طيب” أن تكون الأكثرية التي لا تستطيع الادعاء أنها حقاً أكثرية قد خفّفت من حدة استفزازها للأقلية التي لا يمكن اعتبارها أقلية، بحيث تقوم “هدنة” يستعيد فيها العقل دوره، فضلاً عن الحسابات الباردة للمصالح، فلا يذهب أحد إلى معركة الرئاسة بوهم أنه يستطيع أن يفوز فيها “بالضربة القاضية” ملحقاً بخصمه الهزيمة النكراء! فلقد علّمتنا التجارب بحسب سلمان أن رئيس الانشقاق لا يحكم. وعلّمتنا كذلك أن الرئيس المفروض بالقوة، وهي لا تكون إلا أجنبية، لا يحكم. ثم إن رئيس الجمهورية لن يحكم بشخصه، بل إن مجلس الوزراء هو مرجعية السلطة ومصدرها.. ويسأل سلمان: لماذا العراك على ما لا بد من التفاهم عليه؟! ولماذا نخسر من الزمن ومن الجهد ومن قيمة لبنان ودوره الحيوي والمطلوب، طالما أن أي فريق لا يمكنه أن يحقق النصر بالضربة القاضية؟! واعتبر أن إرجاء العملية الانتخابية قرار حكيم... فلعلنا نستطيع أن نختلس توافقنا الداخلي، بما يتناسب مع حاجتنا الملحة، ومع مصالحنا الحيوية وأولها وأخطرها أن يبقى لبنان، وأن يبقى موحداً، وأن تبقى فيه جمهورية تستحق كل هذا الصراع المهول على رئاستها. وختم سلمان انه في التجارب أيضاً ما يرشدنا إلى ضرورة أن يكون الرئيس موضع تلاقي المختلفين لكي يمكنه أن يحكم، أي أن يكون حامي الجمهورية بشعبها ومؤسساتها باعتباره نقطة التوافق، قبل أن يكون حامي دستورها الذي أفقده اختلافنا على تفسيره الاحترام الذي يتوجب أن يكون لآخر ما تبقى من جدارتنا باحترام أنفسنا فكيف باحترام العالم.