تمر اليوم الثاني من تشرين الثاني الذكرى التسعون لصدور وعد بلفور في مثل هذا اليوم من عام 1917 والذي وجهه وزير الخارجية البريطاني آنذاك إلى صديقه البارون روتشيلد مانحا إياه وطنا قوميا لليهود في فلسطين مع تجاهل الوجود العربي فيها واعتبار العرب أقلية في وطنهم مع أن عدد اليهود في هذه البلاد لم يزد عن بضعة آلاف فقط مقابل عدة مئات من الآلاف من المواطنين العرب كانوا يعيشون في أمان ورخاء واستقرار على أرض فلسطين . وهذا الحيف والتجني كان المدخل الذي عبرت من خلاله بريطانيا العظمى لتنفيذ هذا الوعد الجائر الذي يتصرف بحق أساسي من حقوق الشعب الفلسطيني من وراء ظهر الفلسطينيين ويحول المبادئ والمواثيق الدولية إلى سلع سياسية في سوق المصالح والمنافع المادية . وكان وعد بلفور لسنوات طويلة أعقبت صدوره مناسبة يحييها الفلسطينيون والعرب منددين فيها بالوعد المشؤوم ومن أصدره في وقت كان العرب يحاربون في صفوف الحلفاء ضد تركيا العثمانية . فلم يكن إصدار الوعد مظهرا لأي نوع من الوفاء بالعهود والوعود المقطوعة لقادة العرب في تلك الحقبة .وحتى سنوات ليست بالكثيرة كان العرب من المحيط إلى الخليج يلتقون على شجب الوعد والتنديد به والوعد بأنهم سيعملون على إزالة آثاره طال الزمن أم قصر. اليوم تمر هذه الذكرى الأليمة بكل المقاييس دون أن تجد الاهتمام الكافي فلسطينيا وعربيا ودوليا . فهل يعود السبب إلى تغير المفاهيم وتبدل اليم والالتزام المطلق بشعارات السلام حتى وإن كان هذا السلام ما يزال سرابا بعيدا في الأفق ؟ وهل فقد وعد بلفور معناه وتحول إلى مجرد وثيقة طوتها صحف التاريخ وتجاوزتها الاحداث فلم تعد تستحق الانتباه أو الاشارة اليها ولو بشكل عابر؟ يدرك الجميع أن حالة الضعف والتشرذم في العالم العربي كانت وراء كل الهزائم والاحباطات والنكسات التي مرت بها القضية الفلسطينية وانتهت باحتلال اسرائيل لكامل أرض فلسطين التاريخية . ومن المؤكد أن العرب يتحملون جانبا أساسيا من المسؤولية عن معاناة الشعب الفلسطيني وتشرده.فلم يكن للفلسطينيين جيش نظامي يحارب القوات اليهودية عام 1948 كما لم يكن لهم مثل هذا الجيش عام النكسة 1967 ومع ذلك فقد دفعوا ثمن هذه الحروب باهظا وفي نهاية المطاف فان كل قطر عربي رفع لنفسه شعار أنا ومن بعدي الطوفان وتركوا الفلسطينيين يقلعون الاشواك بأيديهم بل وقفوا متفرجين على ما يعانيه الفلسطينيون من صنوف الممارسات الاسرائيلية الجائرة مع أنهم قادرون لو شاؤوا على الضغط لوقف هذه الممارسات خصوصا ما يحدث الآن في قطاع غزة دون أن يجد حتى بيان شجب أو استنكار من أي عاصمة عربية. وعد بلفور الذي أصدره وزير خارجية بريطانيا حينذاك يضع مسؤولية كبرى الآن على بريطانيا لتحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية وإذا كانت لندن لم تعتذر للشعب الفلسطيني بعد عن الكوارث والويلات التي نجمت عن هذا الوعد فلا أقل من أن تتحمل مسؤولياتها لإنهاء مأساة اللاجئين الفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة . وتكفي تسعون عاما من المعاناة والعذاب تحملها الفلسطينيون بصبر وأمل ،لكن للصبر حدودا ما لم تعط الفرصة للأمل والتعقل واحترام حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة وغير القابلة للتقادم مهما طال الزمن .