دخل حيز التنفيذ في بداية الأسبوع الجاري قرار الاتحاد الأوروبي بمقاطعة النفط الإيراني، وذلك في سابقة تاريخية تحمل الكثير من المعاني حول أهمية التغيرات التي طالت العلاقات الدولية في السنوات الماضية. لقد كانت البلدان المنتجة للنفط هي التي تحدد شروط اللعبة في أسواق النفط خلال العقود الماضية، وشكل ذلك أداةَ ضغط وورقة قوية بأيدي البلدان المصدرة استخدمتها ضد البلدان المستهلكة، وبالأخص أثناء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 حين توقف تصدير النفط العربي، مما ضاعف الأسعار خمس مرات تقريباً. وبعد أربعة عقود من ذلك التاريخ يبدو أن هذه الأداة انتقلت إلى أيدي البلدان المستهلكة، والتي عمدت خلال الفترة الماضية إلى تقليص اعتمادها على النفط، وبالأخص من منطقة الخليج العربي، وذلك بتطوير مصادر الطاقة البديلة ومكامن الإنتاج في مناطق أخرى من العالم، بما فيها الأمريكيتين كالبرازيل وفنزويلا والولايات المتحدة. وإذا ما استمر مثل هذا التوجه نحو تقليص الاعتماد على النفط المستورد، فإن تغيرات كبيرة وخطيرة سوف تشمل ليس أسواق الطاقة فحسب، وإنما ستجد لها انعكاسات على جوانب استراتيجية وتحالفات كانت حتى وقت قريب تعتبر من المسلمات. وفيما يتعلق بإيران، يتوقع أن تكون لمقاطعة النفط الإيراني عواقب وخيمة على اقتصادها المتضرر من إجراءات المقاطعة السابقة. كما يتوقع أن تنخفض صادرات إيران من النفط بنسبة 50 في المئة، بعد انخفاضها بنسبة 30 في المئة منذ مارس الماضي، مما يعني تحملها خسائر شهرية تصل 2.5 مليار دولار. أما في حالة انضمام المزيد من البلدان لمقاطعة النفط الإيراني مستقبلاً، فإن هذه الخسائر ستتضاعف، مما سيجد له انعكاسات على الأوضاع الاقتصادية وعلى مستويات المعيشة. والحقيقة أن هذه الأضرار لا تنجم فقط عن المقاطعة الأوروبية، وإنما أيضاً عن الانضمام غير المباشر للبلدان التي رفضت هذه المقاطعة، كالصين والهند اللتين استغلتا الفرصة واشترطتا استمرار الجزء الأكبر من وارداتهما من النفط الإيراني لكن بالمقايضة مع سلع وخدمات وليس عبر الدفع بالدولار الأمريكي. أما روسيا، فخفضت رسوم صادرات النفط بنسبة 12 في المئة مما يتيح لها زيادة هذه الصادرات مستقبلاً. ومع أن بعض المحللين سبق وأن أشاروا إلى إمكانية ارتفاع أسعار النفط بسبب المقاطعة الأوروبية لإيران، مع توجيه تحذير للبلدان الأوروبية من خطورة ذلك، فإن ما حدث هو العكس، إذ تشهد أسعار النفط انخفاضات متتالية، وذلك لأسباب في مقدمتها زيادة الإنتاج من بلدان ومناطق أخرى، وتباطؤ نمو الاقتصاد في مراكز الاستهلاك الرئيسية، وانخفاض حدة المضاربات بسبب أزمة منطقة اليورو والأزمات المصاحبة. لذلك، فإن إلقاء اللوم في انخفاض الأسعار على زيادة الإنتاج فقط أمر بعيد عن الواقع لأنه يشكل جزءاً من المشكلة وليس المشكلة برمتها، فهذه القضايا مجتمعة هي التي أوصلت أسعار النفط إلى مستويات متدنية نسبياً لتنخفض بسبة 20 في المئة خلال ثلاثة أشهر، حيث يشكل ذلك عامل ضغط إضافي على الاقتصاد الإيراني. ومع أن إيران وضعت عدة سيناريوهات لمواجهة هذه العقوبات، إلا أن هذه السيناريوهات بعيدة عن الواقع، إذ لا تجدي في العصر الحديث سياسات مواجهة بلد بمفرده بقية بلدان العالم الأقوى والأكثر تأثيراً، مما يتطلب وضع سيناريوهات بعيدة عن المواقف المتشنجة وأكثر موضوعية وانسجاماً مع المتغيرات الدولية، خصوصاً وأن مجمل العقوبات، وبالأخص المالية والنفطية المفروضة على إيران، بدأت تترك آثاراً مؤلمة، ليس على النمو الاقتصادي فحسب وإنما على حياة الناس ومستويات معيشتهم. نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية