مازلت أعتقد أن مسلسل توزيع الأراضي في مصر هو أوسع أبواب الفساد الذي ظهر في تاريخ مصر الحديث.. ان هذا المسلسل يقف وراء كل جرائم نهب المال العام.. هذا المسلسل كان وراء إنشاء طبقة جديدة من أصحاب المصالح كانت سببا في كل مظاهر الخلل التي أصابت التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للشعب المصري.. وهذا المسلسل هو الذي خلق كل التراكمات المالية التي حصل عليها عدد من الأشخاص الذين تكونت منهم الطبقة الجديدة.. ولهذا لم يكن غريبا ان تكون الأراضي هي القاسم المشترك في كل قضايا الفساد سواء تلك التي كشفتها الأجهزة الرقابية أو تلك التي مازالت تبحث عن أيد أمينة تعيد للشعب ثرواته الضائعة.. كانت الأراضى هي الغنائم التي سطا عليها عدد من الأشخاص تحت دعاوى الانفتاح حينا والخصخصة حينا آخر في كل أنحاء المحروسة ابتداء بالطرق الصحراوية وانتهاء بالشواطئ والبحيرات.. لا أحد يعلم حجم المساحات التي تم توزيعها أو التي تم بيعها ابتداء بالعقارات والمدن الجديدة وانتهاء بالأراضي الصحراوية مرورا على تبوير الأرض الزراعية وتحويلها إلى مبان.. ان هذا التاريخ الأسود الذي خلفته عهود سابقة كان أكبر الجرائم في حق هذا الشعب ومستقبل أجياله القادمة.. ماذا يعني ان يحصل شخص ما على ألف فدان لزراعتها بسعر 200 جنيه للفدان ثم تتحول إلى قصور وفيلات يجمع منها مئات الملايين.. ماذا يعني ان يتم توزيع مساحات رهيبة من الأراضي على الشواطئ في شرم الشيخوالغردقة بسعر دولار للمتر بالتقسيط ويباع في اليوم التالي بسعر 500 دولار للمتر نقدا.. ماذا يعني ان تخصص عشرات القطع من أراضي البناء في التجمع الخامس وأكتوبر والشروق والعبور والعاشر من رمضان والمدن الجديدة بأسعار هزيلة وتباع بعشرات الملايين.. ان الأغرب من ذلك هو عمليات التخصيص للمستثمرين ورجال الأعمال وكلها كانت استثمارات عقارية ومزادات لشراء الأراضي.. وسط هذا كله وقف ملايين الشباب الذين سرقتهم سنوات العمر حيث لا عمل ولا زواج ولا سكن وأصبح من الصعب بل من المستحيل ان يحصل مواطن فقير في هذا البلد على بضعة أمتار من ترابها لكي يقيم فيها قبرا.. مسلسل نهب الأراضي المصرية عار تاريخي وجريمة ينبغي ألا تسقط بالتقادم. كانت المأساة الكبرى في هذا المسلسل ان مؤسسات الدولة تحولت إلى سمسار أراض أمام سياسة المزادات والمضاربات التي اخترعتها الدولة لكي تتاجر في أصول الشعب وهي حق للجميع.. منذ سنوات ونحن نتحدث عن جرائم توزيع الأراضي وفي الوقت الذي كان من الصعب فيه ان يحصل شاب على قطعة أرض يزرعها ويبدأ بها حياته كانت آلاف الأفدنة تتسرب إلى أيدي مجموعة من الأشخاص.. في هذا المسلسل بدأ توزيع الأراضي في المدن الجديدة التي تحولت الى منتجعات وفيلات وقصور وكان من الصعب ان يجد الشباب فيها مكانا لهم بعد ان تم تسقيعها ودخلت أسعارها في أرقام فلكية، كان أمرا غريبا ان يسطو كبار المسئولين على الأراضي الصحراوية التي كانت مخصصة لشباب الخريجين.. من كان يتصور أن تحصل جمعية من الجمعيات على 36 ألف فدان في العياط في منطقة أثرية تدفع فيها خمسة ملايين جنيه وبعد ذلك تتحول إلى مشروعات إسكان، ومازالت هذه القضية مثار خلاف لأن فيها مساهمين من الكويت وقد وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود حيث قدرت الحكومة قيمة هذه المساحة بأكثر من 50 مليار جنيه بينما وصلت المفاوضات إلى 7 مليارات جنيه وتوقف كل شىء أمام تعثر المفاوضات، ومازالت هذه المساحة الضخمة من الأراضي تائهة بين الدولة وجماعة المستثمرين بل انها وصلت إلى التحكيم الدولي. هناك مساحات ضخمة من الأراضي تم توزيعها في نطاق سياسة بناء المنتجعات وكانت الأراضي تباع بأسعار زهيدة بينما القصور والفيلات تباع بالملايين، وكانت هذه الكارثة سببا في تكوين ثروات ضخمة لعدد من الأشخاص والعائلات وحرمت بقية أبناء الشعب من حقهم في مسكن مناسب بسعر مناسب. كان المفروض ان ينتقل ملايين الشباب إلى المدن الجديدة حيث تتوافر مساحات واسعة من الأراضي ولكنها تحولت إلى منتجعات تباع بالملايين.. والغريب في الأمر ان هذه المنتجعات لم تكن وسيلة لمواجهة أزمة المساكن ولكنها كانت طريقا لتفاوت طبقي رهيب قسم المجتمع إلى سكان المنتجعات وسكان العشوائيات وانطلقت مشروعات المنتجعات في كل اتجاه بينما كانت العشوائيات تبتلع أطراف المدن وكان هذا التناقض الشديد ما بين قصور المقطم ومخابئ الدويقة.. على جانب آخر شهدت مشروعات الخصخصة التي باعتها الحكومة لعدد من الأشخاص اعتداء صارخا على مساحات كبيرة من الأراضي التي تحولت إلى مساكن ومنتجعات وعقارات بل ان أصول هذه المشروعات من المعدات ووسائل الإنتاج تم بيعها خردة وتم إخلاء الأراضي وتحويلها إلى كتل خرسانية بعد تسريح عمالها.. كان النموذج الأكبر في هذه الصفقات مساحات هائلة من الأراضي المخصصة للمحالج على امتداد مصر من الإسكندرية إلى أسوان.. إذا انتقلنا إلى الشواطئ خاصة في المناطق المميزة في الغردقةوشرم الشيخ والساحل الشمالي كانت الأراضي تباع بأسعار زهيدة بالتقسيط المريح حتى ان المحافظين كانوا يوزعون الهبات للمسئولين في الدولة وكل من يحصل على قطعة أرض يبيعها في اليوم التالي ويربح فيها الملايين.. كانت الإعتداءات على الشواطئ في المحروسة واحدة من أكبر جرائم مسلسل توزيع الأراضي في مصر.. لاشك ان هذه الصفقات السريعة في تجارة الأراضي كانت وراء تكوين ثروات ضخمة لعدد من الأشخاص في فترات زمنية قصيرة، وقد أدى ذلك إلى خلل في مكونات الطبقات الإجتماعية بل انها غيرت مفاهيم كثيرة في المجتمع حول الثراء السريع والصفقات السهلة وكيف يحصل الإنسان على فرصة ذهبية في قطعة أرض أو منتجع أو عقار ويصبح مليونيرا بين يوم وليلة. لم تكن الدولة جادة في يوم من الأيام وهي تقف بكل مؤسساتها أمام هذه الظاهرة المخيفة.. لم تحصل الدولة على حق الشعب في هذه المساحات التي بيعت بتراب الفلوس.. ولم تحصل الدولة على الضرائب عن الأرباح التي جاءت نتيجة تسويق هذه الأراضي أو تسقيعها أو تحويلها إلى مساكن وعقارات.. وكانت هذه الظاهرة على حساب مشروعات التوسع الزراعي التي تعثرت أمام التوسع السكاني.. وقبل هذا كله فقد التهمت المنتجعات مدخرات المصريين في الخارج التي تحولت إلى كتل أسمنتية على امتداد أكثر من ثلاثين عاما، وهنا انقسم المجتمع المصري على أساس طبقي حيث كانت المنتجعات وأمامها العشوائيات، وقد حمل هذا الانقسام مخاطر كثيرة على المستوى الفكري والثقافي والإنساني ولم يعد مجرد بنايات تحمل مواصفات سكانها ولكنه أصبح سدودا اجتماعية فرقت أبناء الوطن الواحد بين من ملكوا كل شىء ومن لم يحصلوا على أي شىء.. لم يكن مسلسل جرائم توزيع الأراضي مقصورا على المدن الجديدة والطرق الصحراوية بل ان هناك جريمة أكبر وهي العدوان على الأراضي الزراعية.. ان الأرقام مخيفة والعدوان كان صادما فقد خسرت مصر خلال عشرين عاما مئات الآلاف من الأفدنة من أجود الأراضي الزراعية التي تحولت إلى كتل أسمنتية في كل أرجاء المحروسة.. لا أحد يعرف بدقة مساحة هذه الأراضي وكم تقدر قيمتها وأين مئات الملايين التي جمعها سماسرة الأراضي في هذه الصفقات التي شملت كل محافظات مصر بلا استثناء.. وسط هذه الجرائم كانت الحكومات المتعاقبة تصدر القرارات والتشريعات التي لا ينفذها أحد وامتدت المساكن على أطراف المدن واختفت تماما المساحات الخضراء التي كانت تقدم للناس الخضراوات والفاكهة والحبوب والأغذية المختلفة بكل أنواعها. هذا المسلسل البغيض في توزيع الأراضي كانت له نتائج كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والإنساني.. لقد حرم مصر من مساحات ضخمة من الأراضي هي بكل المقاييس حق من حقوق الأجيال القادمة وكان هذا أكبر عدوان على مستقبل هذا الشعب. ان هذه الأراضي كانت وراء ثروات ضخمة تكونت وشكلت واقعا اجتماعيا كريها وبغيضا افتقد العدالة وحرم أبناء الشعب من حقهم في أصول وطنهم. ان الدولة لم تحصل على المقابل المادي المناسب في هذه الظاهرة الخطيرة فلا هي تحصلت على ضرائب تجمعها ولا هي حصلت على فروق أسعار بين البيع والتسقيع والتجارة والسمسرة ولا هي كانت عادلة في توزيع أصول الدولة وهي حق للجميع.. وبعد ذلك كله تقف الدولة الآن حائرة أمام جرائم توزيع الأراضي وهي – كما قلت – لن تسقط بالتقادم لأن الأرض باقية والتوزيعات باطلة ومن حق الشعب ان يسترد أصوله.. كيف يتم ذلك وكيف تحصل الدولة 600 مليار جنيه قدرها الجهاز المركزي للمحاسبات هي حصيلة الاعتداءات على أراضي الدولة؟! ان أبسط الأشياء ان تحصل الدولة الضرائب على هذه الأرقام وسوف تكون بآلاف الملايين.. فهل تفعل؟. ان الدولة تقف الآن حائرة أمام هذه الجرائم وأمامها أكثر من مشكلة.. ان هناك طابورا طويلا من المستفيدين من مسلسل الأراضي يبدأ بالموظفين الصغار وينتهي عند مسئولين كبار، وهذه الكتائب التي مارست الفساد زمنا طويلا لا تريد ان تتنازل عن مكتسباتها. ان الخلل الرئيسي في مؤسسات الدولة التي اعتادت زمنا على هذه التجاوزات وهي تعتقد ان ما بقي من الأراضي يستحق المغامرة بل والمواجهة مع كل من يسعى للإصلاح والتطهير في هذا الوطن. يبقى بعد ذلك ان رجال الأعمال رغم تعدد أنشطتهم وأرصدتهم مازالت عيونهم حتى الآن تتجه إلى ما بقي في أيدي الدولة من الأراضي بحثا عن مكاسب جديدة. ..ويبقى الشعر وجْهٌ جَمِيلٌ.. طافَ فِى عَيْنى قليلا ً .. واسْتَدارْ فأراهُ كالعُشْبِ المسَافِر.. فِى جَبين ِ الأرْض يَزْهُو فِى اخْضِرَارْ وتَمرُّ أقْدَامُ السنِين عَليهِ .. يَخْبُو.. ثُمَّ يسْقُط فِى اصْفرَارْ كمْ عِشْتُ أجْرى خَلْفَهُ رَغمَ العَواصِف..والشَّواطِىء.. والقِفَارْ هَلْ آنَ للحُلْم المسَافِر أنْ يَكُفَّ عَن ِ الدَّوَارْ ؟ يَا سِنْدباد العَصْر .. إرجعْ لمْ يَعُدْ فِى الحُبِّ شَىْءٌ غَيْرُ هَذا الانْتحَارْ ارْجعَ .. فَإنَّ الأرْض شَاخَتْ والسّنونَ الخُضْرَ يَأكُلُها البَوَارْ ارْجعْ .. فإنَّ شَوَاطىءَ الأحْلام ِ أضْنَاهَا صُرَاخُ المَوْج مِنْ عَفَن ِ البِحَارْ هَلْ آنَ للقَلْبِ الذى عَشقَ الرَّحِيلَ بأنْ يَنَامَ دَقيقة ً .. مِثْلَ الصِغَارْ ؟ هلْ آنَ للوجْهِ الَّذِى صَلَبُوه فوقَ قِناعِهِ عُمْرًا بأنْ يُلْقِى الِقنَاعَ الُمسْتَعَارْ؟ وَجْهُ جَمِيلٌ طافَ فِى عَيْنى قليلا ً .. واسْتَدَارْ كانَ الوداعُ يُطلُّ مِنْ رَأسِى وفِى العَيْنَين ِ سَاعَاتٌ تدُقُّ.. وألفُ صَوْتٍ للقِطَارْ وَيْلى مِنَ الوجْه البَرىء.. يغُوصُ فى قلْبى فيُؤلمُنى القرارْ لمَ لا أسَافرُ بَعْدَ أنْ ضاقتْ بى الشُّطآنُ .. وابْتعَدَ المزارْ ؟! يا أيُّها الوجه الذى أدْمَى فؤَادى أىُّ شَىْءٍ فيكَ يُغْرينى بهَذا الانتظارْ ؟ مَا زالَ يُسْكرُنى شُعَاعُكَ.. رَغْمَ أنَّ الضَّوْءَ فى عَينىَّ نارْ أجْرى فألمَحُ ألْفَ ظلٍّ فِى خُطاىَ فكيْفَ أنجُو الآنَ مِنْ هَذا الحِصَارْ ؟ لِمَ لا أسَافِرُ ؟ ألفُ أرْض ٍ تحْتَوينِى .. ألْفُ مُتَّكإٍ .. ودَارْ أنا لا أرَىَ شَيْئًأ أمَامِى غَيْرَ أشْلاءٍ تُطاردُهَا العَواصِفُ .. والغُبَارْ كمْ ظلَّ يَخْدَعُنِى بَريقُ الصُّبح فِى عَيْنَيْكِ.. كُنْتُ أبيعُ أيَّامِى ويَحمِلُنى الدَّمَارُ .. إلى الدَّمَارْ قْلبى الذَّى عَلَّمتُهُ يَومًا جُنونَ العِشْق ِ عَلَّمَنِى هُمُومَ الانْكسَارْ كانتْ هَزَائِمُهُ عَلى الأطْلال ِ.. تَحْكِى قِصَّة القَلْبِ الَّذِى عَشقَ الرَّحيلَ مَعَ النَّهَارْ ورَأيْتُهُ نَجْمًا طريدًا فِى سَمَاءِ الكَوْن ِ يَبْحَثُ عَنْ مَدارْ يَا سِنْدبَادَ العَصْر عهْدُ الحُبِّ ولّى.. لنْ تَرَى فِى القَفْر لؤلُؤة ً.. ولنْ تَجِدَ المحَارْ وَجْهٌ جَمِيلٌ .. طافَ فِى عَيْنِى قليلا ً .. واسْتَدَارْ وَمَضَيْتُ أجْرى خَلْفُه.. فوجَدْتُ وَجْهِى .. فِى الجِدَارْ قصيدة النجم يبحث عن مدار 1993 نقلا عن جريدة الأهرام