موعد عودة الرحلات البرية لحجاج السياحة    انخفاض أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    وزير الإسكان: إزالة عدة مخالفات بناء في 4 مدن خلال عيد الأضحى    رئيس الموساد السابق: نتنياهو يقودنا إلى كارثة وكل ما يهمه البقاء في السلطة    5 مباريات تجهز الأهلي لصدام الزمالك    بدء اجتماع خلية أزمة الحجاج برئاسة رئيس الوزراء    محافظ مطروح يتفقد سير امتحانات الثانوية العامة (صور)    وزير الإسكان: الجهاز المركزى للتعمير يتولى تنفيذ حديقة تلال الفسطاط بالقاهرة    العربى الناصرى: 30 يونيو ثورة تصدت لإرهاب الإخوان وأنقدت مصر من الحرب الأهلية    الشرطة الأمريكية: مقتل 3 أشخاص في إطلاق نار بولاية أركنساس    رئيس جامعة العريش يؤكد ضرورة سرعة إعلان نتائج الكليات والبرامج (تفاصيل)    تشكيل البرتغال المتوقع أمام تركيا.. رونالدو يقود الهجوم    بعد تسريب امتحان اللغة العربية بالثانوية العامة.. السجن والغرامة تلاحق المتورطين    منظومة الشكاوى بوزارة التعليم العالي تستجيب ل5021 شكوى خلال العام المالي 2023-2024    بتهمة الفسق والفجور.. بعد قليل الحكم على كروان مشاكل وإنجي حمادة    أميرة بهي الدين ل«الشاهد»: الإعلان الدستوري الإخواني تجاوز معنى القانون    مدفعية الاحتلال تستهدف المناطق الوسطى من مدينة رفح الفلسطينية    مسرح العرائس يقدم حفلين غنائيين لأم كلثوم| 11 يوليو    حكم زيارة قبر الوالدين كل جمعة وقراءة القرآن لهما.. الإفتاء تكشف    الصحة: تنفيذ 45 برنامجا تدريبيا لرفع كفاءة وتأهيل 1490 صيدليا في 12 محافظة    ينهي حياة أبن شقيقة لخلاف على سور وحجرة بالدقهلية    من الشرقية، التعليم تكشف هوية مصور امتحان اللغة العربية بالثانوية العامة    العدوان الإسرائيلي يحرم طلبة غزة من أداء امتحانات الثانوية العامة    استقرار أسعار الذهب اليوم السبت 22 يونيو 2024 بعد تراجع طفيف    أسعار اللحوم الضاني اليوم السبت 22-6-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    صحة الدقهلية: تدريب مشرفي اللجان الطبية للتعامل مع الحالات الطارئة خلال الامتحانات    سيارة الزفة اصطدمت بعمود إنارة.. عروسان يتعرضان لحادث سير بالغربية (فيديو)    جامعة القاهرة تخصص 2.5 مليون جنيه لتطوير مركز الدراسات الشرقية    طريقة عمل الجاتوه شاتوه، زي الجاهز وأوفر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-6-2024    كاف يعلن تلقيه عروضا لاستضافة السوبر الأفريقي    وكيل الصحة: مستشفيات مطروح حققت أعلى درجات الجاهزية والاستعداد خلال عيد الأضحى    لأول مرة| دراسة ل«القومي للبحوث» تبحث في شخصية المجرم.. خاطف الأطفال    تعرف على متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» اليوم    نقيب البيطريين يكشف تفاصيل الأوضاع داخل النقابة بعد توليه المقعد (تفاصيل)    يورو 2024| التشكيل المتوقع لمنتخب التشيك أمام جورجيا في بطولة الأمم الأوروبية    لوبان: ماكرون سيضطر إلى الاستقالة من أجل الخروج من الأزمة    تامر عاشور يعلق على أزمة شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب مع أسرتها.. ماذا قال؟    الخارجية السودانية تصدر بيانا بشأن الأزمة مع الإمارات.. ماذا حدث؟    نوران جوهر تتأهل إلى نهائى بطولة العظماء الثمانية للاسكواش    انتشال 14 جثة بعد غرق مركب مهاجرين أمام سواحل إيطاليا    كلب مفترس يعقر 12 شخصا بقرية الرئيسية في قنا    دار الإفتاء تكشف حكم قراءة المرأة القرآن بدون حجاب    مفتي الجمهورية: عماد عملية الفتوى الإجابة عن 4 تساؤلات    عمرو دنقل: رحلة فرج فودة الفكرية مصدر إلهامي لانطلاق روايتي "فيلا القاضي" المؤهلة لجائزة طه حسين    مهمة عسكرية ل "الناتو" في أوكرانيا| فيكتور أوربان: لن يستطيع أحد إجبارنا على الدخول في الصراع الأوكراني.. روسيا تعلن استعدادها لإجراء حوار لدعم الاستقرار مع الولايات المتحدة    تُلعب فجر السبت.. القنوات الناقلة لمباراة تشيلي وبيرو في كوبا أمريكا 2024    بعد تعرضها لوعكة صحية.. نقل لقاء سويدان إلى المستشفى    مع انتهاء موسم الحج. سعر الريال السعودي اليوم السبت 22 يونيو 2024 مقابل الجنيه المصري    ريال مدريد.. أعلى دخلًا للأندية في العالم    موعد سداد فاتورة التليفون الأرضي لشهر يونيو 2024 في مصر    وفاة والدة بيليه عن عمر يناهز 101 عامًا    أخبار اليوم الأسبوعي| حقائب التحدى ومفاجأة الأعلى للجامعات والجمهورية الجديدة    أشرف زكي: قرارات النقابات المهنية بمقاطعة إسرائيل لا تقبل الجدل (فيديو)    لأول مرة.. مشاريع تخرج قسم الإذاعة والتليفزيون ب «إعلام القاهرة» تحظى برعاية 5 وزارات    أيمن الرقب: اعتراف أرمينيا الرسمي بفلسطين انتصار معنوي لدماء شعبنا    دعاء الثانوية العامة مكتوب.. أفضل 10 أدعية مستجابة عند الدخول إلى لجنة الامتحان    أخبار × 24 ساعة.. التعليم لطلاب الثانوية: لا تنساقوا خلف صفحات الغش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.خالد الحروب: معنى الثورة: النهر ضد المستنقع
نشر في أخبار مصر يوم 24 - 10 - 2011

الثورة، وبالتعريف، مُكلفة وهي أقرب إلى المغامرة والمقامرة منها إلى أي شيء محسوب بدقة. والميل الإنساني التاريخي نحو التغيير والتخلص من الأمر الواقع الفاسد يفضل الإصلاح التدريجي إن كان قيد الاستطاعة، على الثورة العارمة. الإصلاح التدريجي يوفر على المجتمعات أكلافاً كبيرة تضطر لدفعها في خضم اندلاع الثورة.
ذلك أن الثورة عندما تنفجر مدفوعة بأسباب حقيقية تطال شظاياها كل جوانب حياة المجتمعات، وتزلزل ما استقر من زمن طويل. لكن عندما تنسد كل منافذ الإصلاح التدريجي أو حتى البطيء جداً تجد الشعوب نفسها أمام خيار الثورة بكل أكلافه. بهذا المعنى تغدو الثورة، وبكونها الحل الأخير، علاجاً بالكي بعد فشل كل أنواع العلاج الأخرى. الثورة تندفع على الوضع القائم الفاسد المُستبد كما يندفع النهر على المُستنقع.
المستنقع هو مستودع التكلس، والجمود، وتتراكم في أعماقه كل أنواع التعفنات وأمراضها. كلما مر وقت أطول على المستنقع من دون أن يطاله جريان الماء يزداد تكلساً وتعفناً (بالقبلية، والطائفية، والفساد، والمحسوبية، وكل ما صار معروفاً). الشكل الخارجي للمستنقع يوحي بالاستقرار والأمان: حدوده واضحة، وأفقه معروف، ولا حركة فيه مجهولة المسار والمصير. المجتمعات التي تعاني من وطأة الاستبداد الطافح تتحول إلى مستنقعات منطوية على نفسها وعلى أغوارها السوداء.
الحرية هي الآلية الوحيدة التي تمنع تحول المجتمعات المستقرة إلى مستنقعات، لأنها كالنهر دائم الجريان يدور في جنبات المجتمع طولًا وعرضاً، ينظف عوالق التكلس، ويندلق على كل بقعة تعفن قد تطاله فيطهرها. وصلنا في المنطقة العربية إلى مفترق طرق عسير: إما التمسك بالمستنقع، واستقراره الخادع وتعفنه العميق، وإما الانحياز للنهر المتدفق الذي سيجرف المستنقع ويقضي على العفن. صعوبة الاختيار على مفترق الطرق تكمن في أن نهر الثورة الجارف سوف يندفع بكل الطاقة المكبوتة لعقود ولا يُعرف بأي اتجاه سوف يسير بعد جرفه المستنقع، وهنا المقامرة الكبرى.
وهنا السبب الذي يعطي منطقاً وأفضلية لأطروحة الإصلاح التدريجي إنْ كان حقيقياً وليس تجميلياً ونفاقياً. الإصلاح التدريجي يتفادى المقامرات الكبرى، أو ما يمكن أن ينتج بعد انجراف المستنقع، يمنح الجميع إمكانية الانتقاء والتجريب والتحسين وبطبيعة الحال الإبقاء على أية إنجازات من حقبة المُستنقع مهما كانت متواضعة. إنه لا يبدأ من الصفر، لا يقيم الدمار والانجراف حتى يبدأ المسيرة الجديدة كما يفعل النهر.
في غالب الدول العربية إن لم نقل كلها لم تُطلق النخب الحاكمة مشروعات إصلاح حقيقي تحافظ على ما تم إنجازه، وتطلق بها طاقات مجتمعاتها في مناخ من الحرية والمشاركة السياسية، وتتفادى غضبة النهر واندفاعه. الإصلاح المُطبق كان دوماً تجميلياً وقشرته هشة.
إلى أين ستقودنا الثورات العربية، أليس من الممكن أن تؤدي بالمجتمعات إلى أوضاع أكثر سوءاً من تلك التي ثارت عليها؟ أليس ثمة احتمال أو حتى احتمالات أن يقودنا فوران هذا النهر غير المنضبط إلى اتجاهات مدمرة أو مجهولة، بعيداً عن طموحات الحرية والكرامة والعدالة التي أسست لكل الثورات وكانت منطلقها؟ ألا يتربص أصوليون يتنافسون في التطرف على بعضهم البعض للسيطرة على مجتمعات ما بعد الثورة ويقحمونها في عصور مظلمة؟ ألا يعيد الخارج ترتيب أوراقه إزاء بلدان ما بعد الثورات معززاً سيطرته عليها وعلى المنطقة، ومواصلا هيمنته وربما استغلاله لثرواتها ولكن بطرق جديدة؟ هذه كلها وغيرها كثير جوانب لسؤال أو تخوف مركزي يردده كثيرون إزاء الثورات، إزاء النهر المندفع وإلى المصائر يمكن أن يحمل المجتمعات.
وذلك يدفع كثيرين للتجرؤ وإعلان الانحياز إلى الوضع القائم، لأن الحفاظ على ما نعرفه رغم شروره، المستنقع رغم تعفنه، أفضل من المقامرة بالانحياز إلى ما نجهله. بعض من هؤلاء يرددون تلك التخوفات بحسن نية وخوف على المستقبل، وبعض آخر بسوء نية بكونهم من المنتفعين، وحرصاً على من تبقى في سدة الاستبداد ودفاعاً عنه.
التخوفات تلك وربما غيرها كثير مشروعة وليس ثمة ضمانات مسبقة على المستقبل. لكن في المفاضلة بين النهر والمستنقع الآسن يجب أن ننحاز إلى النهر. مستقبل المستنقع المتعفن معروف: المزيد من التعفن، ليس هناك نهاية سوى انتظار النهر القادم والمحتوم. مسألة اندفاع النهر في ومن بطن المستنقع ذاته مسألة وقت: إنها تحوم حول متى سيندفع النهر وليس في ما إن كان سيندفع أم لا. في المقابل، وأمام المستقبل الساكن للمستنقع فإن مستقبل النهر وجرفه للمستنقع مفتوح على كل الاحتمالات.
صحيح أن حس المقامرة عال في كل الاحتمالات تلك، لكن لا مناص عن تلك المقامرة. إنها المرحلة التي لا بد لمجتمعاتنا أن تمر فيها حتى تنتقل إلى مرحلة النضج والتسيس والاجتماع الصحي. إذا بقينا نخاف من القيام بهذه النقلة بسبب ضريبتها المحتومة، فإن معنى ذلك بقاؤنا نغوص في مستنقعاتنا للأبد. وإن كان لا بد من ترميز إضافي لجلاء الصورة أكثر فإن ما يعيننا فيها هو التأمل في مثال الطفل الذي يبدأ المشي للتو. كم عثرة وسقطة يواجهها وهو في طريقة لتعلم المشي والانطلاق إلى ما بعدها؟ كم مرة يبكي، وربما كم مرة يُدمى انفه؟ لكن لا بد له من المرور بتلك المرحلة رغم صعوبتها، ذلك أن بقاءه في مرحلة الحبو مسألة ضد طبيعة الأشياء.
لذلك فإن الانحياز للثورات العربية، برغم كل ما فيها من اختلالات، ومغامرات، ومخاطرات، هو انحياز لأفق المستقبل على انسداد الحاضر، كما على أحلام العودة للماضي. انحياز للحرية والكرامة، ضد الاستبداد. وهو أيضا، وبوعي كامل، انحياز مقامر في ذات الوقت. إذ ليس هنا أي قدر من السذاجة او التساذج يتغافل عن الصعوبات الهائلة التي تواجه مجتمعات مع بعد الثورات في المنطقة العربية.
فإسقاط أنظمة الاستبداد هو الشوط الأسهل، رغم صعوبته وأحيانا دمويته وأكلافه الهائلة، خلال مسيرة بناء مجتمعات ديموقراطية وصحية وفاعلة. الشوط الأكثر صعوبة هو عملية التأسيس والبناء بعد عقود الخراب الطويل. الانحياز هنا يعني الاصطفاف مع التغيير ضد رتابة التكلس وجمود الأوضاع الآسنة. الثورة هي النهر الذي يجرف البرك الراكدة، رغم أن ركوب النهر نفسه مخاطرة ومقامرة أيضاً.
نقلا عن صحيفة الاتحاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.