تتسع معركة "الأمعاء الخاوية" التي يخوضها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، في ظل إصرار الأسرى على استمرار إضرابهم حتى تحقيق مطالبهم المشروعة. وعلى رأس هذه المطالب، وقف سياسة العزل الانفرادي، وإعادة التعليم الجامعي، ووقف سياسة العقوبات الجماعية بمنع زيارات الأسرى وفرض الغرامات عليهم، ووقف سياسة تقييد أيدي وأرجل الأسرى خلال زيارات ذويهم ولقاء المحامين، وتحسين الوضع الصحي لمئات المرضى والمصابين. وفي المقابل، تواصل إدارة السجون الإسرائيلية تعنتها ورفضها لمطالبهم، وتتفنن في التمييز بين "جرائم"(!) الأسرى وطرائق معاملتهم، وهم الذين فاضت السجون ومراكز الاعتقال والتوقيف بهم. فقد كشف تقرير جديد بمناسبة "يوم الأسير" الذي يصادف 17 أبريل من كل عام، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت منذ 1967 وحتى الآن حوالي 750 ألف فلسطيني من كافة الأراضي الفلسطينية، بينهم قرابة 12 ألف امرأة فلسطينية وعشرات الآلاف من الأطفال... مبيناً أن هناك قرابة 70 ألف أسير اعتقلوا منذ بدء انتفاضة الأقصى في 28/9/2000، بينهم نحو 850 امرأة، و8 آلاف طفل. وبيّن التقرير أن الاعتقالات لم تقتصر على فئة أو شريحة محددة، وإنما طالت كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني دون استثناء، فشملت أطفالا وشباناً وشيوخاً، وفتيات وأمهات وزوجات، ومرضى ومعاقين وعمالا وأكاديميين، ونواباً في المجلس التشريعي ووزراء سابقين، وقيادات سياسية ونقابية ومهنية. وحين عقد المؤتمر الدولي الأول لمناصرة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال في أريحا يوم 24/11/2009، اشتملت توصياته على البدء بالتحرك في الساحات الدولية والإقليمية لتدويل قضية الأسرى واعتبارها قضية إنسانية عالمية على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته الإنسانية والقانونية والأخلاقية تجاهها. وبالفعل، تم إعداد الملفات الخاصة بالقضية وتجميع كافة القرارات والمواثيق الدولية ذات الشأن وإجراء الاستشارات مع المختصين والخبراء بحيث تبلورت رؤيا قانونية وآليات عمل لتفعيل قضية الأسرى على المستوى الدولي. بل تم وضع استراتيجية أساسها التوجه إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي للحصول على فتوى قانونية حول الوضع القانوني للأسرى والمعتقلين لدى "إسرائيل"، وتحديد المحكمة التزامات دولة الاحتلال القانونية تجاه هؤلاء المعتقلين، بالاستناد إلى ضرورة إلزامها بتطبيق اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة على الأسرى واعترافها بهذه الاتفاقيات للحفاظ على مكانتهم الشرعية كمحاربين قانونيين، وتحرير قضيتهم من الإطار المحلي ومن العزلة الدولية، وإشراك المجتمع الدولي ومؤسساته الفاعلة في مراقبة تطبيق إسرائيل للقوانين الدولية بشأن الأسرى وملاحقة المسؤولين الإسرائيليين على أعمالهم المخالفة لهذه القوانين. ولا شك أن الاستخفاف والاستهتار الإسرائيلي بوضع الأسرى والمعتقلين وتعاطيه معهم كمجرمين وإرهابيين أو مجرد أرقام ورهائن، كان الدافع الأساس لضرورة وأهمية تدويل القضية وفتح معركة قانونية مع المحتل الإسرائيلي لضمان حقوق الأسرى ومركزهم الشرعي القانوني والإنساني بصفتهم أسرى حركة تحرر وطني قاوموا المحتل لممارسة كافة بنود حق تقرير المصير. وحسناً فعلت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حين طلبت من مراقب فلسطين الدائم لدى الأممالمتحدة طرح قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية على مجلس الأمن، ودعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لوقف الممارسات الإسرائيلية المنتهكة للشرعية الدولية. إن التحرك الفلسطيني على مستوى المحافل الدولية، قانونيا وسياسيا، سيضع، في النهاية، حداً لما تقوم به سلطات الاحتلال من أعمال وحشية بحق الأسرى، خاصة بعد تصاعد الإضراب وإعلان لجنة الأسرى التابعة للقوى الوطنية والإسلامية في غزة عن انضمام ثلاثة أجانب (أمريكي وإيطالية وألمانية) إلى الإضراب عن الطعام بشكل مفتوح تضامناً مع الأسرى في خيمة الاعتصام أمام مقر الصليب الأحمر بغزة. إن إثارة المسألة القانونية المتعلقة بالأسرى مع الهيئات القانونية المختصة في الأممالمتحدة، بما فيها محكمة العدل الدولية، يسرع في إنجاح الإضراب المفتوح، خاصة وأن الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان تدعم تدويل قضية الأسرى الفلسطينيين. كما عبّر أعضاء في البرلمان الأوروبي عن تأييدهم التام لإرسال لجنة تقصي حقائق برلمانية إلى السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وعن استنكارهم لما تقوم به إسرائيل من أعمال وممارسات وحشية تمس حقوق المعتقلين وتنتهك القانون الدولي الإنساني. ومن الواضح أن إدارات السجون الإسرائيلية مصرة على انتهاك الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالرعاية الطبية والصحية للأسرى المرضى، وخاصة ما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على "ضرورة إجراء فحوص طبية للأسرى مرة واحدة على الأقل شهرياً، مراعاةً لحقوق الأسرى في العلاج والمتابعة الطبية". كذلك، تعتمد سلطات الاحتلال سياسة "الاعتقال الإداري" التي تعتبر، في نظر القانون الدولي والإنساني، من أكثر الأساليب خرقاً لحقوق الإنسان؛ كونها تحول الأسير للحبس الإداري بدون تهمة أو محاكمة، كما يتم تجديد هذا "الاعتقال" عدة مرات. وفي هذه الأوقات العصيبة، والتي تشهد ملحمة بطولية صامدة من قبل الأسرى، تتعامل حكومة نتنياهو مع القضية باعتبارها ورقة للمساومة. لذا، ومع نجاح الأسرى في الماضي القريب بتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال الوثيقة التي أعدوها (وثيقة الأسرى) والتي أنجزت بموجبها المصالحة الفلسطينية التي نتمنى أن تتحقق سريعاً على أرض الواقع، علينا اليوم جميعا أن ننصرهم في إضرابهم المفتوح عن الطعام، بالمسيرات والفعاليات التضامنية، ومن ضمنها مشاركتهم في رحلة "الأمعاء الخاوية"، حتى يصل صوتنا إليهم "بأننا معكم"، فنرفع معنوياتهم في معركة الإرادة ضد السجان، فيعلو صوت الأسرى ومعاناتهم وعدالة قضيتهم على امتداد العالم. لقد بدأ الأسرى الفلسطينيون معركة الكرامة والحرية رغم جبروت الاحتلال، ورغم إدارة مصلحة سجونه العنصرية، ليعلنوا للعالم أجمع أنهم "مع الجوع... وضد الركوع"، رافضين ممارسات الاحتلال وجرائمه، ومصرين على فضح الانتهاكات الإسرائيلية بحقهم. بالمقابل علينا العمل، بشكل جاد، على الصعيد الشعبي والرسمي، العربي والدولي، سواء بالتضامن الفعلي أو بالصيام مشاركة معهم على امتداد العالمين العربي والإسلامي، وأيضاً لتفعيل البعدين الإنساني والقانوني لقضيتهم العادلة على المستوى الدولي تخفيفاً لمعاناتهم وتحسينا للشروط المعيشية والصحية الخاصة بهم إلى أن يتم تحريرهم جميعاً. نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية