لم يكونوا يتصورون من هتفوا في ثورة 23 يولية سنة 1952 قائلين "يسقط الإستعمار" و"نموت نموت وتحيا مصر"، أن ثورتهم هذه لن تكون الأخيرة في تاريخ مصر، وأبدا لم يخطر ببالهم أنه بعد ستين عاما تقريبا، سيهب مصريون آخرون يهتفون قائلين" الشعب يريد إسقاط النظام" و " الشعب والجيش إيد واحدة" وغيرها من الشعارات، ولكنها لم تكن ضد إستعمار اجنبي، بل ضد إستعمار آخر يحمل الجنسية المصرية، ولكنه أبدا لم يشعر بهموم وأوجاع الشعب المصري، وغابت عنه آمال وآلام المصريين، وبالرغم من أنه أقسم على أن يحافظ على هذا البلد، فإذا به يسلمه صفقة لمن يدفع أكثر من اللصوص والمنتفعين، في داخل مصر وخارجها، هذا هو العدو الذي قامت ثورة يناير لتقتلعه من جذوره، ولتستعيد مصر والمصريون ما ضاع منهم من كرامة مهدرة، ومكانة ضائعة، وثروات منهوبة. فما هي أوجه الشبه والاختلاف بين هاتين الثورتين؟ وهل هناك علاقة ما تربط ما بين 23 يولية ، و25 يناير؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحها موقع أخبار مصر على الكاتبة والإعلامية فريدة الشوباشي، وعلى الدكتور وحيد عبد المجيد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، وإليكم التفاصيل: تقول الأستاذة فريدة الشوباشي، الكاتبة والإعلامية، أن الجيش هو من قام بثورة يوليو بقيادة جمال عبد الناصر وكانت في البداية حركة حولها الشعب لثوره عندما انضم للجيش فأصبحت ثورة جيش وشعب معا، وهذا حدث عندما أطلق الجيش شعار العدالة الاجتماعية فشعر الناس بجدية الجيش في التعبير عن الشعب والرغبة الحقيقية في التغيير. وكانت ثورة يولية على الاستعمار البريطاني الأجنبي وعلى الملك الفاسد وأعوانه وعلى الإقطاع والرأسمالية المستبدة وعلى القهر والذل الذي كان يعيش فيه الشعب بمختلف فئاته وطبقاته من عمال وفلاحين، الذين لم يكن لهم اية حقوق وإنما يُعامَلون كالعبيد، فجاءت ثورة يولية لتعيد الأمل للمصريين في إستعادة الكرامة ، ولا تصبح سيادة في مصر إلا للمصريين. وبالرغم من أن ثورة يولية تسلمت بلدا منهك الموارد، مسلوب الخيرات، إلا أنها استطاعت ان تنهض بالصناعة فبنت صروحا صناعية مثل مجمع الحديد والصلب وصناعة البتروكيماويات وصناعة الغزل والنسيج، بالإضافة لبناء السد العالي، الذي يعتبره العالم من أكبر مشروعات القرن العشرين، فضلا عن تأميم قناة السويس، وهذا يدل على أن الشعب يستطيع أن يصنع المستحيل إذا وجد القيادة الرشيدة، ولهذا أقول أن ثورة يولية كان لها أسبابها وكان لها أهدافا ومطالب واضحة استطاعت الوصول إليها وتحقيقها، فثورة يولية هي نقطة التحول الرئيسية في تاريخ مصر، التي انتقلت بها من حكم الاستعمار الأجنبي إلى حكم الشعب المصري لنفسه وبنفسه. وتضيف الشوباشي، أما ثورة 25 يناير فالذي قام بها هو الشعب بكل فئاته وأطيافه وطبقاته، وقام الجيش بحمايتها ومساندتها، والذي مهد لقيام هذه الثورة هو تحول فترات الحكم التالية لثورة يولية عن ما جاءت ونادت به ، فجاء قانون الانفتاح الاقتصادي الذي تم تطبيقه بعشوائية كبيرة ، فغابت العدالة وانعدم التكافؤ، ثم جاء مبارك بالخطة الكبيرة لتجريف مصر ونزع ثرواتها وتقليص دورها وتصغير مكانتها ، فحدثت خصخصة المصانع وبيعها وغلقها، فبدلا من تقليل طوابير العاطلين في سوق البطالة، عملت على زيادة هؤلاء نتيجة تسريح العاملين في مختلف المصانع التي تم بيعها أو غلقها، في الوقت الذي ترك فيه رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال يعبثون بمقدرات وثروات البلد، ويعيثون في مصر فسادا، فحدث التدهور لأحوال البلد الاقتصادية والصناعية والزراعية والصحية والعلمية ، وعاش المصريون في بلدهم كالغرباء بلا حقوق أو كرامة، وعلى الصعيد الخارجي، تراجعت مكانة مصر وانحسرت، بعد ما قطعنا أوصالنا مع أشقائنا العرب، وفي أفريقيا، لهثا وراء رضا أمريكا وإسرائيل. فقامت ثورة 25 يناير لتعلن إستحالة استمرار هذا الوضع أكثر من ذلك، وتبلور المطلب المصري في ميدان تحرير القاهرة وكل ميادين التحرير في مصر، في ثلاثة مطالب هي: إسقاط كل رموز النظام السابق وتطهير البلد منهم، الحرية التي عانى الشعب من إنعدامها وعاش مكمم الأفواه، والمطلب الثالث هو العدالة الاجتماعية الذي يعتبر الدعامة الأساسية لأي بلد في العالم، وهو ما جسده شعار " ارفع راسك فوق، انت مصري " لرفع الظلم والذل عن الشعب المصري. فثورة 25 يناير هي التي عبرت عن أقوى حالات الوحدة الوطنية، وجسدت مشاعر وأحلام وطموحات الشعب المصري، والتي استطاعت أن تنال إحترام وتقدير كل شعوب العالم، هذه الثورة هي تصحيح لمسار حياتنا كله وتصحيح لمكانة مصر. وتختتم الإعلامية فريدة الشوباشي كلامها قائلة: إن ثورة يولية كان لها قائد، وهو عبد الناصر، أما ثورة يناير فقائدها شعاراتها، ومن يحقق هذه الشعارات والمطالب يكون هو القائد، وأيضا ثورة يولية هي الشجرة الجذر وثورة يناير هي الفروع والثمار التي كادت أن تتيبس فأعاد لها دماء الثوار الشهداء في 25 يناير الحياة من جديد.