حتي كتابة هذه السطور لم تكن الحكومة قد ظهرت الى النور بعد في ظل حالة من الجدل حول شخصياتها وأهدافها ومعايير اختيار أو ترك الموقع الوزاري، حيث إن هناك الكثير من الاختلافات في هذا الشأن نظرا لطبيعة المرحلة الانتقالية، وعدم وجود معايير حاكمة يرضى عنها الجميع. بعيدا عن هذه الاختلافات هناك العديد من القضايا العاجلة والملحة التي تنتظر الحكومة الجديدة، ويأمل المواطن في تحقيقها بعد أن فقد إحساسه بالأمن واستمرت أحواله المعيشية في التدهور وسط تعامل بطيء من الحكومة السابقة والاكتفاء بسياسة رد الفعل. أول هذه القضايا الموضوعة على مائدة الحكومة هي الأسعار التي أصابها الفلتان الدائم، فأسعار اليوم غير الغد، ولا رقيب ولا حسيب، وكل ما يقال عكس ذلك هو مجرد تسكين والواقع شيء مختلف، خاصة فيما يتعلق بأسعار السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن في حياته اليومية. على الحكومة أن تبادر بوضع هذا الملف كأولوية أولى. ولا يحتاج الأمر إلى لجان أو مجموعات، وإنما حلول حاسمة سواء بزيادة المعروض أو الدفع بمجموعة إضافية من السلع الأخرى على بطاقات التموين، بأسعار معقولة، على أن يتم بعد ذلك بحث الحلول الآجلة من خلال اللجان.. أما الآن فالمواطن يريد حلا ولا يريد لجانا أو وعودا. ترتبط بتلك القضية قضية الأجور والحد الأدنى وتنفيذه حيث تسري شائعات عن عدم تطبيقه في بعض القطاعات، وإعداد الرواتب والأجور لشهر يوليو الحالي طبقا للجداول القديمة، مما أوجد حالة من التوتر وعدم الثقة في كلام الحكومة، والأمر يحتاج على الأقل إلى توضيح لما يتردد حول عدم تنفيذ الحد الأدنى للأجور في تلك القطاعات. ثاني هذه الملفات ملف الأمن بعد أن أصبحت الفوضى هي عنوان الشارع المصري، وأصبحنا نرى مدافع الجرينوف والأسلحة الآلية في الشوارع كما لعب الأطفال من قبل بعد أن تخلت الشرطة عن دورها طوعا أو كرها وأصبحت تخشى المواجهات حتى لا تدخل في سين وجيم.. صحيح أن المناخ العام غير موات والحكومة مرتعشة وخائفة، والشرطة تقف وظهرها مكشوف لكن هذا لا يعني أن تتخلى الأخيرة عن مسئوليتها لتنتشر السرقات والبلطجة والفوضى في كل مكان، وإذا استطاعت الحكومة الجديدة أن تعيد الأمن إلى الشارع، فهذا يكفيها، ولن يحدث ذلك إلا بدعم جهاز الشرطة ومحاسبته في آن واحد، بمعنى توفير كل احتياجاته، وفي الوقت نفسه محاسبته عن أي تقصير يقع هنا أو هناك، وأن يكون بقاء الضابط في موقعه مرتبط بقدرته على اداء مهامه والسيطرة على الموقف الأمني في منطقته، وفي كل الأحوال، فلابد من التنسيق التام بين الشرطة والجيش خلال الأشهر الستة المقبلة على الأقل لدعم الحملات الأمنية حتى وإن استلزم الأمر الاستعانة بطائرات الهليكوبتر، وتحويل المجرمين إلى المحاكم العسكرية وتطبيق قوانين البلطجة عليهم. يبقي الملف الثالث المهم الذي له الأولوية نفسها، وهو الملف السياسي، والذي تولى مسئوليته مبدئيا وحتى الآن د. علي السلمي، وهو من السياسيين المشهود لهم بالحكمة والتعقل، وبرغم حالة السيولة الموجودة، فإنه يجب أن تكون هناك خطوط ومحددات أساسية تضمن عدم تكرار أخطاء سابقة مثل اللجوء إلى القوانين الاستثنائية أو سلق وتفصيل قوانين وقرارات تضر بالممارسة الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير تحت أي دعاوي أو مسميات، فنحن لن نخترع الديمقراطية، فهي موجودة، وعلينا فقط الاستفادة من التجارب والثورات السابقة لنتجنب الأخطاء التي وقعت فيها هذه الثورات حينما لجأت إلى فرض أساليب ديكتاتورية و لجأت إلى القرارات والقوانين الاستثنائية، لتقع في الفخ وكأن الهدف أن نتحول من ديكتاتورية نظام سابق إلى ديكتاتورية نظام جديد على غرار فيلم سبارتكوس الشهير، حينما حاول العبيد تقليد الرومان في الطغيان بعد انتصارهم عليهم، فما كان من سبارتكوس إلا أن رفض أن يتحول المظلومون إلي ظالمين. واستمرت هذه الحكومة في اداء دورها فيما تبقي من المرحلة الانتقالية، فهذا يعني أنها هي التي سوف تشرف على الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهي الانتخابات الأهم في تاريخ مصر، لأنها سوف تكون عنوانا فارقا في مستقبل هذا الوطن، وعلى الحكومة بكامل هيئتها أن تستعد لذلك.. فهي إما أن تدخل التاريخ من بابه الملكي أو تقع في هوة سحيقة للأبد. نقلا عن جريدة الأهرام